الأربعاء، 02 أبريل 2025

06:33 ص

أسعد النرجسي.. ملِك الاضطراب النفسي!

لم يكن أسعد العاشق الغيور في قلبي ومفتاحه مجرد شخصية درامية مثيرة للجدل، بل كان انعكاسًا دقيقًا لتركيبة نفسية معقدة، تجذب كل من يشاهدها، وتستفز كل من يحاول فهمها. بين تسلطه القاسي وحنانه المشروط، بين الحب الذي يغلفه بالعنف والسيطرة، وبين خوفه العميق من الهجر، تتجلى شخصية نرجسية كما يقول الكِتاب، دون أي تقصير منه في تطبيق كل شروط النرجسي دون أن يغفل حتى صفة واحدة بالخطأ!

فالشخصية النرجسية، كما يصفها علم النفس، تتسم بشعور عميق بالعظمة، واحتياج دائم للإعجاب، مع نقص حقيقي في القدرة على التعاطف مع الآخرين. أسعد، في كل تصرف، كان يثبت هذه النظرية. فهو يريد الحب، لكنه يريد أن يكون مركزه الأوحد. يرى نفسه صاحب القرار الوحيد، لكنه لا يحتمل فكرة أن يتخذ غيره قرارًا يخصه. يبحث عن الاهتمام، لكنه يهرب من أي ضعف قد يكشفه أمام الآخرين.

بالنسبة لـ أسعد، الحب لم يكن شعورًا متبادلًا بقدر ما كان ساحة معركة عليه أن ينتصر فيها. العلاقة بالنسبة له لم تكن شراكة، بل هيمنة. كان يستخدم القوة في لحظات الحب، تمامًا كما يستخدمها في لحظات الغضب، كأن الحب والسيطرة وجهان لعملة واحدة في قاموسه العاطفي.

يشرح علم النفس أن الشخصيات النرجسية لا تحب بقدر ما تسعى للامتلاك. الحب بالنسبة لهم اختبار مستمر للآخر، هل سيثبت ولاءه؟ هل سيبقى رغم العاصفة؟ النرجسي، في أعماقه، لا يشعر بالأمان، لذا يحاول فرض سيطرته بشكل متكرر ليطمئن أنه لن يُترك، لكنه دون وعي، يدفع من حوله للهرب.

من أكثر الأمور التي تجعل شخصية أسعد مثيرة للتحليل النفسي، هي الكم الهائل من ميكانيزمات الدفاع التي يستخدمها للتشويش على ضعفه الداخلي. كلما شعر بالقلق، رفع صوته. كلما أحس بالخوف، مارس التسلط. كلما اقترب منه الحب، أفسده بجرعة زائدة من العنف العاطفي.

علم النفس يفسر ذلك بأن الشخصيات النرجسية تحمل بداخلها هشاشة عميقة، نابعة غالبًا من تجارب الطفولة أو علاقات سابقة رسخت فكرة أن الحب خطر، وأن الضعف يؤدي إلى الخسارة. لذا، بدلًا من مواجهة هذه المخاوف، يلجأ النرجسي إلى القناع: القناع القوي، المسيطر، الذي لا يُهزم.

النرجسيون يعيشون بين صورتين: الصورة التي يريدون تصديرها للعالم، والصورة التي يخافون أن يروها في أعماقهم. أسعد كان نموذجًا حيًا لهذا الصراع. رجل يرى نفسه قويًا لكنه يموت رعبًا من أن يكون ضعيفًا، يحب لكنه لا يعرف كيف يعبر عن الحب إلا من خلال الامتلاك، يخشى الوحدة لكنه يدفع الجميع بعيدًا عنه.

قد يراه البعض مجرد شخصية درامية معقدة، لكنه بالنسبة لمن يفهم علم النفس، هو مرآة تعكس حقيقة أن الاضطرابات العاطفية ليست مجرد عقد نفسية، بل هي حكايات غير مكتملة، وخيبات متكررة، وطفولة ما زالت تصرخ داخل جسد رجل يرفض أن يسمعها.

search