الأربعاء، 05 مارس 2025

08:13 م

التقلقل العاطفي في "الكابتن".. عندما يصبح الضحك اضطراباً!

غالباً ما تطعّم الدراما مشاهدها بالاضطرابات النفسية لتصبح أكثر جاذبية وتأثيرًا، خاصةً عندما يكون الاضطراب قادرًا على خلق حالة إبداعية متفردة لدى الممثل. وهذا ما يفعله أحمد الرافعي في مسلسل الكابتن، حيث يؤدي شخصية مصابة بالتقلقل العاطفي، وهو اضطراب نادر، لم يُسلط عليه الضوء بالقدر الكافي في الدراما العربية.

حتى الآن، لا يزال المشاهد غير قادر على الحكم على مدى إلمام الرافعي بجوانب الشخصية، أو الفهم الكامل لتأثير هذا الاضطراب على حياته قبل سقوط الطائرة، وتحوله إلى روح تطارد أكرم حسني! لكن ما لا شك فيه أن اضطراب التقلقل العاطفي يعد مادة خصبة للأداء التمثيلي، لأنه يحمل أسرارًا نفسية معقدة قلما تُكشف بسهولة.

فالتقلقل العاطفي (Pseudobulbar Affect – PBA) هو اضطراب عصبي، يؤثرعلى قدرة الإنسان على التحكم في تعبيراته العاطفية، مما يجعله يضحك أو يبكي بشكل مفاجئ وغير متناسب مع الموقف. المصابون بهذا الاضطراب لا يستطيعون السيطرة على انفعالاتهم، ما يؤدي إلى سوء فهمهم من قِبل الآخرين، فيُنظر إليهم كانّهم يسخرون من الألم، أو يبالغون في الحزن بلا سبب واضح!

يحدث هذا الاضطراب نتيجة خلل في الروابط العصبية بين القشرة المخية والجهاز الحوفي، المسؤول عن تنظيم المشاعر. وغالبًا ما يكون مرتبطًا بإصابات الدماغ، مثل السكتات الدماغية، أو التصلب المتعدد، أو إصابات الرأس الشديدة.

وغالبًا ما يتم تشخيص هذا الاضطراب بشكل خاطئ، بين الاكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب، لأن الأعراض قد تبدو متشابهة، لكن الفرق الرئيسي هو أن نوبات التقلقل العاطفي تكون قصيرة وغير متصلة بالحالة المزاجية الفعلية. كما أنّ  الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب يعانون من القلق الاجتماعي والعزلة، بسبب الخوف من ردود أفعال الآخرين تجاه انفعالاتهم غير المتوقعة. وتشير الدراسات إلى أن هذا الاضطراب يؤثر على ما يقارب 1 إلى 2 مليون شخص حول العالم، لكنه لا يزال غير معروف بشكل واسع.

ما يُنظر إليه على أنه "مبالغة درامية" أو "تضخيم عاطفي" قد يكون في الحقيقة معاناة حقيقية يعجز المصاب بها عن تفسيرها.

ولطالما كانت الشخصيات المصابة بالاضطرابات النفسية عنصرًا أساسيًا في الأعمال الدرامية، لما تحمله من تناقضات تجعلها أكثر واقعية وعمقًا وتعطي مساحة واسعة لإبراز موهبة الممثل. المثال الأبرز على ذلك هو أداء خواكين فينيكس لشخصية "الجوكر"، حيث استطاع ببراعة تجسيد معاناة شخص يعاني من اضطراب التقلقل العاطفي، فكانت ضحكاته القهرية، التي تندلع في غير موضعها، تعكس صراعًا داخليًا قوياً يجمع بين الألم والجنون.

أما في الكابتن، فإن أحمد الرافعي أمام تحدٍّ صعب جداً، إذ يتعين عليه إقناع المشاهد بأن نوبات الضحك أو البكاء التي تصيب شخصيته ليست مجرد انفعالات عادية، بل حالة مرضية تحمل بين طياتها مأساة داخلية، لم يتم تسليط الضوء عليها لحد الآن، حتى وإن تم معالجة الموضوع بطرح كوميدي، إلا أنّه يجب ألا يغفل أبداً الجانب الإنساني للموضوع.

ما يُنظر إليه على أنه "مبالغة درامية" أو "تضخيم عاطفي" قد يكون في الحقيقة معاناة حقيقية يعجز المصاب بها عن تفسيرها. وحين تُقدَّم مثل هذه الحالات في الدراما بوعي واحترافية، لا تكون مجرد استعراض تمثيلي، بل نافذة لفهم أعمق للنفس البشرية. فليس كل ضحك دليل سعادة، وليس كل بكاء انعكاسًا للحزن، بل قد يكون كلاهما مجرد صدى لصراع داخلي لا نراه، لكنه يترك أثرًا لا يُمحى في روح صاحبه.

search