الإثنين، 28 أبريل 2025

04:51 م

Adolescence يدعوكم لفتح أبواب غرف المراهقين قبل فوات الآوان!

نجحت كاميرا مسلسل Adolescence في نسج عمل فني مبهر، جمع بين براعة الصورة وجرأة المضمون.
لم تكتفِ العدسة بسرد الحكاية، بل اخترقت جدران غرف المراهقين المغلقة، تلك الزوايا التي كثيرًا ما تغفل عنها الأعين، إما تجاهلًا أو غفلة. العمل كان أشبه بصفعة… أحداث قاسية، مشاعر جياشة، مشاهد تنبض من قلب الواقع حتى تكاد تخنق أنفاسك! طفل لم يتجاوز الثانية عشرة، يتحوّل فجأة إلى قنبلة موقوتة تنفجر في وجه من حوله، دون أن يشعر أحد بالخطر إلا بعد أن تناثرت شظاياه.

فكم من غرفة مغلقة على مراهق يظنه والده وحيدًا، بينما هو في الواقع يعانق العالم عبر شاشة ويغوص في عوالم مزدحمة بالتناقضات وأفكار تتجاوز عمره وتشوّه فطرته، وتسرق منه ملامح الطفولة؟ المسلسل لا يمر مرور العابرين على ملامح هؤلاء الصغار، بل يكشف بوضوح كمّ الاضطرابات النفسية التي تسكن أعينهم، وتحوّل المجتمع من بيئة آمنة إلى فضاء مشوّه يعج بالعنف، التنمر، والعدوانية. 

يبدأ العمل بجريمة طعن يرتكبها مراهق بحق زميلته. جريمة تهزّ المشاهد، وتفتح الأبواب على تساؤلات مثل: ما الذي يدفع طفلًا إلى العنف الحاد؟ كيف ومتى نما هذا الغضب؟ وكيف لم يلاحظ الأهل هذا الانفجار الحاصل بداخله؟ ما يُمكنه أن يشعرك بالرعب أكثر، أن هذا الجيل الجديد بات يتحدث بلغة لا يفهمها سواهم، لغة تكنولوجيا مشبعة بمفاهيم متطرفة، ومشوشة، وعنيفة، لا تنبع من تجارب حقيقية أو مصادر موثوقة، بل من محتوى رقمي سريع ومفتوح، غالبًا ما يكون موجّهًا لأهداف استهلاكية أو فكرية مشبوهة.

وأحد أخطر هذه المفاهيم ما يتعلق بالجسد والهوية الجنسية. فالمراهق، في مرحلة يكون فيها وعيه الجسدي في ذروته، وتبدأ أسئلته الكبرى عن نفسه وتكوينه، لا يجد من يجيبه بصدق واحتواء، فيتجه إلى الإنترنت، ليتلقى معرفة مشوهة عن احتياجاته الجنسية، وتصورات مغلوطة عن العلاقة مع جسده ومع الآخر. هنا تكمن الكارثة: حين يتحول فضوله الطبيعي إلى أرض خصبة للانحرافات أو الصدمات النفسية، لأنه ببساطة استند إلى مصادر لا تفهمه، ولا ترعاه، بل تستغله.

والحقيقة أن العمل لا يكتفي بالسرد، بل يصرخ: "افتحوا أبواب الغرف المغلقة على أبناءكم، لتفهموهم قبل أن يُفقدوا في عوالم لا عودة منها." في زمن تغزو فيه الأفكار السامة العقول قبل نضجها، لم يعد الحضور الأبوي ترفًا، بل ضرورة عاجلة. فبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 1 من كل 7 مراهقين يعاني من اضطرابات نفسية، معظمهم لا يتلقون أي دعم. 

وتشير دراسة نُشرت في Journal of Adolescent Health إلى أن العزلة الرقمية قد ترفع احتمالية الإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 70% بين المراهقين. المراهق اليوم لا يعيش طفولته كما يجب، ولا بلغ رشده كما يُفترض.

هو يقف على حافة هاوية، تتلقفه الشاشات، وتضخّ في وعيه مفاهيم مغلوطة، وعنف مبرر، وقيم تشوه هويته وتربك إدراكه. وفي المقابل، يكتفي البعض من الأهل بإغلاق الباب احترامًا للخصوصية… لكن، ما فائدة الخصوصية إن كانت تخفي وراءها وحشًا يكبر كل ليلة؟ هل احترام شخصية المراهق يعني أن نتركه وحده يواجه عالمًا مفترسًا؟ هل يعني أن نغضّ الطرف عن رسائل مجهولة، أو ألعاب عنيفة، أو أفكار ملوثة تتسلل دون استئذان؟ علم النفس التربوي يؤكد أن المراهقين في هذه المرحلة الحساسة يحتاجون إلى: الاحتواء العاطفي: أن يُفهموا دون سخرية، وأن يُسمعوا دون أحكام.

المراقبة الواعية: متابعة ذكية ببناء جسور من الثقة. الحوار المنتظم: الحديث معهم لا إليهم، حول ما يواجهونه، ما يخشونه، وما يحلمون به. فالأبناء لا يحتاجون فقط إلى رُقباء، بل إلى آباء يتواجدون بصدق، يسمعون، يحتضنون، ويتدخلون حين يلزم الأمر. ويقول عالم النفس إريك إريكسون: "المراهق يبحث عن هويته، وغياب الدعم الأسري يجعله يصنع هوية مشوّهة، باحثًا عن الانتماء بأي ثمن" فالأبناء لا يحتاجون أبطالًا خارقين… بل آباء حقيقيين، يملكون شجاعة الاقتراب، والإنصات، والاحتواء، قبل أن يتحول الصمت إلى عنف، والانعزال إلى ضياع، والطفل إلى قضية لا تُحل. 

search