الجمعة، 22 نوفمبر 2024

06:29 م

نصف قرن من معرض الكتاب

سيظل معرض القاهرة الدولي للكتاب واحدا من أهم التظاهرات الثقافية التي ينتظرها الناس كل عام، لقد مرّ خمسة وخمسون عاما على هذا المعرض الذي يعد علامة ثقافية تقدم للجمهور الزاد المعرفي والثقافي، وطوال هذه الرحلة لم يقتصر على بيع الكتب فحسب، بل كان سببا رئيسا في تقديم وانتشار الكثير من المبدعين المصريين والعرب منذ دورته الأولى.

لا أبالغ حين أقول إن معرض القاهرة الدولي للكتاب كان سببا من أسباب انتشار نزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم والماغوط وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وغيرهم. ومن ناحية أخرى، كان سببا مباشرا في انتشار معارض الكتاب المختلفة في اثنتين وعشرين دولة عربية، ويعد المعرض الأهم بعد معرض فرانكفورت في ألمانيا، كما أنه لعب دورا مهما في التقارب العربي والأفريقي باعتباره أحد أهم القوى الناعمة التي تفتح المجال أمام تلاقح الأفكار وتقارب الأدباء والمثقفين العرب والأفارقة، فما تفسده السياسة تصلحه القوى الناعمة أحيانا.

صناعة النشر

 يظل معرض الكتاب هو السبب الأول في انتشار ودعم نوع من الصناعة الوطنية التي ربما لا يلتفت إليها أحد، وهي صناعة النشر، هذه الصناعة لا تقل أبدًا عن أية صناعة من الصناعات الأخرى ولها مردود اقتصادي عظيم، وعلينا أن ندرك أن هناك فرقا بين الطباعة والنشر، فالكتاب منذ أن يكون فكرة في ذهن صاحبه حتى يخرج من المطبعة يقع في مرحلة الطباعة، أما النشر فهو عملية تسويق الكتاب وهو الجزء الأهم في هذه الصناعة.

وقد أدركت دور النشر المختلفة أهمية هذه الصناعة فبدأت تنسّق ما بينها وتظل تعمل على تقديم الجديد في كل معرض. ودعما لتطوير هذه الصناعة أخذت معارض الكتاب تقيم مهرجانات ثقافية على هامش المعرض دعما لفكرة التسويق من ناحية ومن ناحية أخرى خلق حالة من الدعم الفكري والمعرفي للمجتمع العربي لأن من يملك المعرفة يملك القوة.

هدم الثقافة وسحر الكتاب الورقي

في الآونة الأخيرة بدأت تخرج علينا أصوات مختلفة تتهم معرض القاهرة للكتاب بالشيخوخة والتقليدية وعدم التطوير، وبخاصة في ظل انتشار الكتاب الإليكتروني على حساب الكتاب الورقي، وفي تقديري أن هذه أصوات تعمل على ضعف الحياة الثقافية وهدم المعطيات الاستراتيجية والمؤثرة في الثقافة المصرية لأن المعرض دائم التطوير والتجديد، وتلك الأعداد الكبيرة التي تتجاوز الملايين التي تزور المعرض سنويا تثبت أن للكتاب الورقي سحره الخاص على المتلقي المصري والعربي.

وليس أدل على ذلك من أنه حين تم نقل المعرض منذ سنوات من أرض المعارض إلى التجمع الخامس، كان هناك توقع يرى أن بعد المسافة سوف يؤثر سلبا على مشاركة الجمهور في المعرض، ولكن الجمهور كان أكثر ذكاء حين أقبل بأعداد هائلة على المعرض رغم صعوبة المشوار ووعورة المكان. 
لهذا سيظل معرض الكتاب نموذجا لأهم مدخلات المعرفة ومخرجات الثقافة من ناحية الصناعة الوطنية التي تدر دخلا مهما، ومن ناحية صناعة المعرفة والثقافة التي تدعم دور مصر الريادي في المنطقة العربية والأفريقية. 


نحو مستقبل أفضل

 
بقي أن نقول يجب إعادة النظر في تسمية المعرض باسم معرض القاهرة الدولي للكتاب لأن مصر ليست مختزلة في القاهرة فقط، وهذه التسمية مجحفة وفيها انحياز جغرافي على حساب مناطق أخرى، ويجب أن يكون معرض مصر الدولي للكتاب، وكذلك إعادة النظر في الندوات الثقافية الفكرية التي تقام على هامش المعرض لأنها تحتاج إلى تجديد الدماء والبعد عن المجاملة والمحسوبية وخدمة المصالح الشخصية على حساب الصالح العام، حتى نضمن مستقبلا أفضل يتناسب مع التحولات المهمة في الجمهورية الجديدة. 

search