الخميس، 21 نوفمبر 2024

09:51 م

العرب على خطى الكبار.. بريق السندات الأمريكية ينطفئ

سوق سندات الخزانة الأمريكية - تعبيرية

سوق سندات الخزانة الأمريكية - تعبيرية

ولاء عدلان

A A

أكثر من 123 مليار دولار هو حجم التراجع في حصة الصين من الاستثمارات الأجنبية في سندات الخزانة الأمريكية خلال الفترة من سبتمبر 2022 إلى سبتمبر 2023، وفي أغسطس الماضي وحده باعت سندات بنحو 21.2 مليار دولار.

لم تكن الصين وحدها على طريق بيع السندات الأمريكية، فاليابان - وهي الدولة الأكبر من حيث حيازة هذه السندات- تراجعت حصتها أيضًا مقارنة بما كانت عليه قبل عام، وكذلك دول عربية مثل السعودية والكويت اتخذت الخطوة نفسها، فلماذا تخاطر دولة ما بفقدان ميزات السندات الأمريكية المصنّفة كأحد أهم الأصول الآمنة؟

الكبار يبيعونها

أصدرت الولايات المتحدة أكثر من 7.7 تريليون دولار في هيئة سندات خزانة منذ بداية العام، بين هذا الرقم سندات بقيمة 1.09 تريليون دولار تملكها دولة اليابان، وفق بيانات وزارة الخزانة الأمريكية الصادرة في نهاية سبتمبر الماضي. 

رقم 1.09 تريليون دولار قد يصدمك، إلا أن اليابان خفّضت ملكيتها من السندات الأمريكية بنحو 28.7 مليار دولار منذ سبتمبر 2022، وكذلك تراجعت حصة الصين من سندات الخزانة الأمريكية بنهاية سبتمبر الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ نحو 14 عامًا عند 778.1 مليار دولار بانخفاض قدره  123.6 مليار دولار مقارنة بما كانت عليه قبل عام وبأكثر من 300 مليار دولار منذ 2021،  إلا أن طوكيو ظلت ثاني أكبر دولة استثمارًا في سندات الخزانة الأمريكية.

سندات الخزانة هي أدوات دين تصدرها الحكومات وتبيعها لدول أو مؤسسات أو أفراد، وهي تدرّ عائدًا دوريًا، وفي حالتنا هنا الضامن لها هو حكومة أقوى اقتصاد في العالم، فماذا يدفع حاملوها للتخلي عنها؟

يقول المدير التنفيذى لشركة يونيفرسال لتداول الأوراق المالية، محمود عطا، إن "إقدام دول مثل اليابان والصين على تفريغ جزء من سلة سندات الخزانة الأمريكية التي تملكها هو نتاج ارتفاع التوقعات بشأن اقتراب نهاية موجة ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، والرغبة في البيع لتوجيه الأموال إلى استثمارات أخرى وفق استراتيجية كل دولة”.

تراجع الثقة

"سوق سندات الخزانة الأمريكية تفقد جاذبيتها كملاذ آمن".. هكذا تحدَّث كبير المستشارين الاقتصاديين لدى "أليانز"، محمد العريان، في مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية بتاريخ 26 أكتوبر الماضي، موضحًا أن “المستثمرين يواصلون التخلص من سندات الخزانة وسط حالة من تراجع الثقة في السوق منذ مايو الماضي”.

عادة ما تكون التوترات الجيوسياسية سببًا في إقبال المستثمرين على شراء السندات الأمريكية، إلا أن هذا لم يحدث منذ بداية أكتوبر الماضي (الشهر الذي اندلعت فيه حرب غزة)، بحسب العريان، وارتفعت عوائد سندات المستحقة بعد 10 سنوات بمقدار 70 نقطة أساس (0.7%) مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، نتيجة لحركة البيع من المستثمرين. 

لنفهم الصورة بشكل أوضح، العائد على السند هو أقرب للفائدة التي تحصل عليها البنوك منك في حالة حصولك على قرض، وفي حالة السندات فإن ارتفاع العائد يشير إلى بيع بعض المستثمرين سنداتهم الحالية كونهم يتوقعون أن قيمتها بعد مدة الاستحقاق لن تكون مربحة لهم بالقدر الذي توفره خيارات أخرى كالأسهم، ويرتفع العائد الذي يطلبه المستثمرون على سنداتهم عندما تشير توقعاتهم إلى ارتفاع المخاطر الاقتصادية لدى الجهة المصدرة كتوقعات الركود أو استمرار التضخم المرتفع. 

عرب ينضمون للموجة

تأتي السعودية في المركز الـ17 بين كبار الدول المستثمرة في سندات الخزانة الأمريكية، وفي يونيو الماضي باعت سندات بنحو 3.2 مليار دولار لتنخفض حصتها إلى 108.7 مليار دولار مسجلة أدنى مستوياتها منذ أكثر من 6 سنوات، بانخفاض قدره 11 مليار دولار من مستويات ديسمبر 2022.

تاريخيًا، حرصت السعودية على الاحتفاظ بمعظم فوائضها المالية في سندات الخزانة الأمريكية، ولكن الآن مع رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد اعتمادًا على مشروعات ضخمة، من الطبيعي توجيه هذه الفوائض إلى هذه المشروعات والتخارج جزئيًا من السندات الأمريكية، وفق تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” بتاريخ 16 أغسطس الماضي. 

الكويت أيضًا توجهت نحو بيع سندات الخزانة الأمريكية، ففي يونيو الماضي بلغت حصتها نحو  40.6 مليار دولار انخفاضًا من مستوى 48.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2022، وانضم العراق إلى الموجة أيضًا مع تراجع حصته إلى 33 مليار دولار بنهاية يونيو انخفاضا من 40.8 بنهاية ديسمبر 2022.

تراجع حيازة السعودية من سندات الخزانة الأمريكية إلى أدنى مستوى منذ 2016 - فياننشال تايمز

 

توقعات الفائدة تنال من السندات

في 23 أكتوبر الماضي، سجّل العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات أعلى مستوياته منذ 2007 عند 4.88%، وفي المقابل تراجعت أسعارها بنحو 46% مقارنة بما كانت عليه في مارس 2020، وتراجع الأسعار يعد مؤشرًا على تراجع جاذبية السند فيباع بسعر منخفض رغبة من مالكه في الحصول على أمواله بأي ثمن، وفق “سي إن بي سي”.

ويتوقع محمود عطا، أن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) تخفيف سياسته المالية خلال العام المقبل تحديدًا بعد مارس 2024، حال استمرار تباطؤ معدلات التضخم، الأمر الذي سينال من جاذبية سوق السندات الأمريكية، وبرأيه، فكما شهدنا موجة شراء مرتفعة خلال العام الماضي مع بداية رفع الفائدة ستشهد السوق موجة بيع وتحول الأنظار صوب أدوات استثمارية أخرى كالأسهم أو الذهب.

search