الجمعة، 22 نوفمبر 2024

10:11 ص

غزة غارقة في "مستنقع أوبئة"

جثث الفلسطنيين في الشوارع بدون دفن

جثث الفلسطنيين في الشوارع بدون دفن

إسلام الزيني

A A

تتعرض المنطقة العربية خلال الحرب الجارية في غزة لخطر بيئي كارثي يهدد حياة الملايين داخل القطاع وخارجه، حيث تسببت الحرب في تدمير البنية التحتية، وتلوث الهواء والماء والتربة، وانتشار الأمراض والأوبئة.

وبحسب إحصائية نشرها المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديمغرافية نهاية العام الماضي، يقدر سكان المنطقة العربية بما يقارب من 500 مليون عربي، وأن أمراضا خطيرة مثل الكوليرا، والتهاب الكبد A وE، والتيفود، والسالمونيلا، وجدت طريقها بين سكان فلسطين، وعليه حذرت المنظمات الدولية من خطورة الوضع الذي وصفوه بالكارثي.

وتسببت المخلفات الصلبة المتروكة في الشوارع في انتشار القوارض والحشرات المعدية، التي تقوم بنقل الأمراض بين قاطني القطاع، بجانب تلوث الهواء الذي أصاب الأطفال بضعف المناعة.

توقف تدوير المخلفات الصلبة

من جانبه، قال الدكتور مصطفى مراد رئيس قطاع نوعية وجودة الهواء بوزارة البيئة، إن الوضع في غزة كارثي، وأنه لا يقتصر فقط على الخسائر البشرية والمادية، بل يتعدى ذلك إلى قضايا تتعلق بالتأثيرات البيئية.

وأضاف أن العدوان الإسرائيلي إلى جانب الحرب والدمار؛ زاد من التحديات البيئية في قطاع غزة، حيث تتراكم كميات كبيرة من مخلفات الهدم في المنشآت، والنفايات البشرية التي توقفت أعمال تدويرها ومن الصعب التخلص منها بشكل صحيح.

نفايات شديدة الخطورة

وأشار إلى أن القطاع تحول إلى مناطق نفايات معدنية شديدة الخطورة، حيث يؤدي ترك بقايا الحديد والمعادن غير الحديدية وبقايا البلاستيك والنفايات الإلكترونية إلى تلوث التربة، وتحتوي هذه المخلفات على مواد كيميائية سامة ومتفجرة ذات حرارة احتراق عالية جدا، ما يؤدي إلى تدمير البنية الفيزيائية، وإضعاف الخواص الكيميائية للتربة.

الإصابة بالكوليرا وأمراض الجهاز الهضمي

المخلفات السابقة جعلت التربة غير صالحة للزراعة، بالإضافة إلى قصف الشركات والمنشآت الصناعية، مما أدى إلى تسرب الملوثات الصلبة والسائلة والغازية إلى المحيط البيئي، وبحسب مراد، في الوقت الحالي يجب أن يشعر الجميع بالقلق، بما في ذلك إسرائيل، فوجود القوة العسكرية على الأرض لا يحميها من انتشار الكوليرا، فمياه الصرف الصحي غطت العديد من الشوارع، واختلاطها بمياه الأمطار يزيد من فرص الإصابة بالكوليرا وأمراض الجهاز الهضمي الأخرى.

أمراض الجهاز التنفسي

وأكد أن الخسائر البيئية طويلة المدى في غزة أصبحت موضع تخوف البيئيين، لأن المستقبل يبدو أسوأ بكثير، فالحرب أدت إلى زيادة حصيلة القتلى والجرحى الناجمة مباشرة عنها، لكن نتاج الوفيات البيئية يستمر لعقود من الزمن، بسبب أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان الناجم عن التعرض لمستويات مرتفعة من التلوث، القضايا البيئية التي خلقتها الحرب المستمرة متنوعة ومثيرة للقلق، المخاطر هائلة بالنسبة للتنوع البيولوجي في غزة كما هي للبشر.

تسرب الزيوت الخطرة

وأضاف أن استهداف العديد من محولات شركة الكهرباء، والتي تحتوي على زيوت خطرة، بحيث أن تسرب هذه الزيوت إلى المياه السطحية أو الجوفية قد يسبب كارثة بيئية وصحية محتملة.

كما أثر الاستهداف المباشر لخطوط وتمديدات الصرف الصحي في الشوارع الرئيسية والفرعية بشكل كبير على الخزان الجوفي، حيث تتسرب كميات من مياه الصرف الصحي والصرف الصحي إلى المياه الجوفية.

دخان سام

وتابع “فمن إمدادات المياه الملوثة إلى الهواء المملوء بالدخان السام الناتج عن حرق المباني والجثث، أصبح كل جانب من جوانب الحياة في غزة الآن مليئًا بشكل ما من أشكال التلوث على أرض الواقع، دمرت هذه الحرب كل جانب من جوانب بيئة غزة، تأثير العدوان على صحة الإنسان يتخطى التأثير على المدى القصير ليصل للمدى الطويل”.

عواقب بيئية خطيرة 

وكشف مدير عام حماية البيئة في السلطة الفلسطينية ياسر أبو شنب، عن عواقب كارثية تنتظر غزة والمنطقة بأكملها، وذلك عندما تظهر أوبئة خطيرة وجديدة ناتجة عن تلوث الهواء والتربة، والسلسلة الغذائية، بالإضافة لانتشار الحشرات والقوارض الناقلة للأوبئة.

وأضاف أبو شنب، في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن زيادة القصف سيزيد المشهد الحالي في القطاع تعقيدًا، خاصة مع وجود جثث تحت أنقاض الركام، مع عدم قدرة الفرق الطبية الفلسطينية أو الأممية من انتشالهم، وتحللها، الأمر الذي زاد من انتشار الميكروبات والحشرات الضارة والمعدية بين سكان المنطقة.

غازات في الهواء

وحذر من خطورة الوضع، قائلًا “إذا لم يتم انتشالها بشكل عاجل ودفنها وفق الشرائع الدينية، سوف تظهر أوبئة جديدة بين أفراد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة”.

وأكد أن القنابل والمقذوفات الخطيرة التي يطلقها الاحتلال، تحتوي على غازات سامة منذ أن بدأت الحرب أكتوبر الماضي، وتركت الهواء ملوثا وسينتشر في القطاع وبخاصة القطاع للدول الحدودية، وهذا ما حذرت منه وزارة البيئة الفلسطينية بعد مراجعة الأوضاع.

ونوه إلى أنه وفقا للتقارير الواردة من المنظمات الدولية والتقارير الطبية تشير إلى استخدام الاحتلال الاسرائيلي مواد محرمة دولياً وخاصة الفوسفور الأبيض، وغيرها من المواد غير المعروفة لخبراء البيئة حتى الآن.

وأوضح أن ذلك يسهم بشكل كبير إلى وقوع كارثة بيئية في غزة والمدن المجاورة لها، معتبراً ذلك اختراقاً صريحاً لبنود الاتفاقيات الدولية والإنسانية وخاصة اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة.

90% من المياه ملوثة

ومن جانبه، قال الخبير البيئي مجدي علام مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب، إن الحرب في فلسطين، ستؤثر بالسلب على البيئية سواء بشكل حالي أو على المستوى البعيد، حيث تأثيراتها ستكون من خلال تلوث المياه التي تم قطعها أو منعها عن غزة، ومعروف أن أكثر من 95% من المياه في فلسطين هي مياه جوفية.

وأضاف علام، في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن التقارير الدولية أكدت على أن 90% من المياه في قطاع غزة هي مياه ملوثة، ولا تصلح للاستخدام البشري حسب المعايير الدولية وذلك بسبب العدوان الإسرائيلي عليها، موضحًا أن التأثيرات البيئة أيضًا تنقسم إلى تأثيرات كيميائية وفيزيائية.


ارتفاع درجات الحرارة 

وأشار إلى أن التأثيرات الفيزيائية من خلال القنابل التي وقعت في غزة، أدت إلى ارتفاع هائل في درجات الحرارة وحرق التربة وتخريب النسيج البيئي والعناصر البيئية بشكل عام، أما التغييرات الكيميائية للعناصر البيئية وهو ما يؤدى إلى تدمير البيئة، وتغيير نسق التربة وقتل ما فيها من كائنات حية.

الجثث في الشوارع 

وأشار إلى أن كثرة الجثث في الشوارع وتحت ركام المنازل المنهارة سينشر القوارض والحشرات الضارة، بسبب عدم دفنها بشكل صحي، الأمر الذي سينشر الأمراض بين المواطنين الفلسطينيين، وستكون النهاية قريبة لكل شخص هرب من القنابل ولكن لم يهرب من عدوى الأمراض المميتة، وبالتالي ستكون غزة منطقة أوبئة.

المعادن في الأرض 50%

وأكد رئيس المعهد الفلسطيني للبيئة والتنمية، أحمد حلس، أن ضرب العدوان الإسرائيلي الفلسطينيين بالصواريخ التي تحمل مواد كيميائية، وغيرها من القنابل الممنوعة دوليًا، يؤثر بشكل كبير في تغيير التربة، وهذا ما أكدته الدراسات الجارية الآن، حيث أشارت إلى وجود تركيز عال من المعادن الثقيلة في التربة والمياه بنسبة تتراوح بين 30‎%‎ و50‎%‎ بالمقارنة مع الحد الطبيعي.

السرطان والفشل الكلوي 

وأضاف حلس، في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن هناك أمراض تفشت بصورة كبيرة؛ مثل أمراض السرطان والفشل الكلوي وحالات مصابة بأمراض جلدية، وتعاني من الدم الملوث التي تم نقله لهم بسبب كثرة الإصابات والجروح.

جريمة بيئية تنشر الأمراض

وحذر الدكتور إسلام عنان أستاذ الأوبئة بجامعة مصر الدولية، من انتشار الميكروبات القاتلة والجراثيم التي تخرج من الجثث المتحللة تحت الركام إلى البيئة المحيطة، الأمر الذي سيؤثر على حياة قاطني القطاع وغيرهم من الفرق الطبية والأممية الموجودة.

التهاب الكبد والتيفود والسالمونيلا

وكشف عنان، في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن الأمراض الخطيرة والمعدية التي تنشر بسبب عدم دفن الجثث هي "الكوليرا، والتهاب الكبد A وE، والتيفود، والسالمونيلا».

وقال، إنه في الأوضاع الطبيعية داخل أي دولة لن تنتقل العدوى بشكل سريع بسبب الرعاية الصحية في الدول والمحاجر الصحية، ولكن الوضع في فلسطين وخاصة غزة مختلف تمامًا، فالمنظومة الصحية انهارت، ولن يستطيعوا السيطرة عليها الأمر الذي يتطلب التدخل السريع قبل انتشار الوباء.

وحذر عنان، أهالي غزة من انتشار “الكوليرا”، بوصفه أنه أكثر الأمراض خطورة ويظهر في فترة الحروب والكوارث مؤكد على أنه سريع الانتشار خاصة بين الأطفال، وبيئة غزة مهيأة لانتشاره في الوقت الحالي، فلا توجد بنية تحتية ولا مستشفيات ولا نظافة قادرة على منعه حاليًا، والمرض حتى لو كان غير خطير مع عدم مواجهته يتحول إلى كارثة في ظل غياب التغطية الطبية.

المنظمات الدولية تحذر 

وحذر المرصد “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، بتاريخ 9 ديسمبر الجاري، على موقعه الرسمي، من تصاعد مخاطر تحول قطاع غزة إلى منطقة منكوبة تتفشى فيها الأوبئة والأمراض السارية بصورة كارثية وغير معهودة في التاريخ الحديث للبشرية.

وقال “الأورومتوسطي”، إن 2.3 مليون نسمة في قطاع غزة أكثر من 45% منهم من الأطفال يواجهون صراعا مع الموت، ليس فقط بالقنابل والصواريخ الفتاكة، بل كذلك بالأوبئة والأمراض المعدية في ظل انهيار صحي شامل بهدف تعميق الإبادة الجماعية الحاصلة للشهر الثالث

وأشار المرصد، إلى تسجيل تفش غير مسبوق لأمراض الالتهابات الجلدية، منها أكثر من 5 آلاف حالة إصابة بجدري الماء، و18800 إصابة طفح جلدي، و10 آلاف إصابة بالجرب، وعشرات آلاف حالة الإصابة بالإنفلونزا الشديدة، وبينما جرى تأكيد رصد حالات إصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي في مناطق متفرقة من قطاع غزة، فإن تعذر إجراء التحاليل الطبية اللازمة في المستشفيات المحلية والحاجة إلى إرسال عينات للخارج لا يزال يعيق معرفة حدة انتشار المرض والعدد الدقيق للإصابات.

search