الجمعة، 22 نوفمبر 2024

06:08 ص

زجاجة بيرة على شرف "تكوين".. وشعب يسأل عن حدود "الحُرمانية"

ظهور زجاجة بيرة خلال صورة تذكارية لأعضاء مركز "تكوين"

ظهور زجاجة بيرة خلال صورة تذكارية لأعضاء مركز "تكوين"

آلاء مباشر

A A

تصاعدت أزمة مركز "تكوين الفكر العربي"، أخيًرا، حتى وصلت إلى حالة اشتباك وجدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد وصول الأمر إلى تحريك بلاغات للنائب العام ضد أعضاء المركز، الذي يضمّ في عضوية مجلس إدارته أسماء بارزة، مثل الإعلامي إبراهيم عيسي والداعية الإسلامي إسلام بحيري والمؤرخ والمفكر يوسف زيدان والأديبة فاطمة ناعوت، وصلت إلى حدّ اتهامهم بالتشكيك في الدين والتطاول عليه والدعوة إلى الإلحاد وازدراء الإسلام.

الأزمة اكتسبت وقودا جديدا، وضع مزيدا من الزيت على “نيران الجدل المتصاعد”، بعد تداول إحدى الصور على نطاق واسع، تبرز وجود “زجاجة بيرة” من إحدى الماركات الشهيرة المعروفة شعبيًا على طاولة، خلال التقاط صورة لأعضاء المجلس وهم يصطّفون بجانب بعضهم البعض.

“اسأل أمك”

كان من ضمن المشتبكين مع الأزمة، الابن الأكبر للرئيس الأسبق حسني مبارك، علاء مبارك، والذي شنّ هجوما لاذعا على أعضاء مركز تكوين، إذ علّق بتهكم على وجود زجاجة البيرة “بتاعة مين دي يا عفاريت”، ليتصدّر المؤرخ والمفكر يوسف زيدان للردّ عليه بسخرية أكثر سخونة، بعد أن ردّ عليه “اسأل أمك”، نافيا شربه للخمر، بداعي أنها تصيبه بانتفاخات في البطن. 

لكنّ البعض برّر موقف يوسف زيدان، محاولين استدعاء ما وراء حديثه، وأن علاء مبارك من المفترض أن يكون “آخر من يتحدث عن الخمرة بحكم وضعه الاجتماعي وتربيته الأرستقراطية ضمن طبقة مرفّهة، على صلة وثيقة بعالم المشروبات الروحية، إن لم يكن بالشرب، فبمجرد الحضور في مناسبات تحضر فيها الخمرة بأنواعها المختلفة بكثافة، بل (البار) جزء أساسي من ديكورات قصور وفيلات هذه الطبقة".

تساؤل عن “الحرمانية”

اشتباك ممثل آل مبارك وممثل مركز “تكوين” يوسف زيدان، ربما اختصره البعض في جولة السخرية والتهكم بينهما، إلا أنه بالعودة إلى تغريدة علاء مبارك على موقع “إكس”، نصطدم بأسئلة جديدة عديدة، عن حدود “حرمانية” تناول البيرة، في ظل انتشارها الواسع في المناسبات العامة في مصر، ومن السهل شراؤها من أقرب فرع لأحد المتاجر الشهيرة المنتشرة هنا وهناك، وهل شرب “البيرة” فعلا حرام؟ ومن له الحقّ في التصدّي لمثل هذه الفتاوى؟

قال علاء مبارك بعد كيل الاتهامات لأعضاء مجلس “تكوين"، "هنا تأتي المشكلة لأنه ليس لكل من هبّ ودبّ أو قرأ بعض الكتب والمراجع عن الدين والسنة أن يأتي ليتحدث ويفتي ويلقي بأفكاره حتى يشكّك الناس في معتقداتهم ودينهم”. 

وأكد مبارك الابن أن “الأزهر الشريف وعلماءه هم الأفضل بشأن تصحيح المفاهيم الخاطئة والشبهات المثارة حول الاعتقاد، بالإضافة إلى دورهم الفعال في مواجهة التطرف الفكري وبيان المعالم الحقيقية للدين الإسلامي”.

إذًا، لنعود إلى أهل الاختصاص، وممثله في مصر، أعلى مرجعية سنيّة في العالم، بفقهائها وشيوخها الذين يتصدّرون مشهد الفتوى في أرض المحروسة، ونرى ما يقولون في شأن “البيرة وأخواتها".

البيرة في مؤسسة تكوين


المتابع لموقف الفتاوي عن البيرة والخمور عموما يرى اختلافًا بيّنا وتفاوتا كبيرا في حكم شرب المسكرات، واستغراق في تفاصيل كثيرة عن الدواعي والأغراض من وراء شرب “البيرة”، ودرجة “السُكر”.

“الجندي يتبرّأ”

عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف وأحد علماء الأزهر، والوجه الإعلاميّ المعروف والمحسوب على التيار المعتدل، الدكتور خالد الجندي، تبرّأ من فتوى منسوبة إليه تبيح شُرب القليلِ من الخمر، قائلًا إن “الخمر هو كل ما خالط الرأس وهو كل ما يؤثر في التفكير العقلي”.

وأوضح الجندي، عبر برنامجه "لعلهم يفقهون"، المُذاع عبر فضائية "dmc"، أن صور الخمر عديدة، حيث إنها من الممكن أن تكون في صورة غاز أو سائل أو صلب، معقبًا: "الخمر ممكن يكون غاز يتنفسه الإنسان".

مؤسسة تكوين

“الخمر نجاسة من الشيطان”

وأكد أن شارب الخمور كشارب الشيء "النجس"، مشيرًا إلى أن “الخمور أكل من صنع الشيطان ونجاسة لا بد من اجتنابها”.

وأضاف أن القول بجواز شُرب ما يعرف بـ"البيرة" هذا كلام أبي حنيفة - رَضِىَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ، مؤكدا أن "الراجح عندي رأي الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، بأن كل أنواع الخمور حرام وكبيرة من الكبائر”.

واستطرد داعيًا “حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يفتري علينا أو ينسب إلينا ما لم نقله لنشر الفجور وشرب الخمور”.

الشيخ خالد الجندي

“الجلوس مع شارب الخمر حال شربه”

وفي السياق ذاته، ردّت دار الإفتاء المصرية على سؤال ورد إليها عن “حكم الجلوس مع شارب الخمر دون الشرب معه؟”.

أكدت الإفتاء في ردها عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، أنه لما كان شرب الخمر معصية كان الأصل في مجلس شربها أنه معصية أيضًا، وكانت مجالسة شارب الخمر حال شربه محرمة ولو لم يشربها المُجالِس؛ وذلك لقوله تعالى: “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا".

“حرام ولكن منزوع الإثم”

من جهته، ولدى سؤاله عن حكم شرب البيرة، استغرق مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، الدكتور علي جمعة، والمحسوب أيضا على التيار المعتدل المجتهد المواكب للعصر، في تفاصيل فنية تتعلق بمتطلبات صدور الفتوى، موضحا أن هناك أمورًا زمنية تختلف باختلاف الزمان، وهناك أمور مطلقة لا تختلف نهائيًا.

مفتي الجمهورية السابق

وأوضح جمعة خلال برنامج “مع الناس”، أنه يُدرس في الأزهر أن هناك اختلافا للزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وأنه باختلاف تلك الجهات يختلف الحُكم، حيث إنه مبنيّ على أن يكون هناك تكييف للواقعة بعد تصويرها، ثم معرفة الحكم والإفتاء.

وأكد أن معرفة الحُكم هي مرحلة تختلف عن مرحلة الإفتاء، بمعنى أن “الخمر حرام على الإطلاق قولًا واحدًا، إلا في حالة الاضطرار”.

“التداوي بالخمر”

أما بشأن التداوي بالخمر، أشار مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إلى أن من الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية للحفاظ عليها "حفظ النفس والعقل"، ونهت الشريعة الإسلامية عن كل ما من شأنه أن يُهلك النفس أو يُذهب العقل.

واستند الأزهر في إجابته عن سؤال “ما حكم التداوي بالمحرمات واستخدام الأدوية النجسة؟”، إلى الإمام الشاطبي، في قوله “اتفقت الأمة بل سائر الملل على أنَّ الشَّريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدِّين، والنَّفس، والنَّسل، والمال، والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليلٍ معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل عُلمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلةٍ لا تنحصر في باب واحد، ولو استندت إلى شيء معين لوجب عادة تعيينه”.

وتابع “من هنا فقد أباحت الشريعة الإسلامية التداوي بكل صُوره طالما كان مباحًا، وليس محرمًا؛ بل إنها أباحت التداوي بالمحرم والنجس عند الضرورة القصوى، وذلك عند عدم وجود بديل على الراجح من أقوال الفقهاء؛ لعموم قوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)”.

"يجوز العلاج بنسبة"

وفاجأ أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الدكتور عمرو الورداني، متابعيه عبر بث مباشر له عبر الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية، لدى إجابته عن سؤال التداوي بالخمور، مؤكدًا أن الأدوية التي تحمل نسبة كحول، طالما الطبيب الثقة أعطى للمريض هذا الدواء فهذا لا حرج فيه، ويجوز أخذه".

 أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

“الهلالي يحلل شرب البيرة”

وأباح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، سعد الدين الهلالي، شرب البيرة أو النبيذ بالقدر الذي لا يُسكر مؤكدا أنه “حلال”، وقال في تصريحات سابقة  إن “تناول القليل الذي لا يُسكر من البيرة المصنوعة من الشعير، والخمر المصنوع من التمر، والنبيذ من غير العنب، حلال، طالما أنه لا يسبّب حالة من السُكر وذهاب أو غياب العقل، ولكن يحرُم الكثير المسكر منه”.

الدكتور سعد الدين الهلالي


وأوضح الهلالى أن رأيه في هذا الصدد مستند على رأى الإمام أبي حنيفة، ومدون فى كتبه منذ قرون، فالخمر الذي أخذ من عصير العنب حرام، إذا أدى شربه إلى السكر، أما الخمر الذي يستخرج من التمر ويشرب ما دام أنه لم يسكر، ليس حراماً، مشيراً إلى أن أي نوع خمر لا يسكر ليس حراماً.

ما قول “ابن باز”

تأخذنا هذه الجولة بين فتاوى الأزهريين، إلى جولة أخرى ذات مغزى وأهمية كبيرة، خصوصا مع حالة الانفتاح التي شهدتها السعودية، والتسامح مع تقنين وشرب المشروبات الروحية، وإلى أحد نجوم الفتوى في عصر سابق، والمحسوب على تيار المتشدّد، بل حمّله البعض تبعات ما يُعرف بالمملكة بـ"مرحلة الصحوة السعودية" وتنامي تأثير التيار السلفيّ “الوهابيّ”.

حسم الإمام ابن الباز،في وقت سابق، حكم شرب البيرة والفرق بينها وبين الخمر، وذلك عبر الموقع الرسمي لفتاويه، قائلا “إذا كانت البيرة سليمة مما يسكر فلا بأس، أما إذا كانت مشتملة على شيء من مادة السُّكْر فلا يجوز شربها، وهكذا بقية المسكرات سواء كانت مشروبة أو مأكولة يجب الحذر منها، ولا يجوز شرب شيء منها ولا أكله؛ لقول تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ".


ما أسْكرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرامٌ

واستند ابن باز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه". وأشار إلى أن ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، أنه: "لعن الخمر وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها".

search