الخميس، 21 نوفمبر 2024

04:57 م

طارق سعد
A A

مقاعد الإعلام الفارغة!

عندما تبقى وسط المعركة لا اختيار أمامك إلا الحفاظ على أسلحتك وتأمين ذخيرتها لتحقيق هدفك بالانتصار فيها والاستعداد للمعارك الأخرى التي ستحتاج منك أيضاً كامل تسليحك ولياقتك لتنهي الحرب لصالحك.

"معركة الوعي" هي إحدى أهم المعارك الضروس للحرب الدائرة منذ سنوات وستستمر سنوات أخرى، بهدف تحقيق كل مكاسبها، بل تعتبر هي المعركة الرئيسية والمفصلية لهذه الحرب من أجيالها الجديدة التي لن تستطيع أن تكمل باقي معاركها، ضامنة النتائج دون السيطرة على الوعي وتوجيهه لخدمة مصالحها.

وسط معمعة الحرب يجب أن تكون منتبهاً وتسأل نفسك كل فترة ماذا فعلت وماذا ستفعل للعبور منتصراً، وهل أنت جاهز لتطور هذه المعركة ومواجهة أسلحتها؟، هل تعي جيداً عواقب الخسارة الفادحة وتكلفتها؟.

هذه الأسئلة إن لم تكن دارت في خاطرك فهي "مصيبة كبرى"، أما لو كنت مستسلما لإجابات من منطلق الثقة والقبض على زمام الأمور ليس إلا، فهي كارثة ستفيق منها على فاجعة لن تجد فيها وسيلة إنقاذ!.

الإعلام هو السلاح الرئيس في "معركة الوعي" التي تعتمد عليه اعتماداً كلياً في تمهيد الطريق للمعارك التالية التي ستكون أقل حدة وأكثر سهولة بالسيطرة على الوعي وتطويعه لتضمه إلى أسلحتها، وهو الكارت الرابح الذي سيجعل الحرب نتيجتها مضمونة في وجود أجيال بلا وعي تتحرك بالتوجيه من مديري هذه الحرب من خلف الستار لتبقى المجتمعات مجرد "عرائس ماريونيت" خيوطها كلها في قبضة واحدة.

هل نملك إعلاماً قادراً على خوض هذه المعركة؟، هل نملك إعلاماً قادراً على التواجد في هذه الحرب؟!، هل نملك إعلاماً من الأساس؟!.

قطعاً الإجابة "لا" مجسمة ثلاثية الأبعاد، فمنذ أحداث التخريب في 2011 ونحن ندور في فلك مجموعة واحدة من الوجوه الإعلامية التي تتنقل بين الكراسي في دائرة مغلقة عليهم وحدهم.. يتلونون بحسب الحقبة وأحداثها وتتلون معهم أفكارهم ومعتقداتهم، وهو ما صنع نفوراً منهم لدى الجمهور العام من الشعب الذي فطن مبكراً لحقائقهم التي ظهرت وتجلت في الأزمات الكبرى وقدموا أنفسهم خنجراً غادراً في ظهر الوطن الذي كان يستغيث بهم، فمنهم المتعمد الواعي لما يفعل ومنهم من غاب وعيه وادعى أنه تم تضليله من الظروف المحيطة، والحقيقة أن هؤلاء وهؤلاء لا يصلحون كواجهة وطن ولا لسان لشعبه.. ولا يؤتمنون.

لماذا لا يصنع القائمون على ملف الإعلام كوادر إعلامية جديدة؟، ولماذا يصرون على نفس الوجوه التي لم يعد لها أي تأثير في الشارع بفقد مصداقيتهم، بل أنهم يأتون بنتائج عكسية؟، هل نضبت أرض المواهب الإعلامية ولم تعد تطرح وجوهاً مميزة تملك الموهبة والكاريزما والتأثير؟. 

ماذا لو لاقدر الله اجتمعت كل هذه الوجود في طائرة واحدة وتعرضت لحادث مثلاً، فهل سنغلق شاشتنا وننهي مهنة الإعلام لعدم وجود بديل للوجوه المفروضة عليه "غصب واقتدار"؟!.

للأسف هناك استسهال غريب وخطير في هذا الأمر،، فأنت تعتمد على نفس الوجوه التي كانت أيضاً هي المعتمد عليها من قبلك وعند حدوث الأزمة تحولوا وقادوا الحرب ضدك وكانوا سلاحاً فاسداً التف وتوجه إليك ليضرب بلا عقل ولا ضمير، فكانوا جزءاً مهماً من المشهد المخزي الذي بدأت أحداثه في 2011 واشتعلت وتأزمت بمجهودهم حتى نهاية الكابوس في 30 يونيو 2013، وأصبحت وجوههم على الشاشة قطعاً رئيسية من "بازل" الخراب في هذه الفترة، الذي تتكون صورته سريعاً بمجرد طلتهم التي باتت مرتبطة بأسوأ ما عاشته البلاد منذ قدوم التتار!.

ربما تكون هناك حسابات ما تدور في الأفق بمبدأ أنهم تحت السيطرة ولكن التأكيد المؤكد أنه لا، ربما لن يستطيعون في الخطر أن يكرروا ما فعلوه سابقاً فلم يعد لهم أي تأثير أو قيمة لكنهم حتماً سيقفذون من المركب سريعاً ويتركوك في أرض المعركة وحيداً عارياً بلا أسلحة تواجه بها، وهو أخطر تصور يجب أن يكون في الحسبان لأسوأ الظروف، قد تكون حاكماً قبضتك بكل قوتك بكامل السيطرة ولكن الخطر ما زال قائماً وفي أي لحظة غادرة من المؤكد أنك لن تجد سلاحك في يدك، فقد ترى أن الشاشات مليئة بمقاعد يعتليها إعلاميون يقدمون برامج الـ"توك شو" والإخبارية والتغطيات ولكنها في الحقيقة "مقاعد فارغة" لا تحمل عليها سوى أشباحاً تستهلك وقتاً فقط لا غير، فذراعك الإعلامية في الواقع أطرافها مقطوعة.

للأسف تحول المجتمع للأسوأ بشكل كبير وأصبحت الـ"سوشيال ميديا" مستنقعاً خطيراً وتحول التأثير لدى أفراد المجتمع مرتبطاً بالـ"بلوجرز" الذين يفتقد معظمهم لأدنى حدود الوعي والثقافة، في الوقت الذي يقوم فيه هؤلاء بالتصدي للمهمة الإعلامية وادعاء المعلومات والأسرار والحقائق المزيفة للوعي، والتي تجد رواجاً وقبولاً عن نجوم الإعلام رغم عدم مصداقيتها!.

نحن نحتاج لتحرك سريع في ملف الإعلام نضع فيه ورقة بها خطة مرنة للعمل على تحديث كوادره، فأنت تحتاج لجيل جديد يستطيع التواصل مع الشباب ويتمتع بالروح الوطنية المخلصة والقبول والمصداقية والتأثير الذي يمكنك معهم في أي لحظة تدق فيها أجراس الخطر، أن تعتمد عليهم لمخاطبة المجتمع، وسلاحك الإعلامي الفعال الذي يحسم المعركة بسيطرته على وعي جمهورك.

جزء رئيسي من الأمن والأمان والاستقرار هو الإعلام وتأثيره ولن تحقق أهدافك أبداً بعلامة كاملة بدون إعلام قوي صادق ومؤثر.. لن تحققه بمقاعد فارغة!.

search