الخميس، 19 سبتمبر 2024

11:53 م

"لسنا عربًا".. مصريون يبحثون عن "الهوية" في اللغة القبطية

كتب اللغة القبطية القديمة

كتب اللغة القبطية القديمة

منى الصاوي

A A

في عصر العولمة، حيث تتلاشى الحدود وتتداخل اللغات، يسعى عدد من المصريين غير المتخصصين إلى تعلم اللغة القبطية، لغة أجدادهم، في محاولة للحفاظ على إرثهم الثقافي وإحياء هويتهم التاريخية.

يعتبر هؤلاء أن القبطية ليست مجرد لغة قديمة، بل هي جسر يربط بين الحاضر والماضي، ورمز لموروث حضاري أصيل في مواجهة موجة التغريب.

التاريخ المصري القديم

شهدت الفترة الأخيرة اهتماماً متزايداً من المصريين بتاريخهم القديم، وتحديداً اللغة القبطية، وقد استفاد الكثيرون من منصات التواصل الاجتماعي وما تقدمه من محتوى تعليمي مرئي ومكتوب حول اللغة، مما دفع خبراء في القبطية إلى إطلاق فصول دراسية عن بُعد تلبي رغبة المصريين في تعزيز صلتهم بإرثهم اللغوي وإحياء استخدام اللغة بلفظها الأصيل، بحسب تقرير نشره موقع “BBC”.

كتب اللغة القبطية القديمة 

لسنا عربًا أو أفارقة

هناك نقاش مستمر حول أصل المصريين وجذورهم الأولى في وادي النيل، هذا الجدل يشمل الأوساط العلمية والاجتماعية. وقد أثار عالم الآثار زاهي حواس هذا النقاش مجددًا بتأكيده على أن المصريين ليسوا عربًا ولا أفارقة، مشيرًا إلى اختلافات في اللغة، والمظهر، والسلوك، والعادات والتقاليد بين المصريين وجيرانهم العرب.

اللغة القبطية

وتتزامن هذه التصريحات مع زيادة الاهتمام بتعلم اللغة القبطية بين المصريين في السنوات الأخيرة، إذ تعتبر اللغة القبطية المرحلة الأخيرة في تطور اللغة المصرية القديمة، وقد ازداد الإقبال على تعلمها من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي سهلت الوصول إلى المعرفة اللغوية وربطت بين المتخصصين والمتعلمين.

الهوية المصرية

ويؤكد خبير اللغة القبطية، جورج سيدهم، تصريحات حواس، مشيرًا إلى وجود اهتمام متزايد لدى البعض بالجذور المصرية وقراءة التاريخ الوطني، وذلك بدافع الاعتزاز بالهوية المصرية.

ويضيف سيدهم: "هناك اهتمام ملحوظ من مختلف فئات المجتمع بتاريخ مصر، وبالأخص بفكرة أن أصل المصريين قبطي وليس عربي، ويتجلى ذلك في الاهتمام المتزايد بتعلم اللغة القبطية، الوضع الحالي مختلف تمامًا عن الماضي، حيث كانت القبطية مقتصرة على الكنائس ولم تكن هناك فرص كثيرة لتعلمها".

كتب اللغة القبطية القديمة 

مرحلة انتعاش

ويؤكد سيدهم أن اللغة القبطية تشهد حاليًا مرحلة انتعاش نسبي، ويعزو زيادة الاهتمام بها إلى انتشار الإنترنت الذي سهل تبادل المواد التعليمية واللغوية، بالإضافة إلى الجهود الفردية التي يبذلها كل من المعلم والمتعلم في هذا المجال.

ويشير سيدهم إلى أن "انتشار صفحات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، سهل التواصل بين معلمي اللغة القبطية والراغبين في تعلمها، الذين كانوا يواجهون صعوبة في الماضي في العثور على مصادر أو معاهد لغوية".

تدريس اللغة القبطية في المدارس

هناك دعوات لتدريس اللغة القبطية في المدارس المصرية بهدف "إحياء الهوية"، ويطالب البعض بوضع مناهج دراسية تقدم الأصول اللغوية للطالب في مختلف مراحله التعليمية، ومع ذلك، يرى سيدهم أن هذه الفكرة "غير مجدية في عالمنا المعاصر".
ويوضح سيدهم: "فكرة جعل تعلم القبطية إلزاميًا في المدارس ليست عملية، لأن الكثيرين قد لا يرغبون في تعلمها ويرونها غير مهمة أو مفيدة في حياتهم، إذن لماذا نفرضها على الجميع؟ الأفضل أن يكون التعلم نابعًا من رغبة الشخص لتحقيق أفضل نتائج".

تعلم اللغة القبطية

قناة على يوتيوب

ويشير سيدهم، بناءً على تجربته في تقديم دروس قبطية عبر الإنترنت باستخدام (يوتيوب وجوجل كلاس)، إلى أن "البعض يلتزم ويستمر، والبعض الآخر تجبره ظروفه على التوقف، وهناك من يتوقف لفترة ثم يعود لاستكمال التعلم".
ويضيف: "هذا ما دفعني إلى إنشاء قناة على يوتيوب وتقديم دروس قبطية مسجلة، مما يتيح للراغبين في التعلم الوصول إليها في الوقت المناسب لهم، وقد شجعتني تعليقات العديد من المتعلمين الذين أكدوا نجاحهم في تعلم القبطية، حتى أولئك الذين لم تكن لديهم أي معرفة سابقة بها".

اللغة القبطية

طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

تعتبر اللغة القبطية، التي لا تزال تستخدم في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، هي المرحلة الأخيرة في تطور الكتابة المصرية القديمة، وتشمل هذه المراحل:

الهيروغليفية

استخدمها المصريون القدماء في الكتابة الدينية على المعابد والمقابر والبرديات.

الهيراطيقية

وهي كتابة مبسطة للهيروغليفية، استخدمت في المكاتبات الرسمية والخدمات الدينية.

الديموطيقية

 وهي كتابة شعبية مبسطة للغاية.

الفكر الإنساني المصري

ويؤكد أستاذ اللغة المصرية القديمة بجامعة القاهرة، عبد الحليم نور الدين،  في دراسته "اللغة المصرية القديمة: الخط القبطي (اللهجة الصعيدية)" أن القبطية هي "نتاج الفكر الإنساني المصري القديم في مجال اللغة والكتابة، وهي خلاصة رحلة طويلة من التطوير والتحديث للخطوط المصرية القديمة".

المعابد المصرية القديمة

تطويع الخطوط

ويضيف نور الدين: "استطاع المصري تطويع هذه الخطوط وفق حاجته من جهة، ووفق التطور الطبيعي للغة ذاتها من جهة أخرى، محافظًا - قدر الإمكان - على أساسيات اللغة والخط من حيث القيم الصوتية، والقواعد الأجرومية، مع عدم الإخلال بقدرة هذه الخطوط على توصيل المعاني للمتلقين، بحيث لا يجد المتعامل معها صعوبات في القراءة أو الفهم".

كتب اللغة القبطية القديمة 

اللغة القبطية

ويوضح نور الدين في دراسته أن اللغة القبطية تنحدر من اللغة المصرية القديمة في مرحلتها المتأخرة مباشرة، أي كما كان المصريون يتحدثونها منذ النصف الثاني من عصر الأسرة الـ 18 بالدولة الحديثة (في حدود القرنين الـ 15 والـ 14 قبل الميلاد) وحتى عصر الأسرة الـ 25.

ويشير إلى أن تلك المرحلة المعروفة بالقبطية "بدأت بشكل واضح وجلي منذ أواخر القرن الثاني الميلادي، وانتهت رسميًا - وليس فعليًا - بدخول الإسلام مصر عام 641 ميلاديًا، حيث بدأت تحل محلها بالتدريج اللغة العربية، وإن استمرا معًا لفترة طويلة".

search