السبت، 05 أكتوبر 2024

05:31 م

"بربرة" إثيوبيا.. وعد الحبيس للانفصالي يعسكر البحر الأحمر

آبي أحمد بالزي العسكري

آبي أحمد بالزي العسكري

تامر إبراهيم

A A

قصت إثيوبيا شريط أزمة جديدة داخل أفريقيا، باتفاقية وقّعتها مع إقليم انفصالي صومالي يحمل اسم “صوماليلاند”، من أجل النفاذ إلى البحر الأحمر عبر ميناء وقاعدة بحرية و"عسكرية".

في الثاني من يناير الجاري، وقّع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، اتفاقًا مع رئيس الإقليم الصومالي الانفصالي، موسى بيهي عبدي، حصلت من خلاله أديس أبابا على قطعة أرض بطول 20 كيلومترًا بنظام الإيجار لمدة 50 عامًا، من أجل إقامة قاعدة بحرية إثيوبية على السواحل الصومالية، عبر ميناء “بربرة” الواقع على مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس.

آبي أحمد وموسى بيهي عبدي 

خطوة إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر لأول مرة منذ 31 عامًا، بعد فقدانها للمنفذ البحري عقب انفصال إريتريا عنها في 1993، أحدثت أزمة تهدد بأمن القرن الأفريقي خاصة، وأفريقيا عامة.

الدولة الحبيسة غير الساحلية، باتفاقها المزعوم مع “الأرض الانفصالية”، تتمكن من الوصول لباب المندب في خليج عدن، ليس وصولًا تجاريًا فقط، بل وعسكريًا أيضًا، في مقابل اعتراف أديس أبابا بالأرض الانفصالية ومنحها حصة من الخطوط الجوية الإثيوبية.

خطورة صوماليلاند

صوماليلاند انفصلت عن الصومال قبل 30 عامًا، وهي تقع على خليج عدن في القرن الأفريقي، ولم يعترف بها أحد كدولة مستقلة.

الصومال اعتبرت الاتفاق الإثيوبيي “انتهاكًا لسيادتها”، قبل أن يصدر رئيس الصومال حسن شيخ محمود، قرارًا بإلغاء الاتفاق بين أديس أبابا والأرض الانفصالية، وقال في تغريدة عبر “إكس”: "وقّعت على قانون إلغاء مذكرة التفاهم غير القانونية بين حكومة إثيوبيا وأرض الصومال. وبدعم من مشرّعينا وشعبنا، يعد هذا القانون مثالًا على التزامنا بحماية وحدة وسيادة وسلامة أراضينا وفقًا للقانون الدولي".

رئيس الصومال يلغي اتفاقية صوماليلاند وإثيوبيا

نائب وزير الخارجية الأسبق السفير علي الحفني أشار إلى أن قصة انفصال صوماليلاند عن الدولة الأمّ تعود لتسعينيات القرن الماضي، إلا أنه لا اعتراف دولي أو قاري بها مطلقًا.

ويرى الحفني في حديثه لـ"تليجراف مصر"، أن الوعد الإثيوبي بالاعتراف بالكيان الانفصالي، هو مسعى لأديس أبابا لتحقيق مكاسب حتى ولو على حساب القوانين والأعراف الدولية التي ترفض تفتيت الدول.

ولفت إلى أن الصومال عضو في العديد من المنظمات مثل الكوميسا وتجمع الساحل والصحراء وغيرها، وكل تلك الكيانات لا تعترف بالجزء الانفصالي الذي يعني انتقاص السيادة واعتداء على الدولة.

وبيّن الحفني، أن هذا الكيان “صوماليلاند” غير شرعي والكل واعٍ بحاجة إثيوبيا لمنفذ على البحر وإن كان لديها علاقات وثيقة بالسودان وإريتريا وجيبوتي التي لديها منافذ بحرية، مشددًا على أن هذه الاتفاقيات مصيرها إلى زوال وتخلق تعقيدات تؤثر على الوضع الإقليمي أكثر مما هو يعاني، خصوصا الوضع في القرن الأفريقي غير المستقر تمامًا.

اتفاق آبي أحمد والأرض الانفصالية

ولفت إلى أن إثيوبيا لديها مشكلة كبيرة مع الصومال، وحتى مع الإثيوبيين من أصول صومالية، ولم يضع آبي أحمد هذا الأمر في عين الاعتبار، ما يوسع رقّعة الصراع في القارة، مشيرًا إلى أن الجميع يساعد الصومال لإعادة الاستقرار والأمن والسلم، لكن تلك التصرفات تدفع إلى عكس ذلك، آبي أحمد تحدث عن ضرورة إيجاد منافذ بحرية وأن بلاده ستجد تلك المنافذ “شاء من شاء وأبى من أبى”.

تهديد للأمن الإقليمي

المفكر الاستراتيجي، اللواء سمير فرج، أشار إلى أن ما فعلته إثيوبيا يزيد الأمور تعقيدًا في القرن الأفريقي ويفتح باب تجزئة الدول، مبينًا أن وجود إثيوبيا على البحر الأحمر كارثة لأنها دولة غير مستقرة وغير متكاملة، وهذا عبأ جديد في القارة.

فرج أوضح في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن الصومال ظروفه سيئة، وهناك توترات عسكرية متعددة في المنطقة، خصوصا مع وجود حركة الشباب الإسلامي الإرهابية، ما يضع على كاهل الدولة تعقيدات كبيرة، تدفع الأمر تجاه اضطراب إقليمي يهدد البحر الأحمر.

تنتشر الجماعات المسلحة في الصومال

المحلل الاستراتيجي والعسكري والمستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، اللواء حمدي بخيت، اتفق مع رؤية اللواء “فرج”.

أوضح بخيت أن الاتفاق بين أديس أبابا وصوماليلاند هو “منح من لا يملك لمن لا يستحق”، مشددًا على بطلان الاتفاقية وضرورة تحرك الصومال مع الاتحاد الأفريقي للتصدي لهذا الأمر.

وأكد أن أهداف إثيوبيا واضحة لامتلاك ميناء على المحيط الهندي، مع تلميح ببناء قاعدة عسكرية، مشيرًا إلى أن التفكير في هذا الأمر يخلق صراعات في المنطقة، ويضع الأمن والسلم في مهب الريح.

“إثيوبيا تعيش جو من المؤامرة في كل علاقاتها”، هكذا أردف بخيت، مؤكدًا أنها لن تقوى على شيء في البحر الأحمر، لكنها من الممكن أن تهيئ قواعدها لقوى أخرى أجنبية أخرى، واصفًا تحركاتها بـ"شغل عصابات وليس دول".

ودعّم بخيت وجهة نظره بالإشاره إلى دعم العديد من الدول لإثيوبيا، على رأسها إسرائيل المعلن وأمريكا والصين وأوروبا.

“بربرة” إثيوبيا وقناة السويس

ميناء بربرة التي أرادت إثيوبيا الحصول عليه طوّره الاتحاد السوفيتي عام 1968، ثم طوّرته أمريكا عام 1984، لكن ما علاقته بقناة السويس؟

ميناء بربرة

مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، شرحت أن إثيوبيا لديها إستراتيجية ثابتة منذ سنوات طويلة بإيجاد منصة لها على البحر الأحمر، مبينة أن المسافة بينها وبين البحر حوالي 60 كم، بعد انفصال إريتريا عنها عام 1993.

وبينت أن 95% من الواردات الإثيوبية تأتي عن طريق جيبوتي، في الوقت الذي تشهد علاقتها بإريتريا توترات بسبب شعب تيجراي، لذلك يأتي ميناء بربرة منفذا لأديس أبابا حتى لو كان اعتداء على سيادة الصومال ومحل استهجان إقليمي ودولي.

قضية “ميناء بربرة” على أرض صوماليلاند، تراها الطويل مزيدًا من سكب الزيت على النار، في منطقة القرن الأفريقي التي تشهد صراعات، ووجود تنظيمات إرهابية مثل حركة الشباب الصومالي، التي ستكون مثل طالبان وتسيطر على البلاد، على حد قولها.

حركة الشباب الصومالية

واستكملت الطويل حديثها، مشيرة إلى أن تحركات إثيوبيا تترك تداعيات كبيرة على استقرار المنطة، وتصاعد التهديدات الأمنية والعسكرية لمستوى غير مسبوق، الأمر الذي ينعكس على البحر الأحمر بشكل كبير، وأسعار النفط ونقله والتجارة بشكل عام ستتأثر.

التهديد للبحر الأحمر وبالتالي قناة السويس، فنّدته أماني الطويل، إذ أوضحت أن المنطقة تعج بالقواعد العسكرية وتم “عسكرة” البحر الأحمر منذ 20 سنة، لافتة النظر إلى تحالف “حارس الازدهار” الذي تقوده أمريكا في البحر الأحمر، والذي يتصادف اسمه مع اسم حزب آبي أحمد في إثيوبيا، مؤكدة أن مستوى التهديدات في البحر الأحمر لن يهدأ سريعًا.

الطويل أوضحت أن إثيوبيا نقطة ارتكاز لمصالح إسرائيل، وحاربت بالوكالة لأجل الكيان منذ الخمسينات، وتقوم بأدوار إستراتيجية لدعم المصالح الغربية، وما يزيد الطينة بلة أنها اقتصاديًا دولة ضعيفة ولديها تناحر قومي وكل عشريّة تنشب حرب أهلية، لذلك تمثل خطورة.

خريطة باب المندب

وجهة نظر الطويل اتفق معها السفير علي الحفني، الذي يرى أن إثيوبيا تضع أزمة للأمن القومي الإقليمي، مبينًا أن مصر ترتبط بالمنطقة برابطة قوية وتتشارك مع الصومال الكثير عبر التاريخ، وما يمسّ الصومال ويؤثر على أمنهم القومي يزعج مصر.

وأوضح أن الصومال يقع في مدخل باب المندب ومرتبطة بالبحر الأحمر وقناة السويس والتجارة الدولية، فالطبيعي نخشى من كل ما يؤثر على مصالح الدول الواقعة على البحر الأحمر.

search