الخميس، 19 سبتمبر 2024

07:49 م

هيثم هلال

هيثم هلال   -  

A A

في عشق الخريف.. إله المنتشين بخمر الصدق

غيم مُخصّب بالفرح والحياة.. وصباح نابض بالضوء والألوان الدافئة.. وبدايات تتسم بالفوضى تماما كأرواحنا التي تعبت.. وقطرات ماء تتساقط كالبلسم على الروح.. ما قيل عنه كونه مرتبط بالنهايات والرحيل، عبث وزور.. إنه الأصدق.. الأصدق بالتعري وتساقط أوراقه.. إنه الخريف.. إليه نتوق ونشتاق..

نحن أبناء الخريف.. نحترق شوقًا إلى ألوان غسقه الأولى.. ونتوق عشقًا لرائحة أرضه المُفعمة بنكهة الذكريات والحنين.. ونشتهي لهفة لتساقط أوراقه وصعقات رياحه الأولى.. ونتودد إلى سحر فوضاه وجماله.. وننتظر هديه إلى وهج الحب وتجديده..

لا يدرك سحر الخريف الذي يلامس جدائل أرواح سعت لامتصاص رحيق الرمق الأخير إلا عاشق أو مفتون.. يروغ منه الجمال.. منه إلى عيون الحالمين الهائمين في ملكوته..

نحن مجاذيب الخريف الذي يعكس مراياه ما لا يرى ويعري التوري بتساقط الأقنعة الزائفة وبتغيير الجلود وبتهاوي الأوراق واحدة تلو الأخرى فتفوح روائح الحقيقة كاملة دون تجمل أو ادعاء.. وتتسلل إلى أنوفنا: ننتشي بخمر الصدق الكامل..

ما الخريف! سوى إله عاشق.. وسيد يمسح بكفه دمعة طفل باكٍ.. وحزن قلب عابد.. وألم امرأة أرهقها فرط حب قاتل.. فينعس البسيطة بلا كآبة لتفيق على صباح بلا أنين..

ما الخريف! وجه يوسفي الجمال.. وثدي نسائي نافر العطاء.. وبهاء ينوء بثناياه بهاءً.. وهواء ينعش النفس.. ولذة لا تضاهيها لذة تكوين.. وسماء عابدة تسكب خمرًا على المؤمنين وتسقط زخات في كل الأمكنة..

ما الخريف! معالج يضمد جروح التهابات الصيف ويداوي ضربات الشمس التي أعيتنا..

إن الخريف يجدد طاقتنا بهوائه ونسماته وحكاياته.. الخريف يميل إلى عاشق لا يمل.. وإلى مجنون لا يفطن.. وإلى مذنب لا يتوب..

الخريف سيد الفصول وأروعها، لا هو يعرف توهج الصيف في حرارته، ولا تعصب الشتاء في برودته، ولا تصنُّع الربيع في اكتماله.. 

search