السبت، 05 أكتوبر 2024

12:03 م

ليس الطريق هنالك.. تفكيك المشروع المتطرف

باتت التيارات الإسلامية تقوم بعمليات تطوير لنفسها، حتى استغلت هذه التيارات الذكاء الاصطناعي في الاستقطاب والتجنيد، ولما ضاق الخناق على تنظيم الإخوان في مصر وعدد من الدول، سرى اعتقاد لدى البعض أن الجماعة انتهى فكرهُا؛ ومن ثَمَّ لا حاجة تستدعي تفكيك مشروعها.

أذكر أن مسؤولا دينيا كبيرا قال لي  منذ 3 سنوات: أين هي جماعات التطرف الديني الآن لكي نعمل على مواجهة أفكارها؟! والذي جعله يعتقد ذلك هو عدم التفرقة بين التنظيم وبين المشروع الذي تركه التنظيم، وما لم يلتفت العلماء والمفكرون والدارسون والدعاة، لهذه التفرقة فسيظل التطرف منتشرا.
إن المنطلقات المختلفة للتنظيمات أخذت ثلاثة مستويات، هي:
1-مستوى (السطح).
2-مستوى (القناعات).
3- مستوى (المنطلقات الفكرية)، وجاءت المؤلفات والخطب والمواقع لتغذي هذه المستويات من خلال كتب العقيدة، وكتب المنهج، وكتب الاستراتيجية والفقه الحركي.
 

هذا التقسيم مستمد من واقع هذه الحركات وأدبياتها، ومن عقلها الحركي والفكري، وممارساتها اليومية، ومن واقع شهادات من كانت لهم مراجعات مع هذه التيارات، فاالقضايا والبيانات والتحركات والمقولات المنتشرة على السطح وفي الإعلام ووسائل التواصل المختلفة لهذه التيارات، وعلى رأسها تيار الإخوان، ليست منفصلة عن البنى التي تتحرك فيها هذه الأفكار.

هذا يعني أن الضربات التي وُجهت للتنظيم وإن كانت أضعفته، لكن بقي المشروع الذي هو أوسع من التنظيم، ذلك أن الفكرة  الأيدولوجية المنحرفة منذ  نشأتها الأولى على يد الخوارج القدامي، اعتمدت على عدد من الأفكار، مثل: الحاكمية، وجاهلية المجتمع، واحتكار الوعد الإلهي، والتمكين.


هذه الأفكار الكبرى تحتاج لأن تعمل وتنتشر داخل تنظيم مُحكم، له رأس وقيادات هرمية، وهذا التنظيمات لقيت ضربات في مواجهات عسكرية ناجحة، كالتي خاضها الجيش المصري في سيناء، وخاضتها جيوش أفريقية في الساحل الأفريقي ضد القاعدة وداعش.
 

لكن المهمة الباقية الأكبر تظل متعلقة بمواجهة المشروع الديني المتطرف بعد الانتهاء من تفكيك التنظيم، المشروع الذي هو أوسع من التنظيم، وهو الباقي بعد موت التنظيم أو ضعفه أو انشقاقه، لأن المشروع موجود في العقول، ولا سبيل لمواجهته إلا بالفكر وتطوير المناهج الدراسية، وتجديد الخطاب الديني، وتقديم الخطاب البديل، وتنقية التراث تنقيةً منضبطة، ومنع أسباب التعاطف مع المشروع، سواء أكانت أسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو نفسية، أما اعتقاد أن موت التنظيم يعني موت الفكرة، وعليه تتوقف المواجهة الفكرية والشرعية، فليس الأمر كذلك، وليس الطريق هنالك، الطريق هو مواجهة المشروع الذي تركه التنظيم يعشعش في العقول منذ عقود.


إن (وثيقة لندن) التي صدرت من جناح لندن بالإخوان في 2021 ، كان هدفها الانتقال من التنظيم إلى المشروع، بعد أن نفر الناس من التنظيم، ونجحت مصر في تقويضه، فالوثيقة تدعو إلى تخفيف قيود التنظيم والتجنيد والهياكل الادارية، ليصبح المجتمع -وليس التنظيم- هو وعاء الفكرة.


المشروع له وكلاء وأتباع متمثلون في صور مختلفة، من تجلياتها: التدين الصراعي، والثقافة الفوقية، وعسكرة السيرة النبوية، وشمولية العداوة، وهدم المرجعيات الدينية، ومناطحة الأقدار، والحماس الأهوج في القضايا، والميل للتعنت والتحريم، وضمور ثقافة النقد، والانتماء للتنظيم بالهوى، وكراهية الأوطان، ونشر الإشاعات.


وآخر هذه التجليات ما زعمه بعضهم  - متأثرا بالإخوان – من تأييد وتصديق لدعوى محامي إسرائيل أمام محكمة لاهاي، فبينما العالم الحر بأجمعه، يقف مع مرافعة جنوب أفريقيا، ويكشف تزوير وتزييف مرافعة ممثل إسرائيل، ترى الجماعة – والمتأثرون بمشروعها- أن مرافعة اسرائيل صادقة فيما يتعلق بمعبر رفح، وأن مصر هي المسؤولية إنسانيا وليس إسرائيل!! وهذا الانحدار الأخلاقي من التأثر بالمشروع.

لعلنا نعود في مقالات قادمة إلى شرح أكثر للنقاط والتقسيمات المذكورة، لكن لا يفوتنا في هذا المقام الإشادة بالفتاوى والمؤلفات والدراسات التي خرجت من دار الإفتاء المصرية، لأنها بذلت جهودا ثاقبة في تفكيك المشروع.

search