الجمعة، 22 نوفمبر 2024

10:48 ص

بؤر إيران الساخنة.. مساومة الداخل المتوتر بـ"الغرام الفارسي"

أسلحة إيرانية الصنع

أسلحة إيرانية الصنع

تحليل – محمد خيري

A A

لا تزال إيران تمثل أحد العوامل الإستراتيجية في إقليم الشرق الأوسط، بدعمها لوكلائها في المنطقة العربية، والذي تسميه "محور المقاومة"، وعلى رأسه الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، واللذين يشكلان عامل ضغط كبير على إسرائيل (الذراع الطولى لأمريكا في الشرق الأوسط) في ظل حربها على قطاع غزة، منذ ما بعد عملية السابع من أكتوبر الماضي، وهو ما جعل وكلاء إيران يطلّون برأسهم محاولين إثبات وجودهم على الساحة السياسية والعسكرية.

هجمات الوكلاء بدعم إيراني

في الوقت الذي شكّل فيه الحوثيون عامل ضغط كبير على الجانب الإسرائيلي من  جبهات عدة، دعّمت إيران هذا الضغط من خلال تزويد الحوثيين بمسيرات انتحارية تعمّدت إطلاقها من الأراضي اليمنية باتجاه ميناء إيلات الإسرائيلي، فضلًا عن مهاجمة الحوثيين للسفن التابعة لشركات إسرائيلية وأمريكية وبريطانية في البحر الأحمر.

زاد من حدة الأمر تعمّد البحرية الإيرانية قصف ناقلة نفط أمريكية بداية يناير الجاري، كرد على دعم واشنطن لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة، الذي تتمتع فيه إيران بنفوذ كبير، حيث يعتبر كثيرون الثلاثي، “حركة حماس” و"الجهاد الإسلامي" و"حركة الصابرين"، الذي يسيطر إستراتيجيًا وعسكريًا على القطاع، محسوبا على طهران في ظل دعمها له ماليا وعسكريا، وتحدّثها أحيانا باسمه.

صاروخ إيراني

دعا ذلك كله الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا إلى الرد على ممارسات الحوثيين بقصف تمركزات الميليشيات الحوثية في محافظات شمالية عدة في اليمن، كان أبرزها صعدة والحديدة وذمار وصنعاء، على مراحل متكررة، آخرها فجر اليوم الخميس، إذ استهدفت بارجة أمريكية تتمركز في البحر الأحمر قواعد ومنصات إطلاق صواريخ باليستية حوثية في ذمار والحديدة وتعز وذمار وصعدة، مستخدمة صواريخ توماهوك، واعتبرت واشنطن أن تلك الضربات عملية استباقية لإحباط هجمات حوثية ضد أهداف أمريكية في البحر الأحمر.

ردود إيرانية 

على الرغم من حالة النشاط والاستنفار العسكري لمحور المقاومة، "أذرع إيران" في مناطق عدة، الحوثيون في البحر الأحمر، وحزب الله على حدود إسرائيل الشمالية، والفصائل الفلسطينية في غزة، فإن لإيران دورا لا تخطئه عين في معرض ردودها على هجمات تمت على أراضيها، كان أبرزها التفجيرات التي جرت على مرقد قاسم سليماني في محافظة كرمان في الثالث من يناير الجاري.

اعتبر كل من وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي ونائب الرئيس الإيراني محمد مخبر أن العمل "نفّذه داعمون للكيان الصهيوني في إيران"، متوعدين بالرد السريع، وهو ما دعا إيران لقصف مناطق عدة في أربيل التابعة لإقليم كردستان العراق، معتبرة أن القصف طال مراكز تجسس تابعة للموساد الإسرائيلي في أربيل، وهو ما وتّر العلاقات بين إيران والعراق ودعا الأخيرة لسحب سفيرها في طهران للتشاور.

صواريخ إيرانية 

في سياق متصل، قصفت إيران خلال اليومين الماضيين مناطق حدودية مع باكستان، كرد على مقتل حسين علي جاودان فر، مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني واثنين من حراسه في مدينة سراوان، جنوب شرقي إيران، وهي العملية التي تبناها "جيش العدل البلوشي" – أحد أبرز الكتائب العسكرية المعارضة لإيران – ويتمركز في محافظة سيستان بلوشستان على الحدود بين إيران وباكستان، وتتهم إيران باكستان بدعم جيش العدل من وقت لآخر.

الشخصية الإيرانية

لا يمكن الفصل بين مجريات الأوضاع الحالية وبين انسجام تلك الأوضاع مع الشخصية الإيرانية نفسها – المحبة للحرب كما تذكرها الأدبيات الفارسية- إذ أن النظام الإيراني على الرغم من أوضاعه الداخلية الاقتصادية الصعبة التي نتجت عن العقوبات الأمريكية منذ ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018، إلا أنه يسعى في كل مرحلة من مراحل حياته إلى إيهام الداخل بوجود عدو في الداخل والخارج، ومن ثم يسعى النظام إلى بتر أذرع أعداء إيران، كمحاولة لتوحيد شعب إيران المختلف في لغاته ولهجاته وعاداته وأخلاقه.

تعاني إيران من اختلاف القوميات، وبالتالي يحاول النظام إيجاد حالة من الانسجام الكامل من خلال استخدام القوة العسكرية ضد خصوم إيران لإيجاد نوع من الترابط المُصنّع بين تلك القوميات، انطلاقًا من الحكمة القائلة: "لا حياد وقت الحرب"، وعلى هذا الأساس يشير بعض المستشرقين إلى أن فترة السلام في عمر إيران هي "فترة فاصلة تبعث على الضيق بين حرب وأخرى".

كما تسعى إيران إلى وأد أية محاولات للمعارضة للخروج في تظاهرات تندد بالأوضاع الاقتصادية السيئة في الداخل من خلال التأكيد على أن طهران تحارب أعتى القوى الإقليمية والدولية في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، وهو ما يستوجب توحيد الجبهة الداخلية في إيران ضد القوى الإقليمية المناوئة لإيران.

جندي إيراني 

توافق إيراني عربي

ولذلك تلجأ إيران دائمًا – في كل مرحلة من مراحل تاريخها السياسي – إلى التأكيد على تعزيز وجودها الإستراتيجي والعسكري والسياسي، سواء داخل إيران أو خارجها، انطلاقًا من إستراتيجية "الرد السريع" على المناوئين لها، حيث تعمل على تعزيز تواجدها الإستراتيجي على كافة المحاور في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما دعا علي يونسي النائب السابق للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، لأن يتباهى في إحدى جلسات مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) بأن بلاده باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي "دمشق وصنعاء وبيروت وبغداد".

على هذا الأساس، فإن تحركات إيران في الإقليم تعزّز رغبتها في الاستمرار في التواجد إقليميًا وعالميًا، كرد على واشنطن التي طبّقت عليها عقوبات من جانب، ولتوافق رأي إيران في الحرب الإسرائيلية على غزة مع رؤى عربية تؤكد على ضرورة وقف تلك الحرب، في الوقت الذي لجأت فيه إيران إلى سياسة "تصفير الأزمات"، مع دول الجوار بعد عقد اتفاقيات مع السعودية والإمارات بوساطة عربية وصينية، واتصالات تجري مع مصر في هذا الشأن، وكذلك لتعزيز تواجد أذرعها في مناطق سيطرتهم من جانب آخر، لمساندتها إذا ما احتاجت أن تضغط على إسرائيل في مراحل لاحقة.

search