السبت، 05 أكتوبر 2024

05:43 م

حين تشنق البراءة نفسها!!

في مكان آخر على هذا الكوكب كانت ستقوم الدنيا ولن تقعد، حين يفيق الناس على صدمة، طفلة عمرها 15 عاماً تشنق نفسها بطريقة درامية، تدمي القلب وتعصف بالروح!!
أغمضوا أعينكم لحظات من فضلكم، وتخيلوا معي هذا المشهد:
أم تفتح باب شقتها لتجد ابنتها جثة هامدة متدلية من حبل معلق في سطح العقار!!
الوضع الطبيعي في حياة أسرة طبيعية، أن تستيقظ الأم وتتوجه إلى غرف أطفالها لإيقاظهم استعداداً للمدرسة، بعد إعداد الفطور لهم، لكن ربما لأننا لم نعد طبيعيين، صارت حياتنا بائسة مثلنا!!
سأكتب لكم اليوم بمشاعر الأب، فأنا مثلكم جميعاً لدي طفلة هي كل حياتي، بما تحتمل الكلمات من معان، تبتسم الدنيا حين تضحك، وتتشح بلون قاتم حين تبكي،
أدور في فلك هذه الحياة من أجلها، ولا أتحمل أن يصيبها ذرة من مكروه، وأتخيل أن هذه مشاعر طبيعية يجب أن يكنها كل أب لفلذة كبده..
ومن ثم لم أستطع التوقف عن التفكير في "هاجر" تلك الطفلة الصغيرة، ما الذي أوصلها إلى درجة التفكير في الانتحار؟
ألم تتردد لحظة أثناء إعداد المشنقة التي صنعتها لنفسها، ألم يقاوم عقلها الصغير الفكرة، ألم تشعر بالخوف، حين صعدت بمفردها على سطح المنزل، لتثبت الحبل في قطعة حديد؟!
يا الله، يا لقسوة الفكرة والصورة، هل عذبها المتنمرون لهذه الدرجة ؟!!
بحسب التحقيقات، لم تتحمل هاجر تنمرهم المستمر، وسخريتهم منها وفضلت السكوت على الإفصاح عن آلامها، هل السبب يا ترى في انقطاع حبال الوصل بينها وبين المحيطين بها؟!
لقد استيقظت الأم لإعداد وجبة الإفطار، وبحثت عن هاجر، وشعرت بانقباض في صدرها، غير مدركة بالصدمة التي سوف تهزها بقية حياتها، حين أدركت أن ابنتها تنتظرها أمام الباب في وضعية لا يتمناها أحد لأطفاله!!
الموجع في هذه القصة أن الأم كان لديها خلفية عما كانت تعانيه هاجر، وبحسب كلامها، كانت تحاول التخفيف عنها بحديث لم يؤت ثماره، أو يقنع الطفلة الجميلة النجيبة بالعدول عن قرار سوداوي بالغة الظلمة!!
أين المدرسة؟!
هذا سؤال هزلي آخر، مضطر لإثارته رغم قناعتي التامة بأن الحديث عن هذه المسألة صار شيئاً من رفاهية،
هل اشتكت هاجر لأحد داخل تلك المدرسة، هل هناك أخصائي اجتماعي لديه ذرة من إدراك لمخاطر التنمر الذي تحول منذ سنوات إلى قضية عالمية، تهتم بها المنظمات الدولية، وما هي مشاعر زملائها الذي قادوها إلى اليأس، وإنهاء حياتها بهذه الطريقة البشعة، هل يعرف آباؤهم ذلك؟!!
المتنمر بحسب خبر علم النفس والاجتماع شخص مضطرب يعاني من ضعف في الشخصية وخلل في السلوك وشعور متأصل بعدم الأمان، ومن ثم فإن هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق الآباء لحماية ابنائهم من هذا الخطر المدمر.
مصطلح التنمر صار أكثر رواجاً في الآونة الأخيرة، وبدأنا نسبياً نفهم مظاهره وأشكاله، سواء في المدرسة او الشارع أو النادي، لكن لا زلنا في حاجة إلى وعي بمخاطره خصوصاً التنمر الإلكتروني، الذي يعتبره خبراء مكافحة الجرائم التقنية من أخطر التهديدات التي تحيق بالأطفال والمراهقين، وتكررت حالات الانتحار لأطفال تعرضوا للتنمر والسخرية بسبب صورهم أو أشكالهم، فضلاً عن الإصابة بالاكتئاب والإحباط وانعدام الثقة بالنفس.
كان من المفترض أن تقف الدولة بأجهزتها المعنية عند هذه الواقعة، ويجري تحقيق صارم ودقيق في ملابساتها، فالبراءة لا تشنق نفسها من فراغ، لكن بكل أسف لم يتحرك أحد، ولم أرصد رد فعل للجهات المعنية بحماية الأطفال، وكأن من الطبيعي أن نستيقظ يومياً لنجد أبنائهم معلقين في مشانق!!!
أذكر جيداً تلك الواقعة التي تعرضت فيها فتاة مصابة بمتلازمة داون للتنمر عبر منصة فيس بوك من قبل شخص متجرد من الإنسانية!
لقد تحركت الأجهزة المعنية في مصر وقتها، بعد أن لجأت ضحية التنمر الإلكتروني للنيابة العامة وتم اتخاذ الإجراءات القانونية وضبط المتهم، فلماذا لم يحدث المثل في واقعة "هاجر"؟!
أدرك جيداً أن زملاءها المتنمرين ضحايا مثلها، لكن آباؤهم ليسوا كذلك، فالمتنمر يجد بيئة تشجعه على هذا السلوك البغيض، وحين لا يجد من يحاسبه، تكون النتيجة هكذا !!
لقد رحلت هاجر بطريقة مفزعة، تاركة وراءها رسالة موجعة، تهز أي ضمير إنساني، رحلت بمفردها في ظلمة الليل كارهة الحياة ومن فيها، فهل هناك من رشيد يتحرك حتى تكون آخر الراحلين بهذه الطريقة؟!
 

search