الجمعة، 14 مارس 2025

07:20 م

تامر إبراهيم يكتب: شرع سوريا وشريعة إسرائيل

تامر إبراهيم

تامر إبراهيم

انفض فرح سقوط نظام بشار الأسد في سوريا سريعًا، وعادت البلاد تتشح بالسواد، فدماء العشرات تفيض في الساحل السوري حيث شمال غرب البلاد، وسط اتهامات بعمليات تطهير عرقي تجري على قدم وساق في سوريا.

ما يحدث وإن كان مفجعًا إلا أنه منطقي لدرجة كبيرة، فالقائمون على إدارة شئون سوريا ليسوا أهل سياسة ولا تجار حرير أو أكاديميين حتى وإن كانوا متطرفين، بل الجزء البارز منهم على الساحة أهل قتال وقتل على أساس الهوية، والباطن منهم إما مرتزقة أجانب ارتحلوا إلى البلاد للانضمام لجماعات إرهابية من أجل القتال مدفوع الأجر، وإما سوريون عبثت الطائفية بعقولهم والتطرف بقلوبهم وحملوا السلاح في حرب أهلية من الطراز الأول والمعقد.

فصول القصة

لكن، لماذا ما يحدث في سوريا منطقي؟ ولماذا ننسى ترتيب الأحداث؟ وما الهدف من وراء تمكين هؤلاء من سوريا؟ وما المستقبل لدولة كانت ولن تكون؟

لنبدأ القصة من فصلها الأول حيث بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يقف يوم 26 نوفمبر 2024، يتوعد الرئيس السوري بشار الأسد، ويحذره ألا يلعب بالنار. ولم يمر على ذلك التحذير سوى 12 يومًا فقط، حتى سقط بشار ونظامه.

ولأن لا شيء صدفة إطلاقًا، فيمكنك اعتبار جملة "لا تلعب بالنار" كأنها كلمة السر لانطلاق جماعات إرهابية وفصائل مسلحة للتقدم في القتال من جديد، ولكن تلك المرة نجحوا فيما فشلوا فيه خلال 13 عامًا. أسقطوا نظام بشار خلال 12 يومًا فقط. إذًا ماذا تلقوا من دعم لإنجاز تلك المهمة في هذا الوقت القصير؟ وما هي المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجيستي والعسكري الذي تلقوه للقضاء على جزء كبير من جيش أجهزت عليه إسرائيل كاملا فيما بعد؟

سقط بشار وكان سقوطه الفصل الأول من القصة، ليبدأ بعدها الفصل الثاني سريعًا جدًا، خرج نتنياهو مرة أخرى، الأول كان محذرًا بشار، أما الثانية كان محتفلًا بسقوطه، واصفًا ذلك بـ "اليوم التاريخي في الشرق الأوسط"، ومعتبرًا إياه "الفرصة المهمة لإسرائيل".

كل التهم التي وجهت إلى بشار الأسد حقيقية كانت أو دعائية كاذبة، لا يمكنها أن تخفي شيئًا مهمًا للغاية، وهو أن "سوريا الأسد" كانت أرض إسناد للمقاومة الفلسطينية، واحتضنت دمشق مقرًا لحماس لسنوات طويلة، ووجه يحيى السنوار، قائد الحركة الذي قتل في المعارك بغزة، الشكر لسوريا قبل موته بحوالي عامين، واصفًا "سوريا الأسد"، بأنها أحد ساحات الحشد والارتكاز الداعمة للمقاومة الفلسطينية.

إذا كانت إسرائيل المستفيد الأكبر والأهم من سقوط بشار الأسد ونظامه، وفرحة المظلومين والمكلومين في الأرض العربية التي أكل عليها الإرهاب والتطرف وشرب، قابلتها فرحة في تل أبيب أيضًا، فالسوريون فرحوا لانتهاء عقود من مظالم عديدة، والإسرائيليون فرحوا بالقضاء على جزء مهم من محور المقاومة وأرض كانت ساحة انطلاق ضد مصالحهم، والأهم ما وصفه نتنياهو بالفرصة المهمة لتل أبيب واليوم التاريخي في الشرق الأوسط.

يوم تاريخي وفرصة مهمة؟

دخول سوريا في حالة فوضى عارمة وتمكين جماعات طائفية مسلحة من زمام الأمور، ليس ابن الصدفة إطلاقًا ولا هو أمر واقع فرضته أبجديات الحرب الأهلية والنزاع المسلح في سوريا، بل هو جزء من مخطط عمره عقود من الزمن، بني على عقيدة عمرها قرون من الزمن، تقول إن دولة إسرائيل الكبرى لابد أن تُقام، ولكن هناك عقبات في الطريق لابد من إزالتها، حتى وإن اختلف مفهوم الإزالة، سواء كان احتلال كامل في الماضي، أو تقسيم وتفتيت في الحاضر والمستقبل.

لنعرف لماذا سقوط سوريا في أيدي هؤلاء كان مهمًا لإسرائيل ويومًا تاريخيًا للشرق الأوسط، علينا العودة قليلا إلا نوفمبر عام 2006، حيث كتب المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، مقالا يشرح فيه رؤية إسرائيل للشرق الأوسط.

استشهد المسيري في مقاله بمقول لشمعون بيريز، رئيس إسرائيل السابق، الذي قال فيها: "لقد جرّب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل إذن".

يشير المسيري إلى أنه في سبيل رؤية شمعون بيريز لقيادة إسرائيل للشرق الأوسط، لم يكن لإسرائيل سوى تقسيم المنطقة بشكل كامل وإعادة تشكيلها من جديد، ففي إطار التقسيم تصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة غرسًا في الجسد العربي، دولة طبيعية بل وقائدة. فالتقسيم هو في واقع الأمر عملية تطبيع للدولة الصهيونية التي تعاني من شذوذها البنيوي، باعتبارها جسدًا غريبًا غرس غرسًا بالمنطقة العربية.

المسيري استعرض مقالا نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية في يونيو 2006، وكتبه الضابط المتقاعد رالف بيترز، الذي كان يعمل في الاستخبارات العسكرية الأمريكية.

الضابط الاستخباراتي الأمريكي رأى أن تقسيم الشرق الأوسط في أوائل القرن العشرين -سايكس بيكو- ظلم بشكل فادح أقليات بعينها مثل الأكراد والشيعة والمسيحيين والبهائيين والإسماعيليين وغيرهم، ولذلك يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط انطلاقا من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه. لذلك وضع خريطة تضمن تقسيم العراق وسوريا إلى دويلات ثم يأتي الدور على السعودية والإمارات.

عقيدة أمريكا وإسرائيل

رالف بيترز ليس مجرد ضابط مخابرات أمريكي، بل هو صوت ينطق بالعقيدة الأمريكية الإسرائيلية، التي ترى تقسيم الشرق الأوسط أمر حتمي لا تراجع فيه، ويمكننا الآن فهم الهدف الحقيقي وراء غزو العراق في 2003 وتدمير جيشها ووضعها في حالة فوضى دائمة، ثم ما فشلوا فيه عسكريًا حاولوا تمريره بالديموقراطية، أو هكذا زعموا، فاجتاحت ثورات الربيع العربي غالبية البلدان في عام واحد، وتم تمويل حركات بعينها في تلك البلدان، ونتج عن ذلك فوضى عارمة في ليبيا واليمن وسوريا، قبل أن تنضم لهم السودان، وتنجو مصر وتونس من عمليات تمكين الجماعات الطائفية.

في العام 2013، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، دراسة تحليلية لخريطة جديدة للوطن العربي بعد ثورات الربيع التي اجتاحت أركانه، تشير إلى أن ثورات الربيع العربي تعيد رسم الخريطة السياسية في بلدان الحراك بصورة تفضي إلى تقسيمها إلى عدة دويلات صغيرة.

بحسب نيويورك تايمز، فإن سوريا ستنقسم إلى 3 دول بحسب الصراع المذهبي والديني، الأولى علوية في الساحل السوري، والثانية للأكراد تنضم لكردستان العراق، وثالثة سنية تنضم لبعض المحافظات السنية العراقية ويصبح اسمها دولة "سنستان". أي يتم إعادة ترسيم سوريا والعراق وتفتيت الدولتين لدويلات صغيرة طائفية ومذهبية. فضلا عن تقسيم ليبيا والسودان واليمن لدويلات طائفية أيضًا.

ما نشرته الصحيفة تحت إطار الصحافة، أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية تحت إطار السلام، فالإدارة الأمريكية أعدت خطة لأجل سوريا وقت المعارك بين نظام بشار الأسد والجماعات الإرهابية.

ووفق الخطة يتم إنشاء  مناطق آمنة في سوريا، واحدة للعلويين على طول الساحل السوري حتى الحدود اللبنانية، ومنطقة في الشمال للأكراد في الشمال ومنطقتين للمعارضة المعتدلة في حلب ودرعا، ومنطقة حرب إذا لم ينسحب تنظيم داعش أو يهزم فيها، على أن تتولاها قوى دولية.

وفق الخطة الأمريكية أيضًا، يكون الحكم لا مركزي، وتتولى كل منطقة شؤونها الخاصة، أي ما يشبه الاتحاد الكونفيدرالي.

إسرائيل تعلن نيتها

الخطة الأمريكية الواضحة سواء في الماضي القريب أو حتى مشروع برنارد لويس لتقسيم الشرق الأوسط، لا تختلف إطلاقًا عن الخطط الإسرائيلية الموضوعة من أجل تقسيم الشرق الأوسط ككل، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، خطة عوديد ينون، مستشار آرييل شارون.

ينون في خطته يرى حتمية تقسيم سوريا ولبنان والعراق ومصر واليمن والسودان وليبيا، إلى دويلات طائفية ومذهبية، من أجل إضعافها وتمدد إسرائيل وسيطرتها وتوسعها وتحكمها في الشرق الأوسط.

إسرائيل لم تعد تخفي شيئًا في الوقت الحالي، فمثلما رأى نتنياهو سقوط نظام بشار بالفرصة المهمة لإسرائيل، تؤمن حكومته بضرورة التحكم في سوريا بعدما وسعوا احتلالهم للأراضي العربية تحت مرأى ومسمع النظام السوري الحالي الذي لم يحرك ساكنًا تجاه كل تلك الانتهاكات.

بحسب صحيفة إسرائيل هيوم العبرية، هناك مناقشات بالحكومة الإسرائيلية من أجل تقسيم سوريا إلى كانتونات تحت شعار "حماية الأقليات".

تقول الصحيفة إن يسرائيل كاتس، وزير دفاع إسرائيل، عقد اجتماعًا وزاريًا من أجل مناقشة التدخل التركي في سوريا، وشهد الاجتماع مناقشة إمكانية تقسيم سوريا إلى كانتونات لحماية الأقليات العرقية مثل الدروز والأكراد الذي تستخدمهم إسرائيل كأوراق رابحة على رقعة الشطرنج.

نتيجة حتمية

الآن وبعد أحداث الساحل السوري الأخيرة، يتفرق دم الأبرياء بين الجميع، فالنظام السوري يتهم فلول نظام بشار بإحداث فتنة، والسوريون يتهمون نظام أحمد الشرع بارتكاب مذابح عرقية، لكن النتيجة في النهاية واحدة، سوريا تستمر في الحرب الأهلية، ما يخلق دافعًا للبعض من أجل اللعب بورقة التطهير العرقي، ويخلق أسباب انفصالية تجعل تقسيم سوريا مسألة وقت.

ويبقى السؤال المهم، هل يتحرك أحمد الشرع لمعاقبة إرهابييه؟ هل ينتفض لحماية المكون السوري الإنساني؟ هل لديه النية للحفاظ على سوريا واحدة؟ هل بإمكانه حماية التراب الوطني رغم أنه تم انتهاك سيادة سوريا تحت أنظاره؟ أم يصبح أحمد الشرع الوزير الـ 28 في حكومة نتنياهو؟

search