الأربعاء، 02 أبريل 2025

01:37 م

رضوى رحيم
A A

بوح| بين الناجي والضحية.. حكمة العابرين على جسر الألم

أيها السائر في دروب القدر، حين تضيق بك الأيام وتشتد المحن، أي الطريقين تختار؟ أن تنحني كغصنٍ منكسر، أم أن تنهض كناجي يعبر النهر ولا يغرق فيه؟ الفرق بين الناجي والضحية ليس في حجم الألم، بل في طريقة العبور. كلاهما ذاق مرارة الدهر، لكن أحدهما صار أثرًا، والآخر صار شاهدًا.

الضحية يبكي على ما فُقد، يندب الأيام التي لم ترحمه، يتساءل: "لماذا أنا؟" فيظل عالقًا بين الجرح والذكرى، كطائرٍ كُسرت جناحاه، لكنه لا يحاول أن يمشي. أما الناجي، فينظر إلى الألم كمعلم، كيدٍ خفيةٍ دفعته نحو حكمة لم يكن ليراها دون الوجع. لم يقل "لماذا أنا؟" بل قال: "ماذا علّمتني هذه النيران؟" فخرج منها لا برماد الحزن، بل بنور الفهم.

الفرق بينهما كالفرق بين من يغرق في النهر، ومن يعبره رغم التيار. الماء واحد، لكنه احتضن أحدهما وابتلع الآخر. وليس الماء ظالمًا، بل العابر هو الذي يقرر كيف يواجهه.

هل رأيت الجبال، كيف تنحني لها الرياح ولا تهزها؟ ليست قوية لأنها لا تتألم، بل لأنها تعي أن الألم جزءٌ من خلقتها، وأن كل شقٍ في صخورها ليس إلا ذكرى لصمودها. كذلك الناجي، لا يهرب من الألم، بل يحمله كما يحمل الصوفي عباءة السالكين، يعرف أن العبور ليس في الهروب، بل في الفهم، وأن النجاة ليست في أن تكون بلا جروح، بل في أن تكون جروحك أبوابًا للنور.

فالصوفي، حين يسير في دروب المحن، لا يسأل متى تنتهي، بل يسأل: "أين أنا منها؟" لأن الألم في فلسفته ليس سوى وجهٍ آخر للحب الإلهي، درسٌ في التجرد، امتحانٌ في التسليم. الصوفي يرى في الجراح نقشًا من نور، وفي الفقدان كشفًا للحقيقة، وفي الضيق دعوةً للاتساع.

وما النجاة إن لم تكن شهودًا على رحمة الله تتجلى من خلف أستار الألم؟ وما العبور إن لم يكن سيرًا على الماء بقدم الإيمان؟ ألم يقل أحد العارفين: "لو انكشف الحجاب، ما اخترت إلا ما اختار الله لك؟" فكيف بمن ذاق المحن ثم أبصر فيها حكمةً لم يدركها من قبل؟

ولكن، أيها العابر، لا تنسَ أن الألم لم يكن عبثًا، وأن العبور ليس مجرد صمود، بل هو اختبارٌ للإرادة، محكٌّ للإيمان، نافذةٌ على حكمة الله التي تُخفي تحت ظلال الشدة أسرار الرحمة. الناجي هو من رأى في المحنة يد الله تمتد، وفي الألم رسالةً تقول له: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"

فهل بعد هذا تطلب طمأنينة؟

search