السبت، 05 أكتوبر 2024

05:40 م

أم اليتيمات .. حين ينتصر الخير

بابتسامة رضا، وملامح رصينة لأم تدرك واجباتها جيدا،ً وقفت السيدة فتحية محمود على مسرح الحفل الختامي لمبادرة "صناع الأمل" تتسلم جائزتها من رائد هذه الصناعة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، حاكم دبي.
فتحية محمود مثل آلاف الأمهات المصريات اللاتي يسطرن بطولات إنسانية يومية في ظل ظروف صعبة، يتحملنها دون كلل أو شكوى من أجل أسرهن، وإن كانت تختلف عن غيرها في أنها حُرمت شخصياً من نعمة الولادة، لكن قررت أن تتحمل واجبات الأمومة في قصة ملهمة بكل ما تحتمله الكلمة من معان
اختارت هذه السيدة الأصيلة طريق التبني، وربما كان طبيعياً أن تتبنى وزوجها طفلاً أو اثنين، وتوجهت إلى إحدى دور الأيتام لهذا الغرض بالفعل، وقدمت طلباً رسمياً لرعاية طفلة، لكن فوجئت باتصال من هناك يخبرها بأن هناك 21 فتاة جاهزات للتبني، وفي اليوم التالي زاد العدد إلى 27، وبعد أسبوع إضافي وصل إلى 34 طفلة، والمفاجأة أنها قررت تبنيهن جميعاً وتكريس حياتها لرعايتهن مع  رجل فاضل، اختار أن يكون هو وزوجته صاحبا رسالة في زمن يهجر آباء كثيرون أسرهم، ويتهربون من رعاية أبناءهم الذين من أصلابهم!
تولت فتحية وزوجها رعاية بناتهن، وأشرفا على تعليمهن جميعاً، دون أن يبخلا بما ادخراه في رحلة عمل طويلة قضياها في الغربة، حتى لقبت بأم اليتيمات، نظراً لحرصها على تولي شؤونهن بنفسها، وعدم الاكتفاء بترك هذه المسؤولية للمربيات أو الأمهات البديلات، لقناعتها بأن لا أحد سوف يعتني ببناتها مثلها.
لم تكتف بتأسيس جمعية "لمسة أمل لرعاية الأيتام" بل أسست مستشفى مجانية لرعاية هذه الفئة في منطقة حدائق الأهرام، لتكون وزوجها نموذجاً ملهما يجسد الإنسانية في أعظم صورها، وتستحق أن تكرم من رائد أعمال الخير الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
لقد دمعت عيناي وأنا أتابع تكريمها بحضور زوجها القعيد واثنتين من بناتها، فهذه السيدة الكريمة دليل على أن الخير موجود، وراسخ، مهما مر على الناس من مصاعب وتقلبات، وقصتها برهان واضح على أن الإنسان خلق لسبب، وحين نغادر هذه الحياة لن نترك سوى عمل صالح، فطوبى لها ولزوجها يرعيان سوياً 34 مشروعاً صالحاً..
أعرف على المستوى الشخصي أشخاصاً عظماء، يحلّ الخير أينما حلوّا، ويبذلون أقصى ما بوسعهم لمساعدة المحتاجين أو القيام بأعمال تنفع الناس مثل بناء المساجد والمراكز التعليمية، والإنفاق على اليتامى دون أن يعلنوا ذلك أو يتاجروا به، وهؤلاء هم كنز هذه الحياة..
ولا أخفيكم قولاً، في ظل هذا الزمن الذي تسوده الشرور، ويسيطر عليه الجنون متمثلاُ في بشر تجردوا من الإنسانية، نتلمس بارقة أمل، ونبحث عن يد تشدنا خارج هذا النفق الدموي المظلم!
لذا تابعت بشغف بالغ الاحتفالية الخامسة للحدث الإنساني العظيم "قادرون باختلاف" الذي يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على حضوره شخصياً والتفاعل مع النماذج الرائعة لأبنائنا ذوي الهم، ويا له من اسم رائع معبر عن حالة فريدة تهذب النفوس وترقق الطبائع والقلوب.
شاهدت الشاب الجميل عبدالرحمن مصطفى متحدي الإعاقة الذهنية الحاصل على درجة البكالوريوس رغم ظروفه، وهو يتحدث بثقة في كرة القدم، معرباً عن أمنيته في أن يصبح محللاً رياضياً، ويتمنى على الرئيس أن يساعده في الحصول على عضوية ناديه المفضل.
وسمعت القصيدة الرائعة التي ألقتها الطفلة روضة بطريقة زادتها ألقاً وجمالاً، لدرجة دفعت الرئيس إلى طلب سماعها مرة أخرى، ثم طلب منها أن تسمح له بشرف السلام عليها، وقال لها "يوم القيامة تقولي يا رب هاته معانا"
نحن في أمس الحاجة إلى المحافظة على ما تبقى من إنسانيتنا، ونتكاتف، فالحياة أصبحت أقسى من أن نتحملها فرادى، 
نحن في أمس الحاجة إلى من يحنو علينا حتى لو امتلكنا المقدرة والإمكانيات، وفي حاجة أكثر إلى أن نكون أكثر عطفاً على غيرنا، فلهذا خُلقنا وكرمنا المولى عز وجل، وميزنا عن الحيوانات التي أصبحت أحن على بعضها من بشر كثيرين..
نحن نعيش أيام رحمة، ومقبلون على شهر مبارك، وعلى الرغم من قناعتي بأن الطيبين يبذلون الخير والعطاء طوال الوقت وليس في شهر بعينه، إلا أن نسائم رمضان لها أثرها العميق على النفوس الطيبة، وأتمنى ان نستثمرها في نشر روح التسامح، والتكافل ومد يد المساعدة للمحتاجين وما أكثرهم في الوقت الحالي..
بالأخلاق وحدها نأسر القلوب، فتواضعوا ترتقوا، كما فعلت أم اليتيمات صانعة الأمل الحاجة فتحية، التي كُرمت عن عمل إنساني عظيم أدته بحب وعطف وإيثار،
وكما يخفض الرئيس جناحه لمتحدي الإعاقة من أبنائنا.. القادرون باختلاف.

search