السبت، 05 أكتوبر 2024

05:15 م

الكحيت بيه.. وتحرير الجنيه

لا حديث بين المصريين سواء داخل البلاد أو خارجها سوى عن تحرير سعر الصرف، "الوصف الأنيق لمصطلح التعويم" وهذا أمر غير مألوف، ويعكس مدى تأثر المواطن العادي واهتمامه بسياسات نقدية كانت حصراً فيما سبق على الخبراء والمصرفيين ورجال المال والأعمال.
هل درست الحكومة القرار جيدا؟
أجاب الخبراء بما يكفي عن هذا السؤال لكن الجدير بالاهتمام أن هناك اختلافاً في الآراء، بما يعكس نوعاً من الغموض، يصاحبه أسئلة عدة تلح على الأذهان مرتبطة أساساً بمستقبل الدولار في بلادنا، خصوصاً في ظل إعلان المصرف المركزي السماح لسعر الصرف بان يتحدد وفق آليات السوق!
دعونا نتحدث هنا عن الأمر بلغة أبسط يتقنها المواطن المصري في الداخل والخارج، مبنية بشكل أساسي حول جدوى القرار وتبعاته..
الأمر ببساطة وبناء عن تجربة واقعية أن السوق السوداء الموازية للعملة، تلتهم نصيب الدولة من مدخرات وتحويلات أبنائها العاملين بالخارج، فلا يمكن لعاقل أن يحول أمواله عبر البنوك أو شركات الصرافة بسعر يقل عن المتوافر في السوق السوداء بأكثر من 50% في بعض الفترات، بعيداً عن المزايدة والحديث العبثي عن مثالية غير متوافرة، فجميعنا يدرك أن كبار رجال الأعمال والاقتصاد كانوا يعتمدون طوال الفترة الماضية على تلك السوق في توفير احتياجاتهم من الأخضر الأمريكي!
المواطن المصري المغترب لا يحبذ اللجوء إلى السوق الموازية بأي حال من الأحوال، لأن ثمة شعور لديه أنه مسار غير آمن، وتعرض كثيرون بالفعل لعمليات احتيال وسرقة أثناء قيامهم بالتحويل عبر هذه القنوات، طمعاً في مكاسب أكبر!
وفي المقابل خسرت الدولة ما لا يقل من وجهة نظري عن 40% من تحويلات ابنائها طوال الشهور الأخيرة، وأعتقد أن النسبة أكبر كثيراً من ذلك، لكن لنلتزم بالتقديرات الرسمية!
ومن ثم فإن أول المرحبين بتحرير سعر الصرف هم المصريين في الخارج، بشرط توافر ضمانات مهمة، أبرزها أن يسحب ذووهم النقود التي يحولونها بالعملة التي يقررها صاحب التحويل، وهذا أكبر ضمانة للشفافية واستعادة الثقة وتعزيز العلاقة الدافئة بين مصر وأبنائها المهاجرين..
لقد حققت الدولة خطوات مهمة في طريق الاستثمار خلال الفترة الأخيرة، وأتحدث هنا تحديداً عن مشروع رأس الحكمة، الذي كبح الارتفاع الجنوني في أسعار الدولار بالسوق السوداء، بعد الإعلان عن قيمة الصفقة الضخمة مع دولة الإمارات، ومن ثم تلح ضرورة الحفاظ على هذه المكتسبات، باتخاذ خطوات جادة للقضاء على هيمنة السوق السوداء..
يذكرني كثيرون بشخصية "الكحيت بيه" في رائعة الساخر المبدع أحمد رجب "ناس وناس" فيسأل أحدهم "أسعار الدولار بكام النهارد يا إكسلانس" وتدرك لاحقاً أنه لا يملك أي دولارات، لكن من حقه ان يركب الترند مثل الآخرين!
ومع ذلك، لا يمكن إنكار حالة القلق التي تسيطر على الناس، فالكثيرون يبحثون عن التحوط المالي لحماية مدخراتهم البسيطة، وحتى الذين يحوزون دولار في الوقت الراهن، لا يمكنهم تحديد الوقت المناسب للتخلص منه بالبيع أو المبادلة، وصاروا جميعاً أسرى لخبراء السوشيال ميديا أصحاب البضاعة الرائجة حالياً، مثل بائعي الوصفات الشعبية!
لا يمكن أن يستثمر أحد وهو خائف فالقاعدة الأساسية أن رأس المال جبان، ومن ثم يتحتم على الدولة أن تطبق سياسات شفافة واضحة، وتستمر في برنامج إصلاح اقتصادي ممنهج ومدروس، تشرحه للناس بلغة بسيطة حتى يرى الراغب في الاستثمار موطئ قدميه، وأرى أن صفقة رأس الحكمة استهلال رائع لذلك، وأثق أن هذا النوع من الشراكات سوف يشجع حكومات وكيانات وأفراد على أن تحذو حذو دولة الإمارات ..
أؤكد ثانياً وثالثا ورابعاً، مهما بلغ سعر الجنيه بعد تحريره، أفضل من أن يكون هناك سوقي صرف بالدولة، لكن من الضروري أن توفر الدولة مظلة اجتماعية سريعة لمحدودي الدخل حتى لا تلتهمهم نار الأسعار التي تصاحب هذه التقلبات، ولدي قناعة راسخة بأن الدولة سوف تراعي ذلك إلى نتجاوز عنق الزجاجة!

search