الجمعة، 20 سبتمبر 2024

12:30 م

"تليجراف مصر".. توليفة نجاح

ما كل هذا الخير؟.. هل أنا جيد لهذه الدرجة؟.. أسئلة لم تفارق ذهني منذ بدأت مشواري صدفة في بلاط صاحبة الجلالة. ليست شكوكا عن ماهية ما أفعله أو ما أقدمه لكن تساؤل عن كرم إلهي مفرط في كل خطوة خطوتها وكل شخص أشاد بجهدي مع أول كبسة زر من أناملي على «الكيبورد» لكتابة خبر عرفت بعدها أنه ما يعرف بالصحافة.

كنت ابن العشرين عاما عندما ذهبت لمقابلة الراحل الأستاذ عبد الله كمال مع انطلاق تجربته الفريدة “دوت مصر”، بقميص مزركش وشعر مجعد دخلت طفلا غير مبال بملاقاة عملاق، لم يغمرني شعور بالرهبة، ربما لأني كنت مشتاقا لتجاوز تلك الدقائق للحاق بحفلة غنائية للملك محمد منير في نفس اليوم، لكن أعتقد أن جهلي بتاريخ صاحب القميص ناصع البياض والساعة الروليكس الذهبية جعلني أكثر هدوءا.

بعد نقاش واستعراض لتجربتي القصيرة وقتها في المهنة -تدريب بجريدة الوفد- رحلت لأستمع إلى الملك منير، رقصت وقتها كعادتي مع عزف عبد الله حلمي على الناي، ونسيت مقابلتي للأستاذ أو لم أبال بالمقابلة ككل. اعتقدت أنني رُفضت - أشطر وأقدم مني قد رفضوا هيقبلني ليه- انتهت الحفلة وعدت لمنزلي منتشيا بما سمعته لأنام بسعادة كالطفل في حضن أمه.

صباح اليوم التالي استيقظت على مكالمة هاتفية مقتضبة “مبروك الأستاذ عبد الله عاوزك معانا”. لحظة صمت لم أستوعب فيها ماذا رأى في هذا الرجل ليوافق على تعييني، ومع استمرار مشواري واعتيادي للمقابلات المهنية سواء بدافع مني أو رغبة من بعض المؤسسات في الاستعانة بي، لم أنس مقابلة الأستاذ الذي رحل عن دنيانا بعدها بأشهر قليلة لتتحول مسار تجربته بشكل صادم.

رحلت عن “دوت مصر” وبدأت أكثر من مشوار لتجارب صحفية كثيرة كنت دائما مؤمن مع انضمامي لكل مؤسسة بأهمية تحقيق ذاتي وأن أكون مؤثرا في صناعة المختلف لدعم التجربة وترسيخ أسسها، أخفقت أحيانا وأصبت أقل، لكن مع وداعي لأي مؤسسة كان قلبي هو من يطمئنني على مستقبلي، وكأن إيمانه بفلسفة الرزق الإلهي عادل التوزيع يغمز لعقلي بعدم التفكير كثيرا فيما لا يجدي.

منذ أشهر كان وداعي لإحدى المؤسسات الصحفية التي ساهمت في نشأتها مفعما بالفرح. لم أعرف لماذا؟ هل كان الضغط النفسي سببا؟ أم أن منطقة الراحة والسكون جعلتني كارها لاستمراري. عدت لقلبي وفلسفة الرزق وودّعت زملائي وأساتذتي محبا بآمال أن يستمروا في نجاحهم.

تحققت نبوءة فلسفة الرزق بعدها بأيام معدودة في اتصال هاتفي مع الأستاذ سامي عبد الراضي - الذي لم تمر على معرفتي به سوى أشهر معدودة- سألته عن تجربته التي يتهامس بها البعض، رد - بعدما عرف بتركي لمؤسستي- “تعالى نتقابل فورا”.

كاتب صحفي شهير يستقبلك بكل حفاوة في اللقاء الخاص الأول بينكما - احتضنني وكأني أخ له- وإن كانت البداية مبهرة، لكن حديثه عني صدمني وأعادني لنفس الأسئلة التي تطاردني، هل أنا جيد لهذه الدرجة؟ خاصة بعد حديثه.

لن أبالغ إن قلت إن سامي عبد الراضي ذكرني بمقابلتي بالأستاذ عبد الله كمال، الثقة بأنه سيصنع المختلف وسيقود الصحافة بما يليق بالمواطن المصري في جمهورية جديدة وسط مرحلة بناء، رجل دولة وطني قرأته بخبرتي كصحفي سياسي من اللحظة الأولى، حتى اختياراته لقيادات التجربة وكأنها أعمدة منتقاة بعناية سعيا لبناء صرح عملاق.

مقابلة أخرى جعلتني أتمسك أكثر بالتجربة الجدية - كنا قد أسميناها- «تليجراف مصر»، محمد فودة عرفته صديقا وأخا قبل أن يكون رئيسا. هذا الود من الشاب -أشبه برجال الأعمال- المفعم بالثقة والشطارة والحدة والقدر الواعي من الخلاف المتحضر.

لم يكن لدي يوما أخ أكبر أو صديق أقرب إلى قلبي وقت أشد لحظات يأسي وتخبطي.. ربما لطبيعة شخصيتي التي قد يعتبرها البعض غير مبالية أو لحبي لمفهوم الحياة بغض النظر عن الغيبيات “عيش في كل نفس لتسعد فقط”.

سعدت وانضممت إلى «تليجراف مصر»، فعرفت وصادقت زميلي سعيد علي ليقربني أكثر إلى ما في قلبي ويفسر مشاعري تجاه «فودة وعبد الراضي» ولتجربتنا الجديدة التي آمنا بها منذ اللحظة الأولى لمقابلتهم، لا زالت كلماته في أذني «إحنا جامدين وشاطرين وهننجح يا ابني صدقني».

ليس لديّ وعود عن ما سنقدمه أو أفكار عما قد تخبئه الأيام، لكن قلبي وفلسفة عقلي رسمت مقدما طريق «تليجراف مصر»إلى قمة نجاح كان قد كتب لـ«دوت مصر» وزال برحيل الأستاذ.

القلب والفلسفة والعقل معا، وإشارة الله كانت سببا في تواجد «سعيد، بسيوني، هيثم، تامر، عبد الرحمن، الصاوي، الخطيب» كل في مكانه على جبهة “تليجراف مصر”، فخور بتواجدي بينهم جميعا، وجوه تدفعني للإيمان أكثر بنجاح تجربتنا الجديدة مهما كانت صعوبة المنافسة.. أؤمن أن أشهرا وليست سنوات تفصلنا عن التفرد والتميز.

شكوكي وأسئلتي عن الأسباب والاختيارات وأشياء كثيرة قد تستمر في ذهني حتى وفاتي.. لكن يبقى حماسي وحبي وإيماني بأني ولدت لأصنع شيئا مختلفا يثبت وجودي.. وأن الخير واختيار الرب كان سببا في اعتباري جزءا من أحدث مولود في بلاط صاحبة الجلالة وربان سفينتها المستقبلي “تليجراف مصر”.

search