السبت، 05 أكتوبر 2024

05:38 م

حدث في ماونتن فيو .. وقصة "الربوة الهادئة!

سأحكي لكم قصة حزينة، بل قصصاً تمس شريحة مهمة من المصريين، وهم المقيمون في الخارج، وتؤثر سلباً على قطاع مهم تسعى الدولة بكل طاقتها لتحفيزهم على الاستثمار فيه، وهو القطاع العقاري.
غادر صديقي مصر للعمل في الإمارات مثل مئات الآلاف الذين يسافرون بحثاً عن فرص أفضل، وقرر ككل المغتربين شراء شقة سكنية أفضل في بلاده، واختار وحدة في مجمع "كومباوند" واعد في مدينة 6 أكتوبر، يطلق عليه "الربوة الهادئة" يتبع بشكل ما نادي خبراء وزارة العدل.
تعاقد صديقي مع المطور العقاري في عام 2008 وسدّد أقساطه بانتظام حتى أوشك على الانتهاء من سداد كامل ثمن الوحدة مثل نحو 3000 مشتر آخر، وفجأة توقفت عمليات البناء رغم الانتهاء من النسبة الكبرى من مباني الكومباوند، وكان من المفترض أن يتسلم وحدته ويعيش فيها منذ عام 2011 لكن لم يتحقق حلمه، ولم يحظ المشترون بأي نوع من الحماية، وضاعت آمالهم وأموالهم بين جهات حكومية وخاصة لم تلقِ بالاً لمعاناتهم!
ومن الكوميديا السوداء في هذه القصة أن المشترين بهذا المشروع المهجور حالياً، صاروا جيراناً افتراضيين في جروبات واتس آب، وفيسبوك، يتبادلون التهاني والتعازي والهموم والآلام، ومات بعضهم قبل أن يتسلم شقة العمر له أو لأحد أبنائه، ويراودهم الأمل أحياناً في أن يتذكرهم مسؤول أو تنصفهم حكومة، لكن "ناديت إذ أسمعت حياً، ولا حياة لمن تنادي!
 

ولننتقل إلى قصة أخرى أكثر بريقاً، لأنها تتعلق بأحد أشهر المجمعات "الكومباوندات" السكنية في مصر، والتي يستهدف مطورها الأثرياء من المصريين المغتربين، لأن الوحدة فيها تبدأ تقريباً من رقم 10 بالإضافة إلى ستة أصفار أخرى.
شركة "ماونتن فيو" تروّج لنفسها باعتبارها الحلم للراغبين في عالم مثالي خيالي.. ولا أخفيكم قولاً، كثير من المصريين المغتربين تحديداً يعتبرون أن السكن هناك بمثابة مكافأة نهاية غربة، ومن بينهم صديق تلقى اتصالاً تلو الآخر من أحد السماسرة أو مسوقي هذا المشروع الفخم، وعرض عليه ما يعرف بنموذج "آي فيلا". 
فيديو مبهر لفيلا سكنية فخمة ورائعة، بالإضافة إلى نموذج لعدد الطوابق والغرف، فوافق على العرض، وقرر الشراء مباشرة، بل وسدد معظم الأقساط دفعة واحدة حتى يحظى بفرص استلام وتمويل أفضل!
وحين حانت النهاية السعيدة، وتوجه إلى هناك لاستلام فيلته، فوجئ بأن الشركة تقدم له شقة عادية جداً، فأصيب بصدمة بالغة، وقال للموظف ليست هذه الوحدة التي اشتريتها، وكان الرد أكثر سخافة من الموقف “نعتذر لك، لكنك تعرضت للنصب من السمسار الذي باعها إياك، نحن لم ننته بعد من طرح وحدات آي فيلا!!”.
تخيلوا معي أن شخصاً مغترباً ادّخر 12 مليون جنيه، ودفعها لمطور عقاري يفترض أنه أحد الكبار في هذا المجال، وبدلاً من أن يحصل على فيلا حسب تعاقده، قالوا له “معلهش خد شقة المرة دي، وإن شاء الله تكبر معاك وتبقى فيلا!!”.
ليس هو الأول، بل تعرض آخرون لموقف مشابه، منهم صديق تعاقد أيضاً على نموذج من الفيلات، وحين توجه للاستلام، صدم بمساحة الغرف التي لا يتسع أكبرها لسرير رضيع، فضلاً عن تشطيب سيء، وخدمة أسوأ ومعاملة سخيفة!!
يا أخي، سبحان الله حين يتحدثون معك هاتفياً أو عبر الفيديو لتسويق مشروعاتهم السكنية، تشعر أنهم أقرب إليك من أمك، وبعد التعاقد يصبحون مثل زوجة أب لا تطيق زوجها ولا أبنائه من غيرها!!
أعرف عشرات الحالات المشابهة، ومن ثم لا أستغرب عزوف كثير من المصريين في الخارج عن الاستثمار في القطاع العقاري ببلادهم، عكس ما كان يحدث في السنوات السابقة، وهذا بالتأكيد ليس من مصلحة أحد، خصوصاً في ظل اهتمام الدولة بهذا القطاع وإنشاء مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية والجلالة والعلمين وغيرها.
من الضروري تخصيص جهة حكومية تتولى متابعة هذه الحالات، وتوفير ضمانات تحمي المصريين المغتربين من هذا الاحتيال والغش، لأنهم لا يتمتعون برفاهية متابعة المشروع، أو مشاهدته على أرض الواقع، لذا يجب أن تكون الدولة عيناً لهم، فهناك العشرات الذين خسروا جميع مدخراتهم في استثمارات وهمية أو غير مناسبة بسبب عدم خبرتهم بالسوق وإغرائهم بعروض خيالية!
آلية التطوير العقاري، تعتمد على تخصيص الأرض للمطورين، ثم قيامهم ببيع الوحدات سواء فيلات أو شقق أو غيرها مسبقا "أوف بلان"، وتبدأ البناء بمقدم التعاقد الذي سدده المشترون، وهكذا تدور عجلة الاستثمار بشكل سلس، كما يحدث في دبي على سبيل المثال التي توفر حكومتها ضمانات تحمي جميع الأطراف، سواء من خلال دائرة الأراضي والأملاك، أو القضاء الناجز الذي يحسم النزاعات في زمن قياسي بما يحمي اقتصاد الإمارة ويعزز ثقة المستثمرين فيها. 
لكن لا يمكن أن تستمر تلك العجلة في الدوران إذا انعدمت أو ضعفت الثقة في احتمالات استكمال المشروع، أو عدم تنفيذه بالصورة التي عرضها المطور على زبائنه!
أنا شخصياً لا يمكن أن اشتري وحدة سكنية في الهواء الآن، وكلما حدثني أحدهم أقول له بلغة واضحة، حدثني عن مشروع قائم، ومضمون، وإلا لا داعي لاستكمال الحديث.
مصر تحتاج إلى مساهمات أبنائها في الخارج بالقطاع العقاري، وهم يحتاجون إلى فرص حقيقية مضمونة، وهذا لا يمكن أن يتحقق بشكل جيد دون ضمانات حكومية وحماية شاملة تحمي مدخراتهم واستثماراتهم من الضياع!
 

search