الجمعة، 22 نوفمبر 2024

09:10 م

أنا المحامي (2) .. ثروة كبيرة وقضية معقدة!

تملكه اليأس تماماً مدركاً صعوبة تحقيق نتائج إيجابية من دعواه القضائية ضد شريكه في مشروع تأسس على فكرته ومجهوده حتى تحول من مجرد شركة صغيرة إلى مؤسسة تدر ملايين. وبدا شعوره منطقياَ في ظل خلو أوراق التأسيس والعقود والوثائق الرسمية من اسمه، إذ كان شريكاً من الباطن في ظل أنه موظف حكومي، والقانون الإماراتي لا يسمح بتسجيل اسمه في العقد.
تستحق هذه الدعوى أن تدرج ضمن حلقات المسلسل الأمريكي الشهير - المعرّب- "سوتس" فتفاصيلها مثيرة، وتحتاج إلى قدر كبير من الخيال والغوص عميقاً في ملابساتها حتى تجد ثغرة تساعد موكلك. 
القصة بدأت حين قرر صاحبنا مشاركة شخصين آخرين في شركة للاستشارات الصيدلانية على أن تسجل كمؤسسة فردية مملوكة لأحدهم نظراً لأن الآخرين يعملان لدى جهة حكومية، وفضّلا عدم المغامرة بوظيفتيهما والمشاركة رسمياً في مشروع غير مضمون النجاح. 
الشركاء الثلاثة اتفقوا على أن يكون رأسمال الشركة 130 ألف درهم إماراتي، سدد صاحبنا منها 60 ألف درهم من حسابه الشخصي، مقابل حصة 50% من أسهم الشركة، فيما دفع الشريكان الآخران 20 ألف درهم بالتساوي مقابل 25% لكل منهما. 
ولم يكتف موكلنا بسداد مبلغ التأسيس فقط، بل أشرف على سير العمل معتمداً على خبراته في هذا المجال، وأضافوا نشاطاً جديداً للشركة بعد عام واحد، وسارت الأمور على أفضل ما يكون لمدة عشرة سنوات، حتى نمت الأعمال وازدهرت، وقرر ترك وظيفته الحكومية والانضمام رسمياً إلى شركته لشغل المنصب اللائق بنسبته في الشراكة، وكانت الصدمة! فوجئ بأن شريكه الذي سجلت المؤسسة باسمه، استحوذ عليها سراً، بل نقل ملكيتها كلياً إلى زوجته، من خلال عقد شراكة جديد، وخلعه هو والشريك الثالث، بل واكتشف أن المؤسسة تفرعت إلى شركات أخرى، وأن الأرباح التي تحققها أكثر بمراحل من المعلنة، إذ تجاوزت أكثر من 30 مليون درهم إماراتي.. يأتي الشخص إلى المحامي عادة حاملاً هموماً وآمالاً كبيرة، مثل الغريق الذي يتعلق بعود من القش، وفي الحالة التي نتحدث عنها، رجل ساهم بـ 60 ألف درهم، وصار من حقه عملياً الحصول على 15 مليون درهم، لكن كيف يثبت ذلك، وعلى أي أساس يمكن الحكم لصالحه في ظل خلو كل الأوراق من اسمه وهو والشريك الآخر؟ 
بالعودة مجدداً إلى مسلسل "سوتس" وهو من الأعمال الرائعة التي تجسد نمطاً مختلفاً من أعمال المحاماة، وهو محامي الشركات أو القضايا المالية، بما يتمتع به من أناقة بالغة تناسب حجم الأعمال التي يمارسها، وتمثل ركناً أصيلاً من مهنته، إذ يتحتم عليه أن يكون نداً لقاصديه من كبار رجال الأعمال، لأنه في نهاية الأمر يجب أن يقدر جيداً بالنظر إلى ما يحققه من مكاسب لهم.. لا شك أن هناك قدراً كبيراً من الخيال في أحداث المسلسل، لكن ما لا يدركه كثيرون أن هذا مطلوب في الواقع، حتى لو كانت القضية تعتمد كلياً على تحليل الأرقام، وقراءة مؤشرات وإحصاءات، فهناك ثغرة ما يجب أن يفطن إليها المحامي، يستطيع من خلالها استعادة حقوق موكله، ويعتمد ذلك على قدر خياله وإبداعه.
وفي الدعوى المهمة التي نناقشها في مقالنا، كان هناك غش واضح من قبل الشريك الثالث، وعملية اختلاس متقنة لحصص شريكيه اللذين تم محوهما كلياً من ملفات الشركة الجديدة.. عكفت مع فريق العمل على إثبات ما يطلق عليه قانوناً "شراكة الواقع" وهو مسار قانوني معقد، لكن عملنا عليه بدأب من خلال إثبات التحويل البنكي لمبلغ التأسيس 60 ألف درهم، إضافة إلى المراسلات التي كانت تجري بينهم بشكل ثابت على مدار سنوات إلى أن قرر شريكهما الانقلاب عليهما. 
دون الدخول في تفاصيل قانونية يصعب على القارئ استيعابها، حسمت المحكمة الدعوى لصالح موكلنا وقضت له بـ 15 مليون درهم، مؤيدة شراكة الواقع، كما حكمت للشريك الثاني بسبعة ملايين درهم، وأثبتت شراكته واقعياً بالمؤسسة، ليحصلا بذلك على تعويض ضخم يتناسب بالتأكيد مع حجم مساهمتها في الشركة، لكنها تظل من القضايا المثيرة لوجدان وحماسة المحامي نظراً لتفاصيلها المعقدة، والعمل بدأب لتحديد المسار الذي يجب أن نسلكه.. ورغم الحصول على حكم نهائي لصالحه بهذا التعويض الخيالي، إلا أن موقفه كان صادماً بعد ذلك، وهذا ما سوف نناقشه سوياً في مقال لاحق عن اللحظات السعيدة والصعبة في حياة المحامي..

search