الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:32 م

عادل إمام.. خريج "زراعة" لم يشاهد في حياته شجرة مكرونة!

عادل إمام

عادل إمام

طفل مشاغب، اتهمه العيال في المدرسة بهدم السور، رسب في الثانوية العامة مرتين، ونجح في الثالثة بدعاء الوالدين، درس في كلية الزراعة، ولم يشاهد في حياته شجرة مكرونة، ودسوقي أفندي سبب شهرته. 

اسمه بالكامل عادل محمد إمام محمد بخاريني، وإذا كنت تسأل عن "بخاريني" عادل إمام نفسه لم يكن يعرف معناها، وقال في حوار تلفزيوني مع مفيد فوزي: "ماعرفش ومايهمنيش أعرف أنا قرأتها كدا وخلاص".

لكن الكلمة استهوت طارق قطب، أستاذ علم الأجناس، وظل يبحث عنها، حتى اكتشف أن أصلها “بخارى” موطن الإمام البخاري، ومن المنصورة بقرية “شها”، نزح والده إلى القاهرة بحكم عمله كصول في مصلحة السجون بوزارة الداخلية مع زوجته (والدة عادل إمام).

عادل إمام مع والديه

سكن والده بجوار السيدة عائشة، وعاش حياة فقيرة وظروفًا صعبة، وفي ذلك الحي الشعبي وتلك الأوضاع ولد عادل إمام في 17 مايو عام 1940 بين الربيع والصيف في رياح الخماسين، وقت أن كانت سينما "كوزموس" تعرض فيلم "خلف الحبايب" الذي ظهر فيه إسماعيل ياسين لأول مرة، وفي أول ظهور لفاتن حمامة على الشاشة في دور أنيسة أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب في فيلم "يوم سعيد". 

عادل هو الابن البكري لوالده، لكنه غير متأكد كيف استقبله والده.. يقول "والله مش عارف، إذا كان أبويا استقبلني بفرحة أول طفل يخلفه، ولا بالشلاليت التي تعودت عليها منه".

البيت القديم للزعيم عادل إمام

في يوم من الأيام فوجئ عادل إمام بسريره على ظهر عربة “كارو” يجرها حصان عجوز، جرى إلى أمه يسألها، فأخبرته بأن صاحبة البيت باعته، والمشتري سوف يهدمه، ويشيد بدلًا منه عمارة، وأنهم ينقلون “عِزالهم” إلى الحلمية.

لحظات قاسية ظلت عالقة في ذهن عادل إمام، وجعلته حريصًا بمجرد أن توفر لديه المال على أن يمتلك عددًا من العقارات السكنية، حتى يوّفر لأولاده الستر، ويحميهم من البهدلة.

عادل إمام في مشهد من أحد أفلامه

بعدها بأيام رجع عادل إلى البيت القديم، راقبهم وهم يهدمونه، وكل حجر يسقط، كأنه يسقط فوق رأسه، وهو يتألم ويبكي، وفي الحلمية انشغل إمام بلعب كرة القدم مع العيال في شارع الخليفة، ليصبح تحت رحمة "صاحب الكورة" الذي لا يمتلك أي مهارة، ومع ذلك ظل حريصًا ألا يغضبه أبدًا، حتى لا يأخذ الكرة ويمشي!

لم تكن الكرة وحدها الشيء الوحيد الذي تمنى عادل إمام أن يشتريه، كان محرومًا من كل أنواع الحلوى، وفي المدرسة ظل مثار سخرية زملائه لأنه يرتدي بنطلون بيجاما تحت المريلة، وإن كان في الوقت نفسه مصدر بهجتهم.. نظرة منه، أو حركة صغيرة، توقعهم في الضحك وعلى طول "مرفود"، ومتهم في أي مصيبة تحدث في مدرسة "بنبا قادن" القريبة من حي السيدة زينب.

ذات يوم، انهار جزء من سور المدرسة لأنها قديمة، وحدث هلع وخوف، والعيال تجري في الحوش وتصرخ: عادل إمام وقع السور! والغريب أن عادل يومها كان يرقد مريضًا في البيت، والأغرب أنه صدقهم.

عادل إمام.. شقاوة مبكرة 

في طفولته، كان عادل محترف مقالب، يقف وسط الشارع ويدّعي أنه أعمى، والناس تأخذ بيده،  يحفر حفرة ويغطيها، والمارة يسقطون فيها، يخبئ صاحبه في قفة، ويطلب مساعدته في رفعها،  ويربط جلاليب الدراويش في مولد الرفاعي فيتكومون على الأرض.

يسرق البطيخ والتين من الفكهانية، ويقترض قرشًا من عم سيد الفكهاني، وحين يسأله عنه في اليوم التالي، يقول له بعدين، شقاوة بمثابة "تنفيسة" بسبب معاملة والده القاسية، التي كانت مصدر رعب بالنسبة له.

بمجرد أن يسمع صوت عادل يصل إلى أذنيه، يذهب إليه ويوبخه، ويضربه بـ"الأقلام والشلاليت"، إلى أن تتدخل والدته وتقول له "كفاية يا حاج.. الواد حيسورق"، لكن والده يستمر في الضرب وفين يوجعك.

في المقابل، كان خاله ملاكه الحارس، الذي ينقذه من يدي والده، ويجد لديه ما يحتاج إليه من مال ودفء وحنان، وساءت الظروف عندما تزوج خاله الذي كان يساعدهم في مصروف البيت.

يقول عادل "في الفترة دي حسيت بالعجز والإحباط، وفهمت يعني إيه أهمية يبقى في إيدك فلوس، كنت مشهور ومعروف وسط أصحابي.. عادل راح.. عادل جه.. نفسي أعزمهم مرة على حاجة.. وأكون قد الصورة اللي حطوني فيها.. لكن العين بصيرة والإيد قصيرة".

ورغم الفقر والألم والذكريات الصعبة، فإن عادل إمام عندما يتكلم عنها يقول "عشت طفولة مصرية، زيي زي ملايين غيري، لأن الفقر والإمكانيات المعدومة، كانت يتدفعني لتجاوز الصعوبات وتحقيق الأحلام، عشان مافضلش في نفس الحال، ودا خلاني أنضج بسرعة، وأكون راجل وأنا يدوب عندي 10 سنين".

حكاية شجرة المكرونة مع الزعيم

كان والده يتمنى أن يصبح ابنه طبيبًا أو مهندسًا، إلا أن عادل لم يكن يحب الرياضيات، ولا العلوم، رسب سنتين في الثانوية العامة، ليتخذ والده قرارًا بأن يخرجه من المدرسة، ويلحقه بالعمل في ورشة، لتنقلب والدته من الهدوء إلى الغضب وترفع صوتها للمرة الأولى، كما تدخل خاله أيضًا ليحصل في النهاية على فرصة ثالثة.

عادل إمام

وبدعاء الوالدين نجح عادل في الثانوية، وبسبب مجموعه وجد نفسه في كلية الزراعة، في وقت لم يشاهد في حياته شجرة مكرونة لأنه كان يعتقد أن المكرونة أشجار تُزرع!

دسوقي أفندي

على مسرح كلية الزراعة وجد عادل نفسه، وشق طريقه إلى الكوميديا عندما اختاره عبد المنعم مدبولي لدور دسوقي أفندي في مسرحية "أنا وهو وهي" ليصبح أشهر كوميديان في الوطن العربي.

أعجب ما في قصة عادل إمام أنه لم يفكر يوما في أن يصبح ممثلًا، وكان يخاف من أن يعلم والده بأنه انضم إلى مسرح المدرسة، نجاحه في شخصية دسوقي أفندي، كان بطاقة تعارف بينه وبين الجمهور شارك بعدها في 30 فيلمًا، إلى أن وصل لمحطة “مدرسة المشاغبين” ولمع نجمه، وبعدها بعامين حصل على بطولة فيلم "البحث عن فضيحة" أمام ميرفت أمين سنة 1973، ومن يومها لم تفارقه البطولة طيلة مشواره.

قدم خلال مسيرته الفنية 125 فيلمًا، و16 مسلسلا و11 مسرحية، ومسلسلًا إذاعيًا واحدًا، وحصل على العديد من التكريمات والجوائز، وتم اختياره سفيرًا للأمم المتحدة للنوايا الحسنة.

عادل إمام والشائعات

نجاحه على مدار أكثر من 50 سنة، وتربعه على القمة جعله هدفًا مباشرًا للشائعات، منها مثلًا أنه قدّم رشوة لقاضي فيلم “الأفوكاتو”، بعد ما فوجئ بـ 150 محاميًا يرفعون دعاوى قضائية، بسبب اعتراضهم على شخصية "حسن سبانخ"، وصدر الحكم في القضية بحبسه مع الشغل، وكفالة عشرة آلاف جنيه مع وقف تنفيذ الحكم.

الزعيم عادل إمام

ومنها أنه يطعم كلبه من أفخر المطاعم، رغم إن "ماعندوش كلب"، وأنه يعمل مرشدًا للداخلية وهذه الإشاعة دي رد عليها قائلًا "كلام فارغ، أنا بشتغل لحساب مصر، وضد كل اللي بيكفروا الفن،  واللي حصل إن وجهة نظري تلاقت مع وجهة نظر الداخلية، في قضية وطنية زي الإرهاب.

وخرجت إشاعة قوية تقول إنه تحوّل إلى الديانة المسيحية، بعد هجوم الشيخ كشك عليه بسبب سلسلة أفلامه التي حارب بها التطرف، وأخيرًا شائعة وفاته التي تتكرر كل فترة، ما يضطره إلى أن ينفيها بنفسه، أو عن طريق أولاده وشقيقه.

search