الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:39 ص

"لم يضحك أبدًا".. سر تجاهل عادل إمام لوالده في أعماله الفنية

عادل إمام في مشهد من فيلم "الحريف"

عادل إمام في مشهد من فيلم "الحريف"

لم يكن والد عادل إمام في حاجة إلى سبب ليضربه، بمجرد أن يسمع صوته، ينهال عليه بالصفع والركل، ما جعله يفكر في الهرب إلى الصعيد، وهو ما يزال طفلًا صغيرًا.. قسوة مفرطة، حرّضت عادل على أن ينتقم من والده ويقتله في أعماله الفنية. 

من “شها” بمحافظة المنصورة انتقل والد عادل إمام، الصول بمصلحة السجون إلى القاهرة، مع أمه الفلاحة البسيطة غير المتعلمة، ليسكن في شقة إيجار بمنطقة “السيدة عائشة”، ويعيش حياة شعبية فقيرة.

عادل إمام في صورة نادرة مع والده

سي السيد

أبٌ من جيل "سي السيد" كما يقول عادل إمام، الحاكم بأمره في البيت، إذا ابتسم فهو حدث نادر، ولم يكن يضحك أبدًا، عكس جده الذي ظل في "شها".

كان جده بقالًا، يلتف حوله الناس، صاحب نكتة، و"قافية"، وضحكته لها رنة معدية، تُغرق الحاضرين في "السخسخة"، وهم يتبادلون معه القفشات، ويستمعون إلى سخريته اللاذعة، في الوقت الذي يحافظ والده على هيبته ووقاره.

فتح عادل إمام عينيه على قسوة والده الذي كان لا يتوقف عن صفعه وركله، بمجرد أن يسمع صوته، وحين يطلب منه عادل شيئًا ولو صغيرًا يرد عليه بقوله "أنا بعت اللي عندي، وأمك باعت اللي عندها عشان نربيك ونعلمك، إحنا هنقطّع نفسنا يعني يا سعادة البيه؟ ذاكر وبطّل طلبات".

عادل إمام 

علقة موت

يحكي عادل أنه كان ذات يوم يلعب الكرة، بعد المدرسة، واكتشف أن حقيبته ضاعت، وبحث عنها في كل مكان، ولم يجدها، فاسودت الدنيا في عينيه، وفكّر في الهرب إلى الصعيد حتى لا يواجه والده، وبينما هو في الشارع "يشوط" الطوب وغارق في اليأس، فوجئ بوالده أمامه يسأله "بتعمل إيه هنا وجاي منين وفين شنطتك؟"، قبل أن يأخذه إلى البيت، لتنتهي القصة بـ"علقة موت" احتلت مساحة كبيرة من ذاكرته.

ورغم الفقر والألم والذكريات الصعبة، فإن عادل إمام لا يصف طفولته أبدًا بـ"المعذّبة"، بل على العكس، يقول "عشت طفولة مصرية، زيي زي ملايين غيري، لأن الفقر والإمكانيات المعدومة،  كانت بتدفعني لتجاوز الصعوبات، وتحقيق الأحلام، عشان مافضلش في نفس الحال، ودا خلاني أنضج بسرعة، وأكون راجل وأنا يدوب عندي 10 سنين".

الأب البديل

كان لا بُد من توازن أمام قسوة الأب المفرطة، وهو الدور الذي لعبه خاله في حياته، بتدخلات في الوقت المناسب، تنقذ عادل، وتوقف والده، لم يكن الأب يخالف خاله أبدًا، ويطيع ما يؤمر به، لغز حير عادل، وعثر على تفسيره حين علم أن الخال يساعدهم ماليًا.

لجأ عادل إلى خاله بوصفه الأب البديل الذي يتمناه، لأنه يمنحه فرصة المناقشة، ويطرح أمامه أفكارًا، شكّلت وجدانه في الصِبا والمراهقة. يصف عادل خاله بقوله "كان يملك قلق الفنانين وحيرة المثقفين وتلقائية البسطاء".   

قتل الأب

تغّيب الأب عن أغلب أفلام عادل إمام، وإن ظهر في بعضها نزع عنه القداسة، وأظهره ضعيفًا مثل عبد السلام محمد في "حنفي الأبهة"، أو قليل الحيلة مثل إبراهيم قدري في "الحريف"، أو يتعامل معه معاملة الند كما فعل مع فريد شوقي في "رجل فقد عقله"، أو يكون على خلاف وشجار دائم معه مثلما حدث مع توفيق الدقن في فيلم "على باب الوزير"، بينما الاستثناء الوحيد جاء في فيلم "ولا من شاف ولا من دري" حيث ظهر إبراهيم الشامي في صورة أب أقرب إلى الواقع.

مشهد من فيلم “الحريف” 

أما على خشبة المسرح فقد اختفى الأب تمامًا في أعماله المسرحية، باستثناء ظهور يكاد يكون وحيدًا، ومشوهًا من خلال "مدرسة المشاغبين"، حيث جسّد نظيم شعراوي، دور أب غني لا يدري شيئًا عن ابنه، ولا يهتم بمستقبله.

صورة طبق الأصل

في المقابل، احتفى عادل إمام بوالدته في أعماله، اختارها لتكون أشبه بأمه في الواقع، سيدة غير متعلمة، شعبية، تفيض بالحنان والصدق (أمينة رزق في فيلم “المولد”)، وتمتلئ بالمرح، وخفة الدم (هانم محمد في “بخيت وعديلة”).

عزاء والده

في عزاء والده كان عادل إمام يقف مع صديقي عمره صلاح السعدني وسعيد صالح، بينما كان شقيقه عصام وزوج أخته الفنان الراحل مصطفى متولي يستقبلان الناس في مدخل العزاء، والمقرئ مستمر في التلاوة لا يتوقف ليلتقط المعزين الأنفاس ويتبادلون الحديث!

مع صلاح السعدني وسعيد صالح

المصالحة 

كان والد عادل إمام يخجل من عمل ابنه كممثل، إلى أن سأله ضابط برتبة لواء شرطة وهو في العمل إن كان عادل إمام ابنه؟ وتردد عم إمام قبل أن يقول "نعم"، ولم يصدّق الفرحة التي ظهرت على وجه الضابط، وهو يتحدث عن عادل وأعماله، ليعود الأب إلى البيت ويقص الحكاية أكثر من مرة، وهو يشعر بالفخر تجاه عادل.

يقول عادل إمام “في ذلك اليوم تمسكت بالفن، لأنه كان سببا مهمًا في تحقيق مصالحة نفسية مع والدي، وقرّب المسافات بيننا”.

search