الخميس، 21 نوفمبر 2024

05:25 م

صلاح أم النني.. مين أمه دعياله أكتر؟

موجة من السخرية اللاذعة صاحبت إعلان رحيل لاعبنا محمد النني عن صفوف نادي أرسنال الانجليزي من قبل الجماهير المصرية التي يفترض أن تسانده وتدعمه باعتباره على أقل تقدير نموذجاً "ناجحاً" كونه يلعب في أحد أبرز أندية كرة القدم في العالم، فما السبب؟
 

حالة "النني" فريدة من نوعها وتستحق التأمل والدراسة، وكعادتي معكم، لن نتبنى موقفاً مدافعاً أو مهاجماً، بقدر محاولة فهم الأسباب، فهو في نهاية الأمر شاب مصري هاجر واجتهد ونجح نظرياً على ما يبدو، فلماذا يبلغ حب المصريين لمحمد صلاح درجة الهوس، فيما لم ينل النني نصيباً يذكر، رغم ان كليهما أساسيان في منتخب مصر؟!
والسؤال الأكثر تعقيداً من وجهة نظري، هل تتمنى أن يسلك ابنك مسار النني؟
وهو سؤال مضلل بكل تأكيد، فالدراج لدى غالبية المصريين أن النني هو الأكثر حظاً بين كل أقرانه، رغم أنه لم يقدم طوال تاريخه ما يبرر النقلة العملاقة في مسيرته الكروية.
 

كما نعرف جميعاً، لقد استغنى النادي الأهلي عن النني في مرحلة الناشئين، لينتقل إلى صفوف نادي المقاولين العرب، ولم يكن ذاك اللاعب الفذ اللافت للأنظار، لذا لم تتعرض إدارة الأهلي للوم على استغنائها عنه في أي من مراحل مسيرته الكروية.
وحين انتقل محمد صلاح إلى بازل السويسري، حاولت إدارة المقاولون العرب تسويق زميله، لكن لم يكن بازل متحمساً لهذه الدرجة، وربط انتقاله بخروج لاعب آخر من عنده، - بحسب شهادة رئيس نادي المقاولين العرب الذي عقد الصفة- مشيراً إلى أنه أبلغ اللاعب بذلك، لكن طلب منه النني التوسط لإنهاء الصفقة، فتحدث مع إدارة بازل واقنعهم بأن وجوده مهم لصلاح، إذ سوف يساعده على التأقلم وسيفيدان بعضهما داخل الملعب.
 

خلاصة القول وحسبما نفهم من الرجل، أن المقاولون العرب باع صلاح والنني “كومبو”.. "اشتري صلاح وعليه النني"..
المقللون من قيمة النني تجاهلوا حقيقة مهمة في مسيرته، وهي أنه كان لاعباً أساسياً في فريق بازل الأول إذ لعب 142 مباراة في ثلاثة مواسم، وحصد بطول الدوري ثلاث مرات، ليخطف أنظار مدرب لا يمكن الاختلاف على مكانته وهو الفرنسي أرسن فنجر المدير الفني التاريخي لأرسنال، وهنا يجب أن نقر بأن اللاعب يتمتع بإمكانيات جيدة استحق عليها الانضمام للنادي الانجليزي العريق، فماذا حدث بعد ذلك؟!
 

النني انضم للأرسنال عام 2016 واستمر ثمانية مواسم كاملة خرج خلالها عام على سبيل الإعارة إلى نادي بشتكاش التركي، لكن إجمالي أرقامه مخيبة للآمال، فقد لعب 161 مباراة فقط طوال تلك الفترة، سجل خلالها ستة أهداف وصنع عشرة ففقط، ومع ذلك لم يستغن عنه النادي طوال تلك الفترة، رغم قناعة غالبية النقاد والمشجعين سواء في انجلترا أو مصر على أنه أقل من أن يرتدي قميص الفريق، لدرجة أنه لم يلعب سوى ثلاث مباريات فقط في الموسم الماضي!
وهنا نصل إلى جوهر هذا المقال، هل أخطأ اللاعب بالبقاء في "منطقة الراحة" THE COMFORT ZONE؟
 

وهذه معضلة كبيرة لا تتعلق بالنني فقط، لكنها تمسنا جميعاً، فعن تجربة شخصية، يموت الشغف والإبداع داخلنا حين نتحول إلى مجرد موظفين قانعين راضين بما نحصل عليه لمجرد استسلامنا للشعور بالراحة والأمان.
شتان بين تجربة النني ومحمد صلاح، فالأول شعر بأنه حقق مرداه بمجرد انتقاله إلى الأرسنال، فيما لم يستسلم صلاح لهذا الشعور المضلل حين انتقل إلى تشيلسي وجمده المغرور جوزيه مورينيو، ولم يتقزم أمام اسم ناديه الكبير، وقرر الرحيل إلى نادي أقل في الإمكانيات والمكانة هو فيورنتينا الإيطالي، ليعيد اكتشاف نفسه، ويرتقي أولى درجات سلم المجد، ومنه إلى روما ثم محطته التاريخية ليفربول العظيم، ليغني أهل هذه المدينة باسمه، ويتوج ملكاً على المملكة العظمى.
من يقول إن صلاح الأكثر حظاً وأن دعوة أمة نافذة إلى عنان السماء، فإنه يقلل من قيمة عطاء صلاح، فلا شك أنه مشمول برضى أمه ودعائها، لكنه نموذج للشاب المكافح الذكي، الذي شق طريقه في الصخر بنفسه وطور إمكانياته الثقافية والعقلية والرياضية، ما ساعده لأن يكون أحد أساطير العالم..
الفرق بين النني وصلاح، أن الأول استسلم لمنطقة الراحة، وسيطر عليه شعور بالهلع إذا خرج من بحر الأرسنال، راضياً بأن يكون مجرد سمكة صغير لا تكاد ترى، فيما أن صلاح تمرد وثار، فانفجرت إمكانياته وإبداعاته، وصار الحاكم بأمره وليس المحكوم بسلطة ناد أو سطوة مدرب، حتى جاء الوقت الذي رفض فيه عرضاً مالياً خرافياً من الدوري السعودي يسيل لُعاب دول وليس أفراد..
ربما يكون النني محظوظاً ببقائه في نادي مثل الأرسنال طوال هذا الوقت، لكنه ليس النموذج المفضل أو الحلم الذي يداعب آمال  اللاعبين الصغار أو ذويهم، فمن الممكن أن تكون إنسان لطيف وخفيف وكيوت وداعم لزملائك في غرفة خلع الملابس، وملتزم دينيا، دون أن تهمش دورك الأساسي، كلاعب كرة في حالة النني..
لا شك أن صلاح سطر اسمه بحروف من نور في تاريخ كرة القدم المصرية والعالمية، فيما أعتقد أنهم سيكتبون عن النني - لو كتبوا- أنه مر من هنا!!

search