الخميس، 21 نوفمبر 2024

09:57 م

26 شهرا من التشديد النقدي.. حرب شرسة بين "المركزي" والتضخم

البنك المركزي المصري - أرشيفية

البنك المركزي المصري - أرشيفية

حسن راشد

A A

1900 نقطة أساس هي قيمة زيادات أسعار الفائدة التي أقرها المركزي على مدار أكثر من عامين، في إطار خطته لكبح جماح التضخم المتصاعد.

وبنهاية الشهر الجاري يكون قد مر 26 شهرًا على سياسة التشديد النقدي “رفع الفائدة” للمركزي، لتستقر عند أعلى مستوى في تاريخ مصر 27.25% و28.25% للإيداع والإقراض، على التوالي.

المركزي والتضخم

منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016، خاض البنك المركزي نوبات شد وجذب مع التضخم العنيد، على مدار السنوات التالية للقرار، انتهت على الأغلب بانتصار المركزي والعودة بمعدلات التضخم إلى المستويات المستهدفة وربما أقل.

مع التعويم الأول للعملة في 2016 للوصول إلى قيمة عادلة للجنيه، وضع المركزي سعرًا استرشاديًا عند 13 جنيهاً مقارنة بـ8.88 جنيه، ما دفع التضخم إلى أعلى مستوى في تاريخ مصر آنذاك عند مستوى 35.2% في يوليو 2017، تزامنًا مع مواصلة العملة الانخفاض لتصل إلى 19.60 جنيهًا للدولار الواحد. 

ومع ذلك تمكنت الحكومة والبنك المركزي من السيطرة على السوق السوداء للعملة وتوجيه صفعة للمضاربين، لتنتهي الأزمة بعودة الدولار إلى مستوى 15.77 جنيهًا بحلول 2022.

تمكن البنك المركزي من النزول بمعدل التضخم من مستوى 34.2% في منتصف عام 2017 إلى 19.86% بنهاية العام، وواصل التضخم تراجعه إلى 7% في المتوسط بالربع الثالث من 2019، ووصل إلى مستوى 4.9% في فبراير من العام 2020.

بوادر الأزمة

مع بداية 2021، بدأت بوادر أزمة التضخم في الظهور مرة أخرى، حيث تسارعت أسعار المستهلكين بشكل كبير، مع بدء تلقي دول العالم لقاحات ضد فيروس كورونا، وبدء عودة الأسواق العالمية تدريجيًا، وارتفاع الطلب الاستهلاكي.

وفي مارس 2021، بلغ معدل التضخم 4.5% ارتفاعًا من 4.3% في يناير، وواصل تسارعه ليصل إلى 5.9% في ديسمبر من نفس العام، في ظل ظهور أزمة سلاسل الإمدادات، بسبب ارتفاع الطلب العالمي على السلع، ما دفع المصانع للعمل بطاقاتها القصوى، رغم نقص العمالة.

كان المركزي يظن أن الأمر عارض وسيعود إلى معدله الطبيعي سريعًا؛ إلا أنه بحلول فبراير 2022 اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في ارتفاع أسعار الشحن والطاقة والغاز الطبيعي، ليصل التضخم إلى أغلب دول العالم.

في 2022، تأثر العالم بتداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب الأوكرانية، التي أحدثت صدمة في معدلات التبادل التجاري، ليضرب التضخم أقوى اقتصادات العالم، حيث سجل الاتحاد الأوروبي أعلى مستوى للتضخم في تاريخه عند 4.9% خلال شهر نوفمبر 2022، ووصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 1082 في الولايات المتحدة عند نحو 6.8%، ووصل في ألمانيا إلى مستوى هو الأعلى منذ 1992 مسجلًا 5.2%، وفي المملكة المتحدة سجل 5.1% وهو أعلى معدل في 10 سنوات.

الحال في مصر كان أشد ألمًا مع هروب نحو 22 مليار دولار أموال ساخنة لدى البنك المركزي، ما تسبب في شح شديد في العملات الأجنبية، ما انعكس على أسعار مختلف السلع والمنتجات.

خفض قيمة العملة

مع سلسلة الأزمات التي ضربت اقتصادات العالم، بجانب استمرار الحكومة في الإنفاق الضخم على المشاريع القومية، اضطر البنك المركزي لتنفيذ إصلاحات اقتصادية جديدة، في ظل شح العملة الأجنبية، حيث خفض قيمة العملة 4 مرات خلال عامين، لتفقد أكثر من 192% من قيمتها.

في مارس 2022، تراجعت العملة المحلية من مستويات 15.77 إلى 19.70 جنيه للدولار الواحد، منخفضًا بنحو 25%، وكان التعويم الثاني في أكتوبر 2022، لتهبط إلى 24.7 للدولار، بتراجع بنحو 25.4%، أما التعويم الثالث الذي حدث في يناير 2023، شهد انخفاضًا العملة إلى 30.93 للدولار، لتفقد 30% من قيمتها دفعة واحدة، وأخرها في مارس 2024، لتصل العملة الأمريكية إلى نحو 48 جنيهًا في المتوسط.

التشديد النقدي

في 21 مارس 2022، عقد البنك المركزي اجتماعًا استثنائيًا، شهد خفض قيمة العملة ورفع الفائدة بقيمة 100 نقطة أساس، إلى 9.25% و10.25% للإيداع والإقراض، على التوالي. وفي 19 مايو، تم تشديد السياسة النقدية بقيمة 200 نقطة أساس إلى 11.25% و12.25%.

ولم تفلح سياسة المركزي في السيطرة على التضخم، الذي تضاعف إلى 19% في أكتوبر 2022، ليعقد المركزي اجتماعًا استثنائيًا يوم 27، شهد رفع الفائدة 2% إلى 13.25% للإيداع و14.25% للإقراض، مع خفض قيمة العملة بسبب تماسك السوق السوداء، واستمرت سياسة التشديد النقدي خلال اجتماع 22 ديسمبر، حيث تم رفع الفائدة 3% إلى 16.25% و17.25%.

ومع ذلك، لم تفلح السياسة النقدية المتشددة في كبح جماح التضخم الذي وصل أعلى مستوياته في فبراير 2023، حيث سجل 40.3%، ما دفع المركزي لرفع الفائدة مرة أخرى في 30 مارس بقيمة 200 نقطة أساس، إلى 18.25% و19.25%.

وفي يونيو 2023، سجل التضخم رقم قياسي جديد عند 41%، ليتم تشديد السياسة النقدية في 3 أغسطس، بنسبة 1% إلى 19.25% و20.25%، وأبقى المركزي على الفائدة دون تغيير حتى أول اجتماعات 2024 في 1 فبراير، الذي شهد زيادة الفائدة بنسبة 2% إلى 21.25% و22.25%.

وفي 6 مارس 2024، عقد المركزي اجتماعًا استثنائيًا، شهد رفع الفائدة بنسبة 6% دفعة واحدة، لتسجل 27.25% و28.25%، بالإضافة إلى خفض قيمة العملة مرة أخرى.

ونجحت جهود المركزي والحكومة في ترويض التضخم إلى مستويات الـ30%، ليسجل في أبريل 2024 معدل 31.8%، لكنه ما زال بعيدًا عن المستهدف 7%.

وتوقع بنك “جولدمان ساكس”، انخفاض معدل التضخم في مصر إلى 22% على أساس سنوي مع نهاية 2024، فيما يقدر صندوق النقد الدولي، أن يبلغ المتوسط السنوي للتضخم إلى 32.5% في العام الحالي، على أن يتراجع ليسجل 25.7% في 2025.

search