السبت، 05 أكتوبر 2024

11:03 ص

خطيئة "سي إن إن" عن مصر.. "المصادر المُطلعة" تكذب ولا تتجمل

معبر رفح - أرشيفية

معبر رفح - أرشيفية

"إجراء مفاجئ من المخابرات المصرية خلال المفاوضات بشأن غزة، أغضب إسرائيل وأمريكا وقطر"، عنوان كبير لتقرير صحفي لشبكة "سي إن إن" يحمل تفاصيل عديدة واتهامات كثيرة للإدارة المصرية بشأن مفاوضات إيقاف الحرب وإعلان الهدنة بين المقاومة الفلسطينية وقوات جيش الاحتلال، فما حقيقة المعلومات وما الغرض منها؟

استهل تقرير "سي إن إن" معلوماته بنسبها إلى 3 مصادر مطلعة على مفاوضات إطلاق النار، لم يسمها ولم يحدد هويتها ما إذا كانت مصرية أم إسرائيلية أم أمريكية أم قطرية.

اكتفى بوصفها "مطلعة" دون تحديد مساحة الاطلاع والمسؤولية والجهة التابع لها التي تسمح لها بالاطلاع على مفاوضات "استخباراتية" تحيط السرية بها من كل الجوانب والاتجاهات، وما يعلن منها أقل بكثير مما يخفى ويبقى طي الغرف المغلقة.

المصادر المجهولة زعمت أن المخابرات العامة المصرية غيّرت في بنود مقترح وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وسلمت حماس مقترحًا غير الذي سلمته لإسرائيل، ما أدى إلى "إفشال" الوصول إلى اتفاق هدنة وتحديد مسار لإنهاء القتال في قطاع غزة والأراضي المحتلة.

الحدود مع الاحتلال

"تم خداعنا"، تلك الجملة نسبها التقرير إلى مصدر مجهول، فلم يوضح من المقصود بأنه تم خداعه، مشيرًا في الوقت ذاته إلى موجة غضب واتهامات متبادلة بين المسؤولين في أمريكا وقطر وإسرائيل، بسبب ما فعلته مصر.

مصادر "سي إن إن" المجهلة، أكدت إن مصر سلمت مقترحين مغايرين لحماس وإسرائيل، بل وأشارت إلى أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية  ويليام بيرنز، كان يقود جهود التوصل لاتفاق، وفي الوقت ذاته فوجئ بتغيير الاتفاق المسلم إلى حماس وإسرائيل وانفجر غضبًا.

ما نسيته "المصادر المجهولة"

نست تلك المصادر "المجهولة" أمرًا مهمًا، وهو أن بيرنز عمل وسيطًا مثل مصر في تلك المفاوضات وحضر اجتماعات عدة، وناقش كل المقترحات، وتم كتابة المسودة "الوحيدة" أمامه وبحضوره وبقيادته مساحة التفاوض مع إسرائيل ومناقشة شروط حماس، أي أن مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي "تفاجأ" بالتغييرات المزعومة، كان من الأساس أحد واضعي المسودة وقائدي التفاوض، ما يدحض تلك المزاعم بشكل كامل ويكشف كذبها المطلق.

التقرير أشار إلى أن مصر "مسؤولة" عن تعطيل التوصل لاتفاق للهدنة التي كانت قاب قوسين أو أدنى، بوساطة مصرية قطرية أمريكية، عبر تغيير بنود الهدنة في نسختين مختلفتين، فما هي تفاصيل تلك النسختين، ولماذا لم تكشف "المصادر المطلعة المجهولة"، ما هو مختلف عليه وما أدى إلى إفساد المفاوضات، وما هي النقاط الجدلية التي أغضبت وفاجأت أمريكا وإسرائيل وقطر مجتمعين، وهم شركاء أصليون في عمليات الاتصال الاستخباراتي والسياسي مع طرفي المعركة؟

الغريب أيضًا هو ما نسب إلى "المصادر المجهولة" والذي يُلمح إلى اقتراب التوصل لاتفاق والتوقيع عليه، وهو الأمر الذي أفسدته مصر، فبالعودة قليلًا إلى الوراء بضعة أسابيع، نجد أن مصر لم تعلن يومًا عن التوصل إلى أي اتفاق، بل من أعلن ذلك كان قناة الجزيرة القطرية قبل شهر رمضان المعظم، الأمر الذي تلقفه سكان قطاع غزة بالترحاب، لكن لا هدنة تمت ولا معلومة أثبت صحتها.

أيضًا يجدر الإشارة إلى ما حدث خلال الأسابيع الماضية من خلاف لاح في الأفق بين الإدارة القطرية وحركة حماس، ما دفع أعضاء بارزين في الحركة إلى السفر إلى تركيا بحثًا عن موضع قدم في حال تم إقصاؤهم خارج الدوحة، والتقارير الإعلامية التي أشارت إلى أن ثمة خلاف بين قطر وحماس، بعد ضغط من الإدارة الأمريكية على الدوحة للفظ حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، الشيء الذي يشير إلى أسئلة عدة عن المعلومات المذكورة وتورط مصر فيها وصدمة قطر وأمريكا وإسرائيل.

المسودة التي سلمتها مصر إلى الحركة لم تكن سرًا من الأساس، فالحركة نفسها أعلنت بنودها على الملأ ووقتها لم يصدر أي تصريح رسمي أو غير رسمي من الأطراف الثلاثة "تل أبيب وواشنطن والدوحة"، وخرج نتنياهو في تصريحات عديدة يؤكد بنبرة حاسمة أنه لا اتفاق دون القضاء على حماس وقلع جذورها من قطاع غزة.

 

أكاذيب المصادر المجهولة حول اللواء أحمد عبد الخالق

المصادر "المجهولة" أشارت في حديثها لـ"سي إن إن"، أن مسؤولًا كبيرًا في المخابرات المصرية يدعى أحمد عبد الخالق، النائب الأول للوزير عباس كامل رئيس الجهاز، هو الذي كان يدير رفقة رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية، مفاوضات وقف إطلاق النار.

ليس ثمة معلومة جديدة في هذا الشأن، وما ذكرته المصادر ليس مجهولًا في الأوساط السياسية والأمنية بل وحتى الإعلامية، فاللواء "عبد الخالق" عمل لسنوات طويلة في إدارة الملف الفلسطيني، وظهر أكثر من مرة في اجتماعات عديدة عقدت بين الفصائل الفلسطينية، لكن الغريب في الأمر، اتهامه بأنه قال شيئًا لحماس وشيئًا آخر لإسرائيل، إذًا ماذا كان يفعل رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية في المفاوضات؟ هل حضر اجتماعات المفاوضات من أجل إثبات الحضور فقط دون أي اتصال بأي طرف أو الاطلاع على أية نسخة؟

تفنيد تلك الأكاذيب الصادرة على لسان "مصادر مجهولة" عبر تقرير "سي إن إن"، ورصد هذا الكم من المعلومات المغلوطة التي يكذبها أطراف الشأن أنفسهم، يأتي بالتزامن مع انتقادات مصرية واسعة لعملية اجتياح معبر رفح، والتلويح المصري إلى استخدام ورقة "معاهدة كامب ديفيد" ككارت مطروح على مائدة مناقشة الأزمة، بالتزامن مع تحركات إسرائيلية قرب "محور فيلادلفيا" الحدودي، من أجل تصوير فيديوهات فقط وبثها وإذاعتها لجر مصر إلى حرب واسعة.

معبر رفح.. هدف غير معلن

أيضًا يبقى معبر رفح هدفا غير معلنا في تلك الأزمة، فمصر رفضت التعاون مع إسرائيل في إدارتها للمعبر الحدودي، ووضعت شرطا أن يتم تسليمه إلى الإدارة الفلسطينية كما كان في السابق، مع انسحاب جيش الاحتلال من تلك المنطقة، الأمر الذي ترفضه إسرائيل، فما كان لهذا التقرير إلى استخدامه كورقة ضغط لفرض سياسة الأمر الواقع على مصر، وقبول المقترح الأولي بإدارة المعبر من الجانب الإسرائيلي، كخطوة أولى، وقبول ملف "التهجير" ولو بشكل نسبي كخطوة ثانية.

لا تشير الدلائل والتحليلات ورصد المعلومات المغلوطة في تقرير "سي إن إن"، سوى أنه استخدام للإدارة الإعلامية من أجل الضغط على مصر للموافقة على مقترحات التواجد الإسرائيلي في رفح، الذي يأتي كخطوة حالية مع وجود مقترح بتواجد قوة دولية على الحدود المصرية لتأمين قطاع غزة وضمان عدم شن هجمات منه ضد إسرائيل.

وأيضًا إعادة ملف توطين سكان القطاع في سيناء إلى الواجهة مرة أخرى، تنفيذًا لحلم قديم ومشروع صهيوني معلن، تجلى بشكل واضح في مخطط إيجورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، الذي كشف بشكل واضح في عام 2000، حتمية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والذي ترفضه مصر عبر عقود من الزمن.

search