السبت، 05 أكتوبر 2024

03:18 م

قنص فاشل لصقر.. لماذا يخافون من المفاوض المصري؟

فلسطينيون يحملون أعلام مصر بغزة

فلسطينيون يحملون أعلام مصر بغزة

تامر إبراهيم

A A

“لقد تم خداعنا جميعًا”.. جملة جاءت على لسان مصدر تحدث لشبكة “سي إن إن”، رفقة مصدرين آخرين، اتفقوا جميعهم على أن المفاوض المصري في أزمة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أفسد عن عمد المفاوضات للوصول إلى هدنة، بل وذكروا اسم المسئول عن إدارة الملف من الجانب المصري، باعتباره الشخص الذي تلاعب في مسودة الهدنة وصنع منها نسختين مختلفتين، سلم حماس واحدة، وإسرائيل الثانية.

«الخديعة» التي تحدثت عنها المصادر التي لم يُذكر هويتها أو الجهة التابعة لها، وما إذا كانت استخباراتية أم سياسية، قادها اللواء أحمد عبد الخالق، مسئول الملف الفلسطيني في المخابرات العامة المصرية، بحسب المصادر.

المصادر «المجهولة» زعمت أن مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، كان غاضبًا على غير عادته، بسبب شعوره بـ«الخداع» من المفاوض المصري، رغم أن بيرنز نفسه شريك أساسي في المفاواضات ويطلع على المسودات ويناقش بنودها بعد التسليم، ما يقضي نهائيًا على آمال تقرير «سي إن إن» فيما تصبو إليه، وتبقى أسئلة عديدة حول ذلك التقرير «المشبوه»، لكن أهمها الهدف من وراء تشويه المخابرات العامة والمفاوض المصري وشخص اللواء أحمد عبد الخالق.

تحت عنوان «فن التجسس وفن الحكم»، كتب ويليام بيرنز، مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، مقالًا نشر في مجلة «فورين أفيرز» في يناير 2024، وهذا الرجل هو النظير الأمريكي لـ«اللواء عبد الخالق» في مفاوضات الهدنة، وقال في مقاله إن الاختبار المحدد للاستخبارات هو توقع ومساعدة صانعي السياسة على اجتياز تحولات عميقة في المشهد الدولي، في  اللحظات التي تأتي عدة مرات فقط كل قرن، مشيرًا إلى أن الدبلوماسية الاستخباراتية تشجع على تقارب المصالح، مستشهدًا بما يحدث خلال المفاوضات مع مصر وإسرائيل وقطر وحماس بشأن وقف إطلاق النار.

وجهة نظر مدير الاستخبارات الأمريكية تؤكد على أهمية الدبلوماسية الاستخباراتية، التي في الوقت ذاته هو أداة قوية لتحقيق مصالح الساسة في واشنطن، وهو الأمر الذي نختبره في الغرض من تقرير “سي إن إن”، كأداة من أدوات الاستخبارات لتحقيق مكاسب أو الضغط على الإدارة السياسية والمفاوضين لتحقيق المصالح القصوى لأمريكا وإسرائيل.

اللواء أحمد عبد الخالق، الذي كان بطل التقرير “المشبوه” لا يمكن التعامل معه بوصفه رجلا أمنيًا رفيع المستوى فقط، بل هو مفاوض فعال ونافذ وخبير في الشأن الفلسطيني، وله باع  كبير وعلاقات وطيدة بكافة الفصائل الفلسطينية، ما يجعله مؤثرًا في عمليات الضغط والتفاوض وصناعة القرار، ممثلًا عن القرار السياسي والسيادي المصري في هذا الشأن.

تولى “عبد الخالق” إدارة الملف الفلسطيني عام 2018، خلفًا للواء سامح نبيل، ومنذ توليه المنصب وهو يعكف على زيارة الأراضي المحتلة لعقد اجتماعات مختلفة، لكنها ليست زيارات أولى، بل قضى سنوات مستشارًا بسفارة مصر في الأراضي المحتلة، وعضوًا بالوفد المصري الذي شارك في مفاوضات انسحاب إسرائيل من قطاع غزة 2005.

الضابط وثيق الصلة بالدوائر الفلسطينية لعب دورًا بارزًا في الإفراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا على رأسهم “يحيى السنوار” وقيادات من المقاومة الفلسطينية، مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 2011.

يحيى السنوار

في أعقاب توليه إدارة الملف الفلسطيني، عكف الضابط رفيع المستوى على زيارة الأراضي المحتلة من أجل أسباب مختلفة وأهداف عدة، ففي النصف الثاني من 2018 وحتى يناير 2019، زار “عبد الخالق” فلسطين أكثر من مرة، لعل أبرزها ما جاء في 21 يناير، حيث الوصول إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون، لإجراء لقاءات مع قيادات حماس والفصائل الفلسطينية لبحث ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، والتهدئة مع إسرائيل.

وفي مارس من نفس العام، سافر الضابط إلى فلسطين مرتين على رأس وفد أمني كعادة كل الزيارات، والتقى آنذاك إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، وقيادات الحركة، ثم تكررت المباحثات والنقاشات حتى سافر في 16 أغسطس 2020 إلى مدينة رام الله بالضفة الغربية، لمناقشة ملف المصالحة والوضع السياسي والأمني، والتقى أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح.

وفي أعاقب أحداث 2021، وبالتحديد 28 مايو، جدد “عبد الخالق” زياراته المؤثرة للأراضي المحتلة لبحث وقف إطلاق النار والمصالحة الفلسطينية، وتجهيزًا للزيارة التاريخية والأولى التي أجراها الوزير عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، إلى قطاع غزة، بعد يومين من زيارة "عبد الخالق".

زيارة الوزير عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، إلى قطاع غزة

الدور الكبير الذي يلعبه اللواء أحمد عبد الخالق في عمق تفاصيل القضية الفلسطينية، سواء على الصعيدين الإقليمي أو الداخلي، والذي هو تجسيد لرؤية مصر السياسية والسيادية، جنى ثماره في الاجتماعات العديدة التي جمعت الفصائل الفلسطينية المتناحرة، بين عامي 2021 و2023، والاقتراب من إنهاء الخلافات الداخلية التي نشبت منذ صيف 2007، فحركة فتح التي انطلقت في 1 يناير 1965، تبادلت الاتهامات والاشتباكات مع حماس التي انطلقت في 15 ديسمبر 1987.

ما سبق يكشف مواطن القوة في الجهات السيادية التي تتعاطى مع الملف الفلسطيني، ورؤيتها الراسخة لقواعد ذلك الملف الصعب وتفاصيله وموقف القاهرة الثابت والراسخ في التعامل معه بقواعد لا تفاوض فيها، لكن التطورات الإقليمية المتسارعة والتغيرات الطارئة وضعت تعقيدات مركبة في هذا الملف، وبلغ أهمية استثنائية في السنوات الماضية، ما جعل التحركات داخل أطره سريعة ومكثفة وتحمل آلاف التفاصيل.

المفاوض المصري على طاولة مناقشات حتمية وقف إطلاق النار والتوصل لهدنة إنسانية، عكف على إدارة العملية بحكمة وتأثير شديدين، فاللواء أحمد عبد الخالق ذو تأثير وثقل لدى الفصائل الفلسطينية، مستمدان من سنوات الخبرة وثقل الجهاز الذي يدير العملية إقليميًا وعالميًا، ولأجل ذلك الأمر كان هدفًا لدى تقرير “سي إن إن”، فالمقصود بمحاولة الإطاحة من هذا الملف ليس اللواء عبد الخالق، بل المفاوض المصري السيادي كله.

فلسطينيون يحملون أعلام مصر بغزة

المفاوض المصري منذ 2011 وحتى يومنا هذا، أي في 13 عامًا فقط، أنهى عشرات الأزمات، وأوقف العديد من الهجمات، وتوصل لهدنات إنسانية أكثر من مرة، بل وتحرك بجانب الإدارة السياسية من أجل إعادة إعمار قطاع غزة، والإفراج عن مئات الأسرى، ما يعكس مدى قوته وتأثيره وامتلاكه لأوراق عديدة تجعله فعال ونافذ، لكن تلك المرة الأصوات في إسرائيل لا تريد الوصول إلى شيء سوى حرب واسعة وسيطرة شاملة وتهجير قسري، ما جعل الضغط على المفاوض المصري لقبول أشياء مرفوضة سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا وشعبيًا، أمر حتمي بالنسبة له، أملا في تراجع مصر عن مواقفها، أو إقصاء أسماء بعينها من الجلوس على الطاولة، أو التوريط في مسئولية إنسانية ودولية سياسية في إدارة معبر رفح والقبول بالجرائم على عتباته.

رابط مختصر
The.Agricultural.Bank.of.Egypt

تابعونا على

مواقيت الصلاة حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة
  • 05:24 AM
    الفجْر
  • 06:51 AM
    الشروق
  • 12:43 PM
    الظُّهْر
  • 04:05 PM
    العَصر
  • 06:35 PM
    المَغرب
  • 07:52 PM
    العِشاء
search