السبت، 23 نوفمبر 2024

11:15 م

الوجع!

ما أشبه الليلة الموجعة بالبارحة الدموية، حين يكون العامل المشترك فيهما كيان سفاح ظلامي مفرط الشر والقسوة والتدمير!
لا تزال ذاكرة الأجداد الفلسطينيون حاضرة بمشاهد عمليات إعدام وقتل جماعي لمئات الأبرياء من ذويهم وأشقائهم في رفح قبل 68 عاماً، وتحديداً في عام 1965 حين جمعت العصابات الصهيونية الرجال في ساحة المدرسة الوحيدة، بدعوى ملاحقة الفدائيين، 
وبعد استسلامهم -غير متوقعين ما يضمره لهم القتلة- ، أطلق عليهم جنود الاحتلال الغاشم النار في إحدى عمليات الإبادة المتكررة.
يا لصبر هؤلاء الفلسطينيين، فلكل منهم حكاية حزينة يرويها بصلابة وبأس رغم ما يعتصره من ألم لفراق أب أو أم أو ابن أو أخ أو حبيب، 
شاهدت فيلماً وثائقياً لأحد هؤلاء الأجداد، - شاهد عيان من القلة الذين فلتوا من مجزرة 1956 -يحكي كيف جثا الآباء والأمهات على أقدامهم من شدة الصدمة وهم يفتشون عن أبنائهم بين الجثث، لتعلو صرخات من وجدوا فلذات أكبادهم، مضرجين بالدماء، بعضهم لفظ أنفاسه الأخيرة، وبعضهم ما زال بالرمق الأخير..
لكننا، نحن شهود عيان اليوم لم نعد بحاجة إلى النبش في تاريخ الألم والموت، إذ صار حاضراً بلونه القاتم المخيف في كل لحظة، وتكررت المجزرة بالصورة ذاتها يوم الأحد الأسود الماضي، حين استهدف سلاح الجو الصهيوني خيام النازحين قرب مخازن الأنروا في الشمال الغربي، وقبلها خيام بمنطقة البركسات بمدينة رفح، ليحرقها بمن فيها من نساء وأطفال وشيوخ نزحوا إلى المدينة من مناطق أخرى بالقطاع.
لقد استهدفت إسرائيل المنطقة التي طالبت الفلسطينيين باللجوء إليها، وتعهدت بأنها ستكون منطقة آمنة، ودفعت مئات النازحين إلى هناك، تحت وطأة القصف والقتل والتدمير، وبعد أن جمعتهم هناك، أحرقتهم بمقاتلاتها، وسط حالة من الذهول العالمي الذي صار مقيتاً سخيفاً غير مبرر.
ما يتعرض له الفلسطينيون عمليات إبادة ممنهجة هدفها نشر رسالة ترويع للجميع، وما ترتكبه إسرائيل من مجازر لا يمكن أن يكون مجرد طريقة لتصفية حركة حماس كما يدعي السفاح نتينياهو، 
أعتقد أن الأمر أكبر كثيراً من ذلك، إنها رسالة تهديد واضحة بأنها لا تبالي، ولديها استعداد لإحراق كل من يعترض طريقها، ومن ثم لا أعتقد أن بيانات الإدانة والشجب كافية لردعها!
لقد ارتكبت إسرائيل هذه المجزرة بعد أيام قليلة من صدور قرار لمحكمة العدل الدولية يأمرها بوقف هجماتها العسكرية على مدينة رفح فوراً، بناء على طلب قدمته جنوب إفريقيا، اتهمتها فيه بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، فهل يمكن أن يكون هناك تفسير آخر غير أن نتينياهو يقول لمحكمة العدل الدولية العقي قراراتك فلن تسري سوى على الضعفاء فقط!
وفي أول تصريح له بعد المجزرة، اعتبر نتينياهو أن المجزرة التي شهدتها رفح كانت خطأ كارثياً، مدعياً أنه لم يكن مقصوداً إسقاط مدنيين!!
لا يكتفي هذا الحقير بارتكاب الجرائم فقط، لكنه يبررها بطريقة بالغة الحقارة، إحراق عشرات الضحايا من الأبرياء العزل معظمهم نساء أطفال، مجرد خطأ من وجهة نظره!!

أدرك أن الكتابة في هذه القضية أصبحت نوعاً من الرفاهية، رغم ما يعتصر قلوبنا من ألم، فما يواجه الفلسطينيون منذ بداية هذه الحملة الدموية، يفقدنا الشعور بقيمة الحياة، لأن أشقاءنا يتعرضون لخطر فقدانها في كل دقيقة، فضلاً عما يعانونه من تجويع وتشريد ودمار..
لكننا لا نملك سوى الكتابة والاعتذار والدعاء، فالله وحده هو القادر على التخفيف عنهم، ونصرهم، وحين يخذلك الناس، التمس العدل من رب الناس..

search