الخميس، 04 يوليو 2024

12:56 م

أزمة الكهرباء.. بين الفشل والاستظراف!!

هل هناك من يشعر بمعاناة هذا الشعب؟
تساورني شكوك كبيرة في أن هناك من لا يزال يبالي باحتياجات أهل مصر وهمومهم، وتظل أزمة الكهرباء أصدق دليل على ذلك!
تصريحات متضاربة، وواقع متناقض كلياً مع ما يعلنه هؤلاء المسؤولون بشأن فترات الانقطاع وأسبابه، ومستقبله!!
يختزل البعض الأزمة -بأسلوب مبتذل- في مجرد ارتفاع درجة الحرارة وحاجة الناس إلى المكيفات أو المراوح لتحمل هذه الظروف الصعبة، لكن الواقع أكثر مرارة من ذلك، فهناك مئات الآلاف من المرضى الذين يعانون لدرجة تثير الأسى والحزن والغضب بسبب ارتباط علاجهم بالكهرباء، أو لأن ظروفهم الصحية لا تتحمل الجو الخانق أثناء انقطاعها!
لقد ابتكرت تلك الحكومة مصطلح "تخفيف الأحمال" لتبرير قطع الكهرباء يومياً وتبادلياً بين المحافظات، وصدمت الناس أخيراً بزيادة فترة الانقطاع من ساعتين إلى ثلاثة، بحجة حاجتها إلى خفض استهلاك الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء ومن ثم توفير العملة الصعبة لشراء أدوية وأغذية.
لكن من عجائب القدر وهذه الحكومة أن أسعار الأدوية والأغذية وآخرها رغيف العيش تضاعفت مرات عدة، ليكوى الناس بالغلاء واستمر انقطاع الكهرباء بل زادت فترته!
ما يحدث في مصر مقلق بكل ما تحتمله الكلمة من معاني، فانقطاع الكهرباء يعيد الدولة عقوداً إلى الوراء، إذ لم يعد هذ الأمر مقبولاً سوى اللهم في الدول غير المستقرة التي تشهد حروباً أو نزاعات مسلحة، ما يهز صورة بلادنا كثيراً أم الآخرين، وأكتب ذلك بعد ان تلقيت استفسارات عدة عن كيفية تحمل ذلك ومدى تأثيره على أوضاع السياح وأماكن إقامتهم في مصر!
ما نعرفه جيداً أن هذه الحكومة -التي تم التجديد لرئيسها أخيراً- رفعت الدعم كلياً عن الكهرباء اعتباراً من العام المالي 2020-2021، وأعلنت قبل ذلك تحقيق إنجازات استثنائية في مجال البنية التحتية لقطاع الكهرباء، بل رقصنا طرباً حين أعلنوا ان هناك فائضاَ من الإنتاج وربما يتم بيع كهربتنا لدول أخرى..
وحسب التسلسل الزمني لإنجازات حكومة مدبولي، فقد اشترت ثلاث محطات لتوليد الكهرباء من شركة سيمنز الألمانية بمبلغ تجاوز 6.4 مليار دولار، باعتبارها الأحدث والأكثر قدرة على توليد الكهرباء في العالم- على حد تصريحاتهم آنذاك، وكان من المتوقع أن تسد 45% من احتياجات مصر، وتستهلك كميات أقل من الغاز الطبيعي، لكن لأنها حكومة استثنائية، فاجأتنا بمحاولة بيع محطتين من الثلاث لتقليل عبء سداد الأقساط والديون الناتجة عن شرائها، لكن فشلت المحاولة حسب المعلومات الضئيلة التي يسمحون لنا بمعرفتها لأسباب متعلقة بطبيعة العقود مع الجهات الضامنة للاتفاق!
يعني بالبلدي، اشتروا محطات بستة مليارات دولار، وحاولوا بيعها دون أن يسأل أحد لماذا اشتروها من الأساس إذا لم تكن مجدية!!!
ولأن جوجل لا يكذب، أعلن رئيس الوزراء الحالي المستمر في يناير من 2021 عن الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول عام 2023 وكان من المفترض أن تنتهي أزمة الكهرباء بالتبعية، لكنه الآن بكل وداعة يحدثنا عن أن الأزمة مستمرة، وعلينا التحمل!!
ولا أخفيكم قولاً أن ثمة فضول رهيب لمعرفة ما إذا كانت تنقطع الكهرباء في المنطقة التي يسكنها رئيس الوزراء أو وزيري الطاقة والبترول اللذين تضامنا أخيراً ضد الشعب المصري!!
ما هي فاتورة انقطاع الكهرباء؟
أكاد أٌجن مثل الملايين من الطريقة التي تدار بها هذه الأزمة، وهل هناك دراية بتبعاتها، خصوصاً على أصحاب المصانع الصغيرة والبقالات والمتاجر التي تعتمد على الكهرباءء في حفظ سلع وأغذية، وهل هناك تخيل لحجم الخسائر الناتجة عن توقف عجلة الإنتاج لمدة ثلاث ساعات يومياً في هذه المرافق؟!
قبل الإعلان الصادم أخيراً عن زيادة فترة قطع الكهرباء، حدثت مواقف بالغة السخافة رغم استظراف البعض أو التعامل معها بسخرية مثل انقطاع التيار عن مبنى البورصة المصرية، 
وبحكم عملي أدرك تأثير ذلك عالمياً، فما حدث أدى إلى تعطيل تنفيذ أوامر الشراء والبيع، وتسبب في خسائر كبيرة، لكن الأسوأ من ذلك ما أصاب سمعتنا من ضرر!!
ويسبق كل هذه الأضرار والخسائر بالتأكيد تكرار حالات الوفاة داخل المصاعد التي تتعطل بركابها، لكن للأسف لم يعد أحد يهتم، وربما لو توفي شخص في دولة أخرى بسبب هذا الفشل الحكومي فسيحصل ورثته على تعويضات خيالية!
لقد اختارت الحكومة تصدير الغاز لتوفير عملة صعبة على حساب سد احتياجات قطاع الكهرباء لأن هذا الشعب يأتي في ذيل أولوياتها، وعليه أن يدفع فاتورة سوء التخطيط وعدم الإدارة الجيدة لملف الطاقة!
لقد حلمنا وما زلنا نحلم بمصر جديدة عفية وقوية وشابة، لكن ما يحدث الآن يولد حالة من اليأس، ويختزل أمالنا في مجرد الرغبة في العودة إلى أمس لم يكن جميلاً لكنه لم يشهد "تخفيف أحمال!!!

search