الأحد، 07 يوليو 2024

03:52 ص

الإيجار القديم.. "القروش" كابوس قانوني يزعج "مليونيرات على ورق"

روان عبدالباقي - أسامة حماد

A A
سفاح التجمع

عقار قديم بمنطقة وسط البلد في قلب القاهرة، زُينت أبوابه بالأقفال الملصق عليها إيصالات المياه وفواتير الكهرباء والغاز، باستثناء البوابة الرئيسية للعقار، المفتوحة أمام البحث في صندوق الإيجار القديم بملاكه ومستأجريه، والإحصاءات التي أيدت آراء المسؤولين ووثقت معاناة الطرفين.

رحلة بدأتها “تليجراف مصر” في طريق البحث عن الظالم والمظلوم في أزمة الإيجار القديم في مصر، الملاك أم المستأجرين؟، أم أنهم ضحيتان لبيروقراطية وقوانين لم تحدّث، وأغلقت عليها الملفات كما الأثاث فريسة للسوس والأتربة في مئات الآلاف من الشقق.

الملاك ينفضون أيديهم من حق الساكن، والثاني يحتمي بقانون قديم، تسمع وتقر بحقين، ولكن مع سماع قصص مختلفة وربط الخيوط ببعضها برابط الأرقام والإحصاءات، يبدأ الغموض في التكشف شيئا فشيئا.

بدأ الأمر مع رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة، مصطفى عبدالرحمن، الذي أكد أن الإيجار القديم ما هو إلا كابوس ينتظر مئات الآلاف من الملاك التخلص منه في أسرع وقت، مع تعويضهم مقابل “القروش والجنيهات” التي ألقاها لهم المستأجرون على مدار عقود.

رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة، مصطفى عبدالرحمن

نشوى شاكر، مالكة عقار بالإيجار القديم في وسط البلد، قالت إنها لم تحصل على الإرث "العقار المؤجر" الذي تركه لها والدها بعدما توفي منذ 20 عامًا، إذ أن أبناء مستأجري عقارها كانوا ورثته الفعليين، فيما الملاك مجرد “مليونيرات على ورق”.

"62 قرشًا، و5 جنيهات، و12 جنيها"، كانت هذه الأرقام مدونة على العقود التي قدمها لنا الملاك، تحكي عنها آمال نور الدين، "العقار المزعوم أنه ملك لي، استأجره مني 6 مستأجرين في عام 1962، وقيمة إيجار الشقة تتراوح بين 5 جنيهات لـ 12 جنيهًا، وياريتهم بيدفعوا مياه أو غاز أو حتى تمن الصيانة".

نغمة المستأجر حزينة

عزفت قصص الملاك على نفس النغمة، حتى قررنا الاستماع إلى النغمة المعاكسة، "المستأجرين"، الذين وصفوا مشاعر القلق والتوتر التي يعيشونها بأدق التفاصيل، بسبب كابوس الملاك الذي يرونه في كل ليلة وهم يقولون "هنطلعكم من الشقة".

رئيس رابطة المستأجرين، شريف الجعار، قال إن المستأجر أبرم عقود في ظل شرعية دستورية وقوانين، لافتا إلى أن المالك ليس بمغتصب بل جاء لإبرام عقود بالتراضي لتأجير وحدة معينة بشكل متفق عليه، وهي عقود ذات طبيعة خاصة تخضع لقوانين الإيجارات، الصادرة منذ عام 1920 مرورا بقانون 1977 وقانون 4 لسنة 1996.

رئيس رابطة المستأجرين، شريف الجعار

واجهنا الجعار بحديث الملاك وعقود الإيجار القديم التي تتضمن القروش والجنيهات، ليقول "المالك عاوز ياخد حقي بحجة الـ5 والـ10 جنيه، طب ما هو خد حقه وزيادة في الخلو اللي دفعتهوله زمان، خليه يرجعهولي بتمن النهاردة ونتحاسب".

من ضمن المستأجرين الذين صادفناهم، كانت هانم درويش، أرملة ولديها 3 أبناء، قررت في عام 1985 بعد وفاة زوجها استئجار شقة مقابل 25 جنيهًا، وبعد قرابة 40 عاما، أصبح المبلغ الكبير في زمنه “تهديد كبير” في زمن المالك الحالي.

لم تتوقف القصة عند مستأجري الشقق، بل قابلنا مستأجري المحلات التجارية، ومنهم محمد حسين، الذي أكد أنه لا توجد مشكلة بينه وبين المالك ويتم دفع الإيجار بالتراضي بين 350 و400 جنيه، موضحا أنه دفع 26 ألف جنيه "خلوا"، وإذا أخرجه المالك سيضطر إلى شراء “عداد كهرباء 3 فاز” بنصف مليون جنيه.

إسكان النواب بين المالك والمستأجر

ومن الملاك للمستأجرين، توقفت رحلتنا الأخيرة، عند رئيس لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير بمجلس النواب، محمد عطية الفيومي، الذي بعث برسالة طمأنة للملاك والمستأجرين، مؤكدًا أنه لن يُطرد أحد من شقته، مع مراعاة الظروف الاقتصادية الراهنة وعدم طرد أحد من قاطني الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم، وخصوصا بالمناطق الشعبية.

 رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، محمد عطية الفيومي

استطرد الفيومي، “لن نطرد أحدا.. وأولوياتنا إيجاد حل لهؤلاء المواطنين قبل أي شيء، وكل ما نسعى إليه تحقيق العدالة لأطراف العقد المستأجر والمؤجر دون ضرر أحدهما، منوها إلى أن التعديلات المرتقبة لا بد أن تشمل الوحدات المؤجرة تجاريًا وإداريًا، لأن القانون رقم 10 لسنة 2022 بشأن الإجراءات ومواعيد إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكني الصادر عام 2022 يسري لمدة 5 سنوات منذ البدء في تطبيقه”.

100 ألف شقة و3 ملايين وحدة

على مدار سنوات طويلة، لم يكن هناك أي إحصاءات رسمية بشأن الإيجار القديم سوى إحصائية لجهاز التعبئة العامة والإحصائية، في عام 2019 تشير إلى أن عدد وحدات الإيجار القديم في مصر يتجاوز 3 ملايين وحدة، ومن المصادفة الجيدة، أنه تم إصدار بيان جديد بشأن الإحصائيات في محافظة القاهرة.

إحصائية القاهرة توصلت إلى أن هناك نحو 100 ألف شقة مؤجرة بالنظام القديم مهددة بالإخلاء وإعادتها لمالكيها، بواقع أكثر من 32 ألف شقة مغلقة، و78 ألف شقة يمتلك مستأجريها سكن آخر، كما بلغ إجمالي الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم أكثر من مليون وحدة سكنية.

بلغ عدد الشقق المغلقة لوجود الأسرة بالخارج ما يزيد على 32 ألف وحدة سكنية، والمغلقة لوجود مسكن آخر للأسرة ما يزيد عن 78 ألف، كما ذهب الحصر إلى أن عدد الوحدات التي تحتاج إلى ترميم 4 آلاف وحدة، والصُادر لها قرار هدم 2.536 وحدة، بينما كانت المفاجأة في وجود منشآت خالية أو مغلقة تصل إلى 33 ألف وحدة سكنية.

search