الجمعة، 22 نوفمبر 2024

01:44 م

اغتيال بلا جثة وتحقيق بلا صحفي.. من محمد العلوي وأين فيلا زيلينسكي في مصر؟

تامر إبراهيم

A A

روجّت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع القليلة الماضية، أنباء تشير إلى ما اسمته بـ"اغتيال" صحفي مصري بعد نشره تحقيقًا استقصائيًا كشف فيه امتلاك أسرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبالتحديد حماته أولجا كياشكو، فيلا في مدينة الجونة بالبحر الأحمر قُدّر ثمنها بـ5 ملايين دولار، من أموال الدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

البداية

القصة بدأت في أغسطس الماضي، حينما بث “محمد العلوي” فيديو على قناته بيوتيوب، يوم 20 أغسطس، وصف نفسه فيه بأنه صحفي استقصائي مصري، حصل على مستندات تشير إلى عقد شراء عقار وصاحبة العقد اسمها أولجا كياشكو، وزعم أنها حماة رئيس أوكرانيا، والعقد موثق بتاريخ 16 مايو 2023.

ورغم أن الفيديو من أغسطس الماضي، ولم يحظَ بانتشار كبير أو عدد مشاهدات عالية، فإنه عاد للظهور في الأسابيع الأخيرة من 2023، ولكن تلك المرة بمزاعم اغتيال الصحفي بعد كشفه فساد أسرة الرئيس الأوكراني.

الرد المصري

بعد ضجيج التداول عبر وسائل لتواصل الاجتماعي بشأن “اغتيال صحفي مصري”، ردّت مصر عبر وزارة الداخلية على كل المزاعم المنشورة، وفي يوم 30 ديسمبر نفى مصدر أمني كل ما يتم تداوله بهذا الشأن.

المصدر الرسمي أشار إلى أنه تم تحديد مكان الفيلا المزعومة وتبين ملكيتها لمصريين وليست أسرة رئيس أوكرانيا كما أشار “العلوي”، وأن الجهات المعنية المصرية لم تتلقَ من الأساس أي بلاغات بشأن تعرض الصحفي إلى الإيذاء.

الفيديو

بالعودة إلى الفيديو المنشور في أغسطس نجد أن القناة التي حملت اسم محمد العلوي، أنشأت في 20 أغسطس 2023، وهو نفس اليوم الذي نُشر فيه الفيديو.

تاريخ إنشاء قناة محمد العلوي

القناة لا يوجد بها سوى 57 متابعا ولا فيديوهات عليها سوى فيديو “الفيلا” ومقطع قصير يشير إليها، وظهور “العلوي” لم يستغرق أكثر من دقيقة و6 ثوان، لم يكشف فيها جهة التحقيق أو ما وصل إليه من تفاصيل أو مصادر المعلومات أو أي شيء آخر سوى مزاعم الحصول على عقد الفيلا واتهامات أسرة زيلينسكي.

عدد متابعي قناة العلوي

الفيديو الذي حصل على 34 ألف مشاهدة فقط لم يجذب سوى 120 تعليقًا رغم أهمية الموضوع الذي يطرحه منشئ الفيديو، جزء منها باللغة الروسية، وآخر لتكذيب مقدّم الفيديو، وكلها في توقيتات متباينة ليست بعد الفيديو مباشرة، ولكن كثير منها في أعقاب أنباء موته.

إنشاء القناة كان في يوم الفيديو، وزمن المقدم عليها دقيقة و6 ثواني، بلا أي معلومات شخصية عن صاحب القناة محمد العلوي، وبلا أي توضيح لجهة عمله أو جهة إجراء التحقيق أو حتى استكمال حلقات تحقيقه المهم المزعوم.

مشاهدات وتعليقات فيديو العلوي

من هو العلوي؟

البحث عن هوية “العلوي” استغرق وقتًا طويلًا، فبوضع الاسم الذي كتبه على قناته بيوتيوب، في محركات بحث جوجل أو على إكس وفيسبوك ولينكد إن وتيك توك وإنستجرام، لم يتسن لنا الحصول على أي حساب يشير إلى الصحفي المزعوم أو أي هوية له، وبالبحث بالاسم بالعربية بأكثر من طريقة “محمد علوي” و"محمد العلوي" و"الصحفي محمد العلوي أو علوي"، لم تشر محركات البحث إلى أي معلومات تسبق الإشارة إلى قتله بعد تحقيقه.

بسؤال نقيب الصحفيين خالد البلشي، نفى بشكل قاطع وجود الصحفي المذكور بين أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، وزاد أن من يحملون اسما مشابها موجودين وبصحة جيدة وليس لهم علاقة بموضوع التحقيق المزعوم.

خالد البلشي

وأضاف البلشي لـ “تليجراف مصر”، أن النقابة ظلت تبحث لمدة 3 أيام عن الصحفي المزعوم قتله أو اغتياله في الغردقة، ولم تجد أي شيء يشير إلى ذلك، ولم تجد حتى أرشيف صحفي لذلك الشخص أو سابق تحقيقات أجراها أو حتى جهات عمل معروفة.

جهة النشر

حساب على إكس يُدعى Gabe كان السبب في الانتشار الكبير لموضوع التحقيق بعد يومين فقط من نشر فيديو العلوي، أي يوم 22 أغسطس، فصاحب الحساب نشر صورة من الموقع الذي يشار إليه أنه الذي نشر التحقيق، وغرّد بتفاصيل من تحقيق الموقع.

الحساب الذي نشر التغريدة
تاريخ نشر تغريدة التحقيق المزعوم على إكس

بالنظر إلى صاحب الحساب نجده من أنصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويصف عدوه الأوكراني زيلينسكي بـ"الإرهابي"، وعكف صاحب الحساب على الدفاع عن روسيا ودعمها، وفي المقابل مهاجمة أوكرانيا وزعيمها، أي أنه من الموالين لـ"الدب الروسي" طيلة الوقت.
أما الموقع الذي نشر التحقيق المزعوم، ويُدعى Punch، بالبحث عن هذا الموقع للحصول على معلومات بشأنه وجدناه موقعا نيجيريا يصف نفسه بأنه “الأكثر قراءة في نيجيريا”، يتابعه على إنستجرام مليون و200 ألف شخص، وعلى إكس 6 ونصف مليون متابع، وعلى لينكد إن 178 ألف شخص، وعلى يوتيوب 57.3 ألف، وعلى فيسبوك 4.4 ملايين متابع، في بلد يبلغ عدد سكانه قرابة 224 مليون نسمة.

حسابات الموقع على وسائل التواصل الاجتماعي

بعد نشر الحساب المذكور رابط من الموقع للتحقيق المزعوم، حاولنا فتح الرابط ولكننا وجدنا هذا التحقيق تم حذفه، وبالبحث داخل الموقع النيجيري لم نجد أي ذكر لـ محمد العلوي، ولا قصة الفيلا من الأساس.

الموقع حذف التحقيق المزعوم من موقعه

العديد من المواقع الأجنبية غير المعروفة نشرت تلك المزاعم، ولكن في تواريخ مختلفة عقب نشر الموقع النيجيري، ما يُشير إلى أنه جهة النشر الأولى في أفضل تقدير.

فيلا الجونة وحماة زيلينسكي

العقد المنشور من محمد العلوي لم يُظهر أي تفاصيل دقيقة تسمح بالتحقق من صحته، إلا أن التوقيعات أسفل العقد ليس بها أي إشارة إلى توقيع حماة رئيس أوكرانيا، أو أي إشارة إلى مالك فيلل مدينة الجونة سميح ساويرس أو الممثل القانوني عنه.

العقد أيضًا مموه بختم لا يمكن إثبات صحته، فالنسر بالختم غير واضح ولا يوجد بها أي تفاصيل، غير أن العقد المنشور لا يمتّ بصلة لعقود بيع الفيلل المشار إليها، بحسب مصدر اطّلع سابقا على تلك العقود.

عقد الفيلا المزيف

تأكيدات المصدر جاءت متطابقة مع تأكيدات إدارة مدينة الجونة، التي قالت في بيان صحفي إن العقود المنشورة لا تمتّ بصلة لنماذج العقود الخاصة بها شكلًا ومضمونًا.

إدارة المدينة قالت أيضًا إنه بعد مراجعة السجلات لم تجد أي أوراق تشير إلى أن زيلينسكي أو أحد من أفراد عائلته يمتلكون أي ممتلكات في الجونة.

نجيب ساويرس دخل على خطّ الرد، فنفى بشكل قاطع في تغريدة له شراء عائلة الرئيس الأوكراني فيلا في الجونة.

نفي نجيب ساويرس

اغتيال.. أين الجثة؟

خبر الاغتيال نشرته مواقع مجهولة ناطقة بالإنجليزية، الأمر الذي تلقفته حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي وتداولته بصورة كبيرة، بل وعكفت قنوات وحسابات تابعة لجماعة الإخوان على ترديد الأمر وتفريغ مساحات لسرده وحكي تفاصيل عنه دون سند أو دليل.

الأمر زاد إلى نشر تسجيل صوتي زعم من أجراه أنها مكالمة هاتفية بشخص يدعى أحمد، وهو شقيق محمد العلوي، يقول فيه إن شقيقه تعرض لتهديدات بالقتل بعد نشر التحقيق، مشيرًا إلى أن فرقة من العمليات الخاصة الأوكرانية قتلت شقيقه بالغردقة، لكن اللافت في الأمر أن لهجة الشخص الذي ادّعى موت شقيقه لم تكن مصرية خالصة، وبدى عليه التردد في كلامه، على الرغم من موت شقيقه.

محمد العلوي

الأمن نفى بشكل واضح وجود أي بلاغات تفيد تعرّض شخص يحمل اسم محمد العلوي لأي إيذاء، فيما يؤكد مستخدمو السوشيال ميديا اغتياله وقتله، ولكن حتى الآن لم يظهر فرد واحد من أسرة “المقتول” يشير إلى الجريمة المزعومة، ولم يظهر شخص واحد ينتمي إليه يؤكد قتله أو يدافع عن حقه، فلا وجود لبلاغ ولا جريمة ولا جثة ولا أسرة، حتى كتابة هذا الموضوع وما توصلنا إليه.

الآلة الإعلامية ضد زيلينسكي

ذلك التحقيق المزعوم ليس الأول الذي يطال الرئيس الأوكراني، ولكن سبقه شيء آخر، فعسكري أمريكي سابق يعيش الآن في روسيا أسس موقعًا اسمه DC Weekly، وكان من بين المواد التي نشرت عليه خبر يفيد شراء رئيس أوكرانيا يختين بـ75 مليون دولار ووثائق تثبت ذلك، ولكن سبق ذلك الخبر فيديو يشبه فيديو “العلوي”.

في نوفمبر، حساب مجهول على يوتيوب به عدد قليل من المتابعين وفيديو واحد (نفس قصة محمد العلوي)، نشر أن الرئيس الأوكراني اشترى يختين، ولم ينتشر الخبر إلا حينما تداوله موقع العسكري الأمريكي السابق الذي يعيش في روسيا.

عمليات التحقق في النهاية وصلت إلى أنه لا يوجد دليل على هذا الأمر، بل أن اليختين المذكورين بالتحديد لم يباعا من الأساس لأي شخص.

زيلينسكي وأسرته

في أكتوبر من العام الماضي، نشر حساب على إنستجرام خبرًا يفيد شراء زيلينسكي منزلًا فخمًا بقيمة 8 ملايين دولار لوالديه، إلا أن الخبر رغم انتشاره تم التأكيد على عدم صحته.

وبعد زيارة زيلينسكي لواشنطن في أول رحلة له خارج البلاد بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، أشارت أيضًا قنوات مجهولة عبر يوتيوب، ثم حسابات غامضة بوسائل التواصل الاجتماعي، إلى أنباء تفيد شراء الرئيس الأوكراني قصرًا فخمًا في فلوريدا، ومرفق مع تلك الأنباء وثائق “مزورة” مثل التي نشرها العلوي، أثبت أنها غير حقيقية بالمرة، بل وصور القصر المزعوم ملك لشخص معروف ولم يبعها.

النهاية

بعد البحث والتحقق، لا وجود لصحفي اسمه محمد العلوي، ولا وجود للفيلا المزعومة، ولا وجود لعائلة زيلينسكي في الغردقة، ولا صحة للعقود المنشورة، ولا هناك بلاغ بتعرّض شخص يحمل ذات الاسم للإيذاء أو القتل، ولا وجود لأسرة القتيل المزعوم أو جثمانه، وكل ذلك يأتي مع وجود ارتباط وثيق بين ما نشره العلوي وطريقة نشره، وما سبق نشره بذات الطريقة ضمن “آلة إعلامية تهدف إلى التضليل في المعلومات" كأحد أدوات الحرب المعروفة.

بات جليًا أيضًا أن ما نُشر يأتي في إطار موجات الشائعات التي تطال مصر من حين إلى آخر، ترقى إلى مستوى الحملات الممنهجة، مدعومة بوثائق مزوّرة، لعل أبرزها وأكثرها صدى ما نشره الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين من عقد مزور يفيد موافقة مصر على بيع قناة السويس كحقّ انتفاع لدولة الاحتلال، وغيرها من الشائعات التي تطال مصر.

ما نُشر في سياق ذلك التقرير كان رهين اللحظة التي أجرينا فيها عمليات البحث والتحقق من كافة المعلومات والوثائق والمصادر، ويبقى الباب مواربًا لعله يظهر في أي وقت ما يجد في القصة، لكن الحصيلة في ذلك الموضوع كانت “صفر”.. انتهى اجتهادنا “مؤقتًا”، فربما تظهر معلومة جديدة. وقد لا يظهر، وهنا يأتي التأكيد أن ما حدث كان "عبث".

search