الجمعة، 20 سبتمبر 2024

09:43 ص

الأثير الملوَّث.. إسرائيل تقيّد وتراقب وتسرق اتصالات فلسطين

صورة تعبيرية

صورة تعبيرية

أحمد سعد قاسم

A A

لسنا نعلم كم من سكان غزة يمكنه أن يقرأ هذا التقرير في وقت نشره، لكن - تقنيًّا - سيكون ممكنًا لدى عدد من سكان غزة قراءته بعد يومين، أو ربما أسبوع، من النشر، ليس بسبب الحرب، ولكن بقوة الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على شبكات الاتصالات في القطاع، والذي لا يتيح لسكانه أن يستخدموا الإنترنت والإتصالات بشكل حر، إلا في صورة محددة تشرف إسرائيل عليها، منذ انسحابها من القطاع عام 2005.

 


56 عامًا من القهر

منذ نكسة 67 وترفض إسرائيل رفع يدها بشكل تام عن قطاع الاتصالات في فلسطين، سواء غزة أو الضفة، المبررات كثير والحجج واهية، ولكن الحقيقة أن الاحتلال يرغب في الاحتفاظ الدائم بتبعية قطاع الاتصالات الفلسطيني له بشكل غير مباشر، ليكون قادرا على التحكم فيه أثناء الحرب، والتنصت على السياسيين.

ويعرقل الاحتلال دوما أي محاولات لتطوير قطاع الاتصالات تقوم بها السلطة الفلسطينية في الضفة، أو حركة حماس في غزة.

ورغم أن اتفاقية أوسلو الثانية في سبتمبر من العام 1995 شملت في بنودها أحقية الفلسطينيين امتلاك وتطوير شبكات الاتصالات، إلا أنها قيدتها بشرط يقيد تطويرها ويربط أي تطوير بموافقة إسرائيل أولًا، وجاء نص الاتفاق: "سوف يسمح للجانب الفلسطيني باستيراد واستخدام أي من أنواع الهواتف وأجهزة الفاكس وأجهزة الرد ووسائل نقل المعلومات، وتقر إسرائيل وتدرك أنها بهدف بناء شبكة منفصلة، فإن الجانب الفلسطيني يملك الحق في تبني معاييره الخاصة واستيراد الأجهزة التي تلبّي هذه المعايير، وسوف تستخدم الأجهزة فقط عند تشغيل الشبكة الفلسطينية المستقلة".

 

عوائق متعددة

في السابق، كانت شركة الاتصالات الفلسطينية المسؤولة عن تغذية الضفة وغزة تحصل على الإنترنت من شركة "بيزك" الإسرائيلية، ليصبح الاحتلال بذلك هو المتحكم الوحيد في الإنترنت الواصل للفلسطينيين، حتى عام 2012، حين وقعت شركة الاتصالات الفلسطينية مع تركيا للحصول الإنترنت، وجدت السلطة نفسها تقف عاجزة، لسيطرة الاحتلال الكاملة على البحر، مما اضطرها إلى نقل الأسلاك عن طريق الأراضي المحتلة "عكا وحيفا" وتحت إشراف إسرائيل.

وتستغرق الموافقات الأمنية من قبل الاحتلال لاستيراد أي مواد تخص تطوير قطاع الاتصالات 6 أشهر على أقل تقدير، وتصل في أحيان كثيرة الى عامين، ما يمثل عائقا كبيرا يقف بين شركات الاتصالات الفلسطينية والتطور ومواكبة العالم، إذ لا يزال الفلسطينيون في غزة يعتمدون على إنترنت "الجيل الثاني" في وقت يتمتع فيه العالم بالجيل الخامس، ومنذ عام 2018 فقط سمح الاحتلال لسكان الضفة باستخدام الجيل الثالث من الإنترنت على هواتفهم المحمولة.

حتى الآن، لا تزال شبكة الإنترنت المتاحة في قطاع غزة هي من الجيل الثاني (2G). وقد تمت محاولات من قبل شركة الاتصالات الفلسطينية في الماضي لجلب معدات وأجهزة لتشغيل خدمة الجيل الثالث (3G) في غزة، ولكن الاحتلال منع دخولها. ومن ناحية أخرى، تمكنت الضفة الغربية من استقبال خدمة الجيل الثالث في عام 2018 بعد تدخل من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، خلال زيارته لبيت لحم في عام 2013.

في عام 2022، اقترحت الإدارة الأمريكية بعد زيارة الرئيس جو بايدن لبيت لحم منح الفلسطينيين صلاحيات لإدخال وتشغيل شبكتي الجيل الرابع (4G) والجيل الخامس (5G) في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك، لا تزال هذه العملية تحت التفاوض وتسير ببطء، وتتأثر بالسياسات الإسرائيلية والتطورات السياسية والقيود والعقوبات المفروضة على الفلسطينيين.

وقد أظهرت لقاءات بين فنيين فلسطينيين وإسرائيليين أن تشغيل شبكتي الجيل الرابع والخامس قد يتم في نهاية عام 2023. ولكن تغير الوضع بالكامل عقب عملية طوفان الأقصى والتي قام الاحتلال على إثرها بتدمير حتى وقت كتابة هذا التقرير 70% من الأبراج والبينة التحتية لقطاع الاتصالات. 


محاولات للتحرر

يزود غزة بالإنترنت 4 شركات رئيسية عاملة في القطاع، هي: الاتصالات الفلسطينية بالتل، مدى، فيوجن ، Digital Communication، والجميع يحصلون على الخدمة من خلال "بتسيك – Bezeq"، وهو مزود الاتصالات الحكومية في "إسرائيل.

وفي محاولات للتنصل عن القيود الإسرائيلية حاولت "بالتل" الشركة الفلسطينية للاتصالات الحصول على امتياز لتزويد الفلسطينيين بالإنترنت بشكل مستقل، ولكن أجبرتها سلطة الاحتلال أن تمرر الإنترنت لها عن طريق شركة Bezeq التابعة لها.

لم يستقر الحال على هذا فحسب، بل قامت سلطات الاحتلال منذ انسحابها عام 2005 بوضع سياج إلكتروني على طول الحدود مع القطاع يدعمه بكاميرات وأدوات تجسس ومراقبة ليس فقط على السكان ولكن تستخدمها للتحكم في التشويش على الشبكات ومدى تدفقه وجودته.

 

سرقة إسرائيلية

ومن أشكال القيود الإسرائيلية على الاتصالات، تضطر شركة بالتل إلى توجيه المكالمات جميعها بين الضفة الغربية وغزة، وحتى داخل غزة والضفة الغربية، عبر مقدمي الخدمة الإسرائيليين، ويقوم هؤلاء بتحصيل نسبة مئوية إضافية على جميع إيرادات الربط البيني من المكالمات بين الهواتف الأرضية والهواتف الخلوية الفلسطينية، وكذلك المكالمات بين الهواتف الخلوية للمشغلين الفلسطينيين والمشغلين الإسرائيليين.

وتمنع إسرائيل شركة بالتل من تشغيل بوابتها الدولية الخاصة، مما يتطلب من المشغلين الفلسطينيين المرور عبر شركة مسجلة في إسرائيل للوصول إلى الروابط الدولية. مثل هذه الممارسات تحقق أرباحًا سهلة لشركات الاتصالات الإسرائيلية، التي تقوم بتحصيل رسوم إنهاء المكالمات المحلية والدولية.

وقدر البنك الدولي أنه في الفترة من 2013 إلى 2015، بلغت خسارة إيرادات مشغلي الهاتف المحمول الفلسطينيين التي تعزى مباشرة إلى غياب الجيل الثالث ما بين 339 و742 مليون دولار أمريكي. فضلا عن ذلك، نظرا لأن أنشطتهم غير مصرح بها، فإن مشغلي الهاتف المحمول الإسرائيليين لا يدفعون رسوم الترخيص أو الضرائب للسلطة الفلسطينية، مستشهدين بقضايا الازدواج الضريبي. ولذلك، لا يعود جزء صغير من الأرباح الكبيرة الناتجة عن المستخدمين الفلسطينيين إلى الاقتصاد الفلسطيني.

وبما أن قطاع الاتصالات الإسرائيلي تمت خصخصته بالكامل، فإن الشركات الإسرائيلية والدولية الهادفة للربح، مثل شركة Altice ومقرها هولندا وشركة Bezeq الإسرائيلية، هي التي تستغل مجال الاتصالات الفلسطيني وتجني منه الأرباح.

ويبيع المشغلون الإسرائيليون شرائح SIM من الجيل الثالث والرابع (خاصة سيلكوم وأورانج) في الضفة الغربية، مما سمح لهم بامتصاص حصة من سوق الإنترنت الفلسطيني لأن الخدمات الإسرائيلية أرخص. ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى أن ما بين 20% إلى 40% من حصة سوق الاتصالات الفلسطينية يُسْتَوْلَى عليها من قبل المشغلين الإسرائيليين، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة في الإيرادات. وفي الواقع، وكما أشير في النظرة العامة، تشير التقديرات إلى أن المشغلين الفلسطينيين يخسرون ما بين 80 إلى 100 مليون دولار سنويًا نتيجة لنقص خدمات الجيل الثالث.

 

منافسة غير عادلة

وبعيدًا عن القيود التي يفرضها القانون الدولي على قوة الاحتلال التي تستفيد من احتلالها، فإن المنافسة من قبل المشغلين الإسرائيليين غير قانونية في عدة جوانب. ويغطي المشغلون المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية في انتهاك للمادة 36 (4.ب) من الملحق الثالث في الاتفاق الانتقالي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. فهم لا يخضعون للرقابة البيئية، ولا يدفعون ضرائب للسلطة الفلسطينية على بطاقات الاتصالات التي تباع في الضفة الغربية.


انتهاك صريح

حرم الفلسطينيون من الحق في بناء بوابة دولية مقرها فلسطين، بما في ذلك الأسلاك البحرية، والمحطات الأرضية الفضائية، وأنظمة الموجات الدقيقة، والألياف الضوئية، في انتهاك للقرارات 12 و18 و125 الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات.

وعندما طلبت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية إنشاء بوابة دولية فلسطينية في أواخر التسعينيات، وافقت إسرائيل على شرط استبعاد القدس الشرقية من الشبكة الفلسطينية، وهو الشرط الذي كان من المستحيل على الفلسطينيين قبوله، لأن هذا يعني اعترافهم بأن القدس الشرقية جزء من إسرائيل.

وبسبب القيود المفروضة على تطوير البنية التحتية، لا تستطيع أجهزة الإرسال الفلسطينية تغطية جميع مدن الضفة الغربية، ومن ثم لا يوجد اتصال أرضي مباشر داخل الضفة الغربية.

search