السبت، 06 يوليو 2024

06:20 م

مختار جمعة.. "ليس خالدًا فيها أبدًا"

الدكتور مختار جمعة

الدكتور مختار جمعة

سفاح التجمع

11 عامًا و4 حكومات متعاقبة و7 تعديلات وزارية، فضلًا عن إلغاء واستحداث أخرى، ظلّ الدكتور محمد مختار جمعة ثابتا في مكانه وزيرًا للأوقاف وسط كل هذه التغييرات، من يوليو 2013 حتى الشهر نفسه في العام الحالي 2024.

غادر الدكتور مختار جمعة منصب وزير الأوقاف بعد رحلة امتدت لأحد عشر عامًا، شهدت خلالها الوزارة تحديات وإثارة للجدل وصلت للبرلمان وحتى أروقة المحاكم. 

“بمنتهى الرضا” استقبل “جمعة” قرار مغادرته، بحسب ما عبّر عنه على “فيسبوك”، بعد الإعلان عن تولي الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، المهمة، ليقطع “مشوار النفس الطويل لأحد أبرز أقدم الوزراء في مصر”. 

تجديد أم تأبيد للخطاب الديني

في سبتمبر الماضي، احتفى “جمعة” بإحلال وتجديد 10500 مسجد على مستوى الجمهورية، بينما غاب عن هذا الإنجاز تجديد الخطاب الديني، وفق كثيرين. 

خطبة الجمعة الموّحدة من القرارات التي تبناها “جمعة” فور توليه المهمة لـ"تجديد الخطاب الديني ومواجهة الفوضى"، غير إن الخطة قوبلت بهجوم شديد.

هيئة كبار العلماء برئاسة الدكتور أحمد الطيب رفضت القرار في العام 2016، واعتبرتها “تسطيحًا للفكر وتجميدًا للخطاب الديني”.

مصادر داخل الوزارة قالت حينها في تصريحات لـ"الشرق الأوسط" إن “القرار لتأبيد الخطاب الديني، ومُجحف وغير صالح للتجديد”، فضلًا عن إقامة نحو 80 مواطنًا دعوى قضائية لإبطال القرار قبل أن تصدر المحكمة حكمها برفض الدعوى. 

الهجوم جعل الوزير حينها يتراجع عن “الخطبة الموحدة” طوال أغسطس من العام ذاته، قبل أن يعود في تنفيذها. 

في 2017، أعدّت الوزارة 270 موضوعًا لخطب الجمع مقدمًا لمدة 5 سنوات، وهو ما جعل “الخطاب الديني” منفصلًا عن الواقع ومشاكل المجتمع، فما يصلح لـ2017 بالطبع قد لا يصلح لـ2022.

ولعل أول خطبة للجمعة بعد أزمة الحجاج غير النظاميين الأخيرة في السعودية، جاءت عن “دور البحث العلمي في تقدم الأمم”، متجاهلة كارثة تؤلم المجتمع المصري، من دون معالجة دينية لقضية هي في الأساس صميم عمل الوزارة. 

مختار جمعة خطيبًا

احتكار خطبة الجمعة

وعلى مدار الـ11 عامًا، عمل الوزير صاحب “اللدغة الشهيرة” على اعتلاء منبر خطبة الجمعة على تلفزيون الدولة، وفي المناسبات الدينية المختلفة التي كان يحضرها رجال الدولة، فضلًا عن برنامج له عبر إذاعة القرآن الكريم تحت مسمى “خاطرة دعوية”، فكان يسمعها المصريون بـ"لدغة مميزة وحشرجة صوت معروفة"، بينما تراجعت أسماء نجوم الدعوة وخطباء المنابر، وهو ما دعا برلمانين وكتابا لمهاجمته بعدما اعتبروا أنه ليس الأنسب وصاحب القبول المنخفض. 

الكاتب الصحفي سليمان جودة هاجمه في مقال عنونه بـ"جمعة لم يخطب" المنشور بتاريخ 21 ديسمبر من العام 2020، بسبب احتكاره لخطبة الجمعة على تلفزيون الدولة، وقال فيه: "للمرة الأولى منذ فترة طويلة جداً، نقل تليفزيون الدولة صلاة الجمعة، دون أن يكون خطيبها هو الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف!".

وأضاف: "هو خطيب بارع لا شك.. ولكن القضية ليست براعته فى الخطابة، بقدر ما هي حاجة لدى التليفزيون إلى أن يخاطب جمهوره من المواطنين، ومن المصريين في الخارج، ومن الإخوة العرب الذين يتابعوننا، عبر أصوات مختلفة لا من خلال صوت واحد لا يتبدل".

وخلال مايو 2023، هاجمه محمد عبد العليم داود، عضو مجلس النواب، تحت قبة البرلمان في جلسة طلبات إحاطة لـ"جمعة" وقال: "بنشوف في الدول اللي حاولينا جمال الأذان والخُطب.. ودلوقتي بذكرك بحكم الحنابلة والشافعية والحنفية بعدم جواز إن الألدغ يؤذن للصلاة أو يقيم الشعائر.. مصر اللي قُريء فيها القرآن يبقى دا شكل الخطب اللي بنسمعها؟!!".

تعالت الأصوات المهاجمة له، وخصوصًا بعدما شكّل لجنة الانضباط والقيم بالوزارة معنية بإحالة الداعية إلى موظف واستبعاده من صعود المنبر. 

تأييد ثم تنصل 

مختار جمعة خريج كلية الدراسات العربية والإسلامية جامعة الأزهر، عُيّن أستاذا مساعدًا بها وانتُخب عميدًا، وأصبح عضوًا بالمكتب الفني لشيخ الأزهر خلال فترة ثورة 2011، وقبل أن يكون وزيرًا غازل في كلمة متلفزة تتداولها صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، الجماعات الإسلامية وقت سنة حكم الإخوان، فقال: "ماذا لو جاءت صناديق الاقتراع بأناس يريدون أن يحكمّوا شرع الله؟! هل نقبل ديمقراطية على جانب ونرفضها في جانب آخر.. هذه ديمقراطية عوجاء"، غير أنه بعد المنصب توّعد ووجّه بفصل أي عامل يثبت انتماؤه لجماعة أو تيار، وقال حينها "الانتماء لا يكون إلا للدين والوطن".

غلق المساجد وحظر التهجد 

أزمات “جمعة” داخل الوزاة لم تنته عند هذا الحد، ففي عام كورونا، أثار قرار غلق المساجد غضبًا واسعًا، وخصوصًا بعد إقالته أحمد القاضي المتحدث الرسمي للوزارة من منصبه بسبب تصريحه بأن الوزارة تدرس فتح المساجد لأداء صلاة التراويح في رمضان، وهو ما نفته الوزارة، وقالت إن هذه التصريحات لا تمثل الوزارة، ولذلك قررت إقالة ناطقها الرسمي. 

أيضًا قرار حظر صلاة التهجد في المساجد  خلال الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان، تراجع عنه “جمعة” بعد رد فعل شعبي واسع عبر مواقع التواصل، أثارته صور لمفتشي وزارة الأوقاف وهم يتجولون ليلا، للتأكد من إغلاق المساجد.

اتهامات بالمحسوبية 

موجه عاصفة واجهها “جمعة” في عام 2017، ووصلت إلى البرلمان بسبب ابنته شيماء التي جرى تعيينها في إحدى شركات البترول رغم أنها خريجة كلية الآداب البعيدة عن هذا المجال، في الوقت الذي يعاني فيه الآلاف من خريجي كليات الهندسة قسم بترول وتعدين من عدم الحصول على فرصة عمل.

النائب أشرف رحيم تقدم بطلب إحاطة عاجل يسأل فيه وزير البترول عن أسباب تعيين ابنة وزير الأوقاف، وهاجمه المحامي بالنقض نبيه الوحش فقال إن مصر ترجع للخلف بسبب الواسطة والمحسوبية، ولن تتقدم أبدًا للأمام.

مختار جمعة لم يرد على ما أثير حتى خرج المهندس محمد عبد العزيز رئيس شركة "ميدور" للبترول، وقال إن ابنة الوزير متفوقة وخضعت لاختبارات معقدة مكنتها من الوظيفة.

أموال الأوقاف

أموال الوقف كانت سببًا لهجوم برلماني شرس على جمعة العام الماضي، خلال مناقشة طلبات أكثر من 140 طلب إحاطة وسؤالا حول إنشاء وترميم وفرش المساجد، والخطاب الديني، والاهتمام بالخطباء ومقيمي الشعائر والعمال، وارتفاع القيمة الإيجارية لأراضي وأملاك الأوقاف، وتقنين أوضاع واضعى اليد، وإجراءات استبدال أراضي الأوقاف لإقامة مشروعات عامة.

النائب نشأت فؤاد عباس قال: “الوزارة أصبح اسمها وزارة الفساد المصرية”، والنائب محمد عبد العليم داود، عضو مجلس النواب، قال إن "الوزارة عملت في وقت سابق عقود لمساحة 40 ألف فدان في الساحل الشمالي لمجموعة عصابات؛ إلا أنه تم وقف هذه الجريمة".

وبحسب مختار جمعة فأموال الأوقاف تزيد كثيرا عن 100 مليار جنيه، وفي ديسمبر الماضي أعلن أن إجمالي المتحصلات من إيرادات هيئة الأوقاف المصرية خلال عام 2023 أكثر من 2 مليار و450 مليون جنيه.

وزارة الأوقاف تمتلك شراكات في أكثر من 20 شركة، دون وجود حصر حقيقي لأملاك الوازة ومواردها وأوقافها، وهو ما جعل النائب عبد المنعم إمام يقول له تحت قبة البرلمان: "سيادة الوزير.. زاد شاكوك وقل شاكروك اتق الله وارحل".

مجلس النواب واجه الوزير بالعديد من الأدوات الرقابية حول المشكلات المتعلقة بقطاع الأوقاف، وردّ حينها "جمعة" مستعرضًا أعمال التطوير للمساجد، وتحسين أحوال الأئمة والخطباء، وأكد أن بداية التعيين للإمام من حملة الليسانس 7250 جنيها، بينما حملة الدكتوراة يبلغ 7950 جنيها، وأن هناك 800 مليون جنيه من موارد الأوقاف تذهب لتحسين أحوال الأئمة.

وفي أبريل الماضي، قال “جمعة” خلال تكريم القراء والمبتهلين الذين أحيوا ليالي رمضان بمساجد الجمهورية، إن رواتب الأئمة “أعلى من أي مؤهل سواء كان علميّ أو أدبي، وأعلى من راتب تعيين المعيدين والأطباء والصيادلة والمهندسين.. الإمام يتقاضى راتبا 8 آلاف جنيه، قبل الزيادة الأخيرة والتي بلغت ألف جنيه، والعاملين بشمال سيناء تتراوح رواتبهم من 13 ألف إلى 16 ألف جنيه". 

search