السبت، 05 أكتوبر 2024

12:25 م

المسيح قبطي.. لي في مصر أكثر من كل شيء

رحلة العائلة المقدسة بمصر

رحلة العائلة المقدسة بمصر

تامر إبراهيم

A A

على بُعد أميال من أورشليم - القدس - كانت عذراء حُبلى تفترش أرض مذود بقر في بيت لحم، تتمخضّ حاملةً في رحمها نبوءة قديمة وبشرى جديدة.

كانت النبوءة القديمة تشير إلى آية في العهد القديم تقول “ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسم عِمَّانوئيل”، وهذا الاسم معناه “الله معنا”، والبشرى الجديدة كانت ظهور الملاك للعذراء المذكورة، قائلًا “ها أنتِ ستحبلين وتلدين ابنًا وتُسمينه يسوع”، وهذا الاسم معناه “الله يخلّص”.

النبوءة تتحقق

على الجانب الآخر من الحُبلى بالنبوءة والبشرى، كان هُناك رعاة يبيتون في العراء ويحرسون قطيع أغنامهم، حاملين بشرى تقول “أبشرّكم بفرح عظيم يعمّ الشعب كله، فقد ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص.. تجدون طفلًا ملفوفًا بقماط ونائمًا في مذودٍ”.

حزموا حقائبهم واقتادوا قطيعهم ذاهبين إلى بيت لحم، وما إن وصلوا إلى المذود المذكور، حتى وجدوا العذارء عَبَرت المخاض وأنجبت طفلًا، قدّموا له هدايا “ذهبًا ولبانًا ومرًا”، وانصرفوا إلى سبيلهم.

اهربوا إلى مصر

الملاك الذي بشّر العذراء وظهر للرعاة كرر ظهوره، لكن تلك المرة كانت دعوة لجوء وهروب. الملاك ظهر تلك المرة ليوسف النجار، قال له “قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه”.

من هُنا بدأت القصة، طرفها الأول الطفل “يسوع” وطرفها الثاني “مصر”. لكن القصة - التي بدأت بأمر هروب- ضاربة بجذورها في عمق التاريخ قبل ميلاد “يسوع” بمئات السنين.

النبوءة الأهم في العهد القديم كان نصها “من مصر دعوت ابني”، والتي يعتبرها المسيحيون في كافة التفسيرات أنها تخصّ عيسى المسيح، في إشارة إلى هروبه لمصر وقضاء سنوات طفولته الأولى على أرضها وبين شعبها، لتلحق بها مباركة لتلك الأمة جاء نصها “مبارك شعبي مصر”.

رحلة العائلة المقدسة بمصر

3500 كليومتر ذهابًا وإيابًا ترجمة دعوة الطفل من مصر، وبركة الله لشعبها، تلك المسافة هي التي قطعتها العائلة المقدسة من سيناء حتى أسيوط لاجئين لمصر وهاربين من بطش ملك يهودي، ووطأت أقدامهم 25 بقعة بالأرض التاريخية.

الطفل وأمه ويوسف النجار دخلوا مصر عبر معبر من مدينة “رينوكلورا” - معبر رفح بالعريش شمال سيناء- ثم شدّوا الترحال إلى “بلوزيوم” - الفرما شرق بورسعيد- ووصلوا بعدها إلى “بوباستيس” - تل بسطة بالزقازيق- بحسب موسوعة “من تراث القبط” التي نشرت في 2008.

ترحال الأسرة اللاجئة إلى ديار الأمان استمر، وقطار التنقل هز القضبان، فالأسرة تركت تل بسطة، وحطت في سخا بكفر الشيخ، ووجهت البوصلة في أعقابها إلى سمنود بالغربية، ثم وادي النطرون بالصحراء الغربية.

تجوال المسيح بمصر

من الحدود إلى الدلتا ثم إلى العاصمة، فالأسرة النازحة وصلت إلى مسطرد حيث شجرة مريم التاريخية ومُعجزة بئر الماء، وبعدها مصر القديمة ثم إلى المعادي التي عبّرت من خلالها النيل ذهابًا إلى جنوب مصر.

وصلت العائلة إلى المنيا ومنها إلى أسيوط التي دشن بها المسيح أول كنيسة بيده، ثم ذهبوا إلى درنكة، ليختتموا رحلتهم قبل أن يعودوا إلى بيت لحم بفلسطين.

تموَّج العائلة اللاجئة إلى حيث سلامتها وسلامة الكلمة التي غيّرت حيوات الملايين بعد ذلك، اختلف في تحديد مدته الزمنية المؤرخون، البعض قال إنها أكثر من عامين، وآخرون رأوا أنها 3 سنوات و6 أشهر أو 11 شهرًا، لكن دراسة على بردية قبطية قديمة أشارت إلى أن المسيح دخل مصر وعمره أقل من عامين وغادر منها وعمره تجاوز الخمس سنوات وبضعة أشهر.

مُبارك شعبي مصر

لولا تلك الشهور الطويلة، ما نجا يسوع المسيح من بطش ملك اليهود الذي ذبح الأطفال الصغيرة كلها من سن العامين فما دون، بعد أن وصفت المجوس الطفل يسوع بأنه “ملك اليهود”، فارتكب الملك مذبحة مفجعة، نجا منها الطفل بمعجزة اللجوء لمصر.

سنوات عدة عاشها المسيح بين الأقباط، مدللًا على سبب البركة في “مبارك شعبي مصر”، فما من منطقة أخرى حمت الطفل الصغير ليكبر بأمان ويستكمل رسالته، سنوات حقق فيها نبوءة “يكون مذبحًا للرب في وسط أرض مصر”، حيث دشّن أول كنيسة في العالم بيده. سنوات وشجرة مريم حاضرة ومغارة درنكة بأسيوط، وإنجيل عائم في المعادي، وكثير من الشهادات على رحلته بمصر، أكثر من تلك الموجودة في محل ميلاده بأضعاف مضاعفة.

المسيح قبطي

رغم لجوئه إلى مصر، لم يكن المسيح في مقام المهاجرين مطلقًا، بل كان قبطيًا في النشأة والتربية والأمان والإرث والنبوءة والوعود الإلهية، فيسوع المسيح له في مصر أكثر من كل شيء، ومصر لها فيه أكثر من كل شئ.. فالمسيح قبطي.

search