الجمعة، 02 أغسطس 2024

07:57 ص

عملاء وميليشيات.. الدول الاستعمارية تستبدل أدواتها

الإستعمار

الإستعمار

أسامة حماد

A A
نتيجة الثانوية العامة 2024

لقرون، كانت الدول الكبرى توفد الجيوش والأساطيل للسيطرة على البلدان الأضعف، والأكثر غنى بالثروات، تحكمها بالقوة، وتنهب خيراتها. فنظرة على خريطة أفريقيا عام 1939، أي قبل 86 عاما من اليوم، كانت مقسمة بكاملها بين إسبانيا وبريطانيا وفرنسا والبرتغال وروسيا واليونان.

ومع انتشار موجات التحرر في القرن الفائت، وسعي الشعوب للحصول على استقلالها، وتشكل نظام عالمي جديد، بدأت الدول الكبرى تكرس أشكالا جديدة للاستعمار، بحيث تستمر في نهب الثروات، لصالح شعوبها، على حساب الدول الأقل وعيًا.

الشكل الجديد للاحتلال، أقل خطورة وتكلفة، ويتلخص في إحلال أنظمة موالية، أو استقطاب جماعات داخلية تابعة لها، تحت مسمى “الإستعمار السياسي، أو الإمبريالية، أو التدخل في شؤون الدول”.

النفوذ الروسي في افريقيا 

روسيا التي كانت امبراطورية عظمى، وبعد شعورها بعدم الحصول على حصتها المفترضة من أفريقيا في الحقبة الاستعمارية كبقية الدول الكبرى، كان سببًا في أن تسعى لتمديد نفوذها السياسي في القارة، بما يخدم مصالحها، السياسية والاقتصادية. 

اختارت روسيا ليبيا لتكون بوابة فرض نفوذها بالقارة نظرًا لموقعها الاستراتيجى باعتبارها بوابة القارة الشمالية كما أنها تعد معبرا لجنوب الصحراء الكبرى فى إفريقيا والسودان والنيجر وغيرهما.

عملت روسيا على فرض نفوذها بأفريقيا عن طريق بناء كوادر لها عاطفة تجاهها، حيث توسعت في المنح الدراسية لأبناء القارة، حتى بلغت عام 2022، حوالَيْ 34 ألف طالب من سيراليون، نيجيريا، الكاميرون، تشاد، ساحل العاج، بنين، أنغولا، الكونغو الديمقراطية.

وفقًا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية عملت روسيا على تمديد نفوذها بالمنطقة الافريقية كالتالي:

-كثفت الولايات المتحدة في أكتوبر 2017، عقوباتها على السودان فطلب البشير روسيا مساندته ضد التدخلات الأمريكية مقابل اقامة قاعدة بحرية روسية ومنحها امتيازات تعدينية هامة، منها استخراج الذهب، وأصبح السودان مركزًا هامًا لروسيا ومحطة إمداد لمركبات فاجنر المتجهة إلى إفريقيا الوسطى.

-كما توسعت روسيا مؤخرا في دولة إفريقيا الوسطى، حيث أصبحت أقرب حليف للنظام، ويساند المستشارون الروس، حكومة افريقيا الوسطى في الأمور العسكرية والسياسية والاقتصادية.

 - هناك صلة شديدة بين التدخل الروسي في بوركينا فاسو والانسحاب الغربي، وفي الآونة الاخيرة أعلنت بوركينا فاسو أن لديها نية بإدخال اللغة الروسية كلغة للتعليم بدلًا من الفرنسية.

هذا بجانب الدعم السياسي الذي قدمته روسيا للحكومات في كل من الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وكينيا وجنوب إفريقيا.

النفوذ الايراني في بعض دول المنطقة 

يتميز التمدد الإيران في المنطقة، في وجود تداخل بين العقيدة الدينية والأيديولوجيا والسياسة، حيث تفرض ايران نفوذها في دول بالمنطقة (اليمن، وسوريا ولبنان والعراق)، عن طريق دعم بعض انظمة عدد منها كما هو في بغداد ودمشق أو من خلال دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله وجماعة انصار الله الحوثي، لتكون أوراق هجومية غير مباشرة تخدم مصالح طهران في صراعها مع خصومها الولايات المتحدة واسرائيل.

ومن حيث النطاق الجغرافي، أفسح الدور الإيراني في دمشق المجال لوجود تعاون مع روسيا لتكون حليفا استراتيجيا لها أمام التهديدات الامريكية والغربية، كما ان دعم إيران لجماعة الحوثيين في اليمن يحقق لها توسيع نفوذها في شبه الجزيرة العربية، ووقف انخراط السعودية في الأزمة السورية. 

نفوذ الولايات المتحدة في تايوان

تسعى الولايات المتحدة الامريكية إلى تمديد نفوذها  السياسي في تايوان والتي تحتل موقعا هاما في المنطقة الأكثر اهمية اقتصادية، فطورت واشنطن من أوجه التعاون التقني معها، فضلا عن الاستثمارات المالية الضخمة، بهدف الانتشار في السوق الإقليمية، والتأثير على صناعات منافستها الصين، كما تستخدمها كورقة ضغط للتأثير في السياسات الصينية.

كما أن السكوت الأمريكي عن التلويح باستخدام ورقة استقلال تايوان، كان مقابل السكوت الصيني على قضايا دولية عديدة، مثل غزو العراق.

انواع الاستعمار

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس الدكتور أيمن الرقب، عرف “الاستعمار السياسي” أنه سيطرة الدول على متخذي القرار في دولة أخرى، أو امتلاك ناصيتها السياسية دون إحتلال الأرض.

وأضاف الرقب خلال تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أنه تشكلت أدوات أخرى للاستعمار، وأصبح منه (السياسي والثقافي والاقتصادي)، واصفا الإستعمار العسكري بأنه واضح، تراه الشعوب كاحتلال يلزم مقاومته، بينما السياسي تكمن خطورته في إمكانية تضليل الشعوب وتبريره من بعض القوى الداخلية، بأنه يخدم مصالح الدولة ويحفظ حدودها ومقدراتها.

الدكتور ايمن الرقب

دول تمارس الاستعمار السياسي

يرى "أيمن الرقب أن الولايات المتحدة الأمريكية، هي أكثر من تنتهج طريقة الاستعمار السياسي بين الدول تليها روسيا ثم فرنسا وبريطانيا لكنها اقل حدة، كما أن هناك دولا تفرض استعمارا اقتصاديا مثل الصين، متابعًا: “الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بفرض توجهاتها بمنطقة الشرق الأوسط فقط، بل نالت من توجهات بعض الدول الأوربية الكبرى بما يخدم مصالحها، مثل حشد موقف واضح ضد روسيا وحلفائها.

الدول الحدودية

وواصل: بين الدول الحدودية تفرض الأقوى إرادتها السياسية، كبدل للصراع العسكري لتصبح صاحبة التأثير الأكبر مثل دولة باكستان لها توجه سياسي في دول الجوار، كما أن روسيا تجمل ممارساتها الاستعمارية من خلال تقديم خدمات للشعوب، مثلما تفعل في دول افريقيا من ترميم طرق والدعم الاقتصادي وبالتالي تستخدم التأثير السياسي الناعم في هذه الدول".

الاستعمار العسكري والسياسي

من جانبه أوضح اللواء “رشاد” لـ"تليجراف مصر"، أن الفارق بين الإستعمار العسكري والسياسي، أن الأول هو استخدام القوة العسكرية للسيطرة دولة اخرى بما يحقق أهدافا معينة، قد تتمثل في نهب الموارد أو االسيطرة على الأرض أو فرض توجهات.

وقال: "أما الإستعمار السياسي يتم من خلال فرض حصار على الدولة المستهدفة في كافة المجالات، حتى تترنح وتخضع لرغبات الدولة صاحبة الأهداف، متابعًا: “أنه يبدأ بتبنى فكرة الحصار الاقتصادي لإثارة الشعوب فتتولد الفوضى ثم انهيار يقود إلى تفكك وتقسيم الدول، وهذه خطة حديثة تتبعها أمريكا، حيث أن نجاح الاستعمار السياسي مرهون بضعف النظام الاقتصادي”.

اللواء محمد رشاد

وأضاف اللواء محمد رشاد،  أن الدول الكبرى لجأت حاليًا لإستخدام  الاستعمار السياسي بدلًا من العسكري حيث أن الأخير أصبحت نتائجة سلبية ومن الممكن ان يتحد مقاوموه على دحره، على عكس الأول والذي يكون من خلال خطة بعيدة المدى تؤدي إلى انهيار الدولة المستهدفة.

سياسات أمريكا ونفوذ إيران

ويرى وكيل المخابرات العامة الأسبق أن النفوذ الإيراني في بعض دول المنطقة (اليمن_ سوريا_ لبنان_ العراق)، مبني بالدرجة الأولى على قاعدة عقائدية شيعية، وليست فرض نفوذ سياسية بتلك الدول، كونها تمثل ركيزة المذهب الشيعي في العالم وتسعى لتقويته.

أفريقيا

وواصل “رغم جود نبض ثوري بالدول الأفريقية لطرد النفوذ الغربي، إلا أنها  ستكون مستقبلًا هي حلبة التناحر بين القوى الكبرى لفرض نفوذها السياسي، نظرًا لوفرة ثرواتها ومقدراتها حيث نرى خروج فرنسا من المشهد  وبداية تدخل روسيا بدلًا منها”.

 

تدخلات في الشؤون الداخلية

من جانبه أبدى أستاذ العلوم السياسية، حسن سلامة، عدم رضاه عن مسمى الاستعمار السياسي، ولكنه يري أن الوصف الأدق هو “التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.

وأشار “سلامة" في تصريحات لـ”تليجراف مصر" إلى أن الدول الكبرى لها وكلاء داخل الدول، مردفًا: “التدخلات الخارجية لابد أن تتم بمؤامرات داخلية، وهناك أشكال ضغوط أخرى تسمى المشروطية السياسية، وهي منع الدعم أو المعونة أو غيرها إلا بتنفيذ شرط سياسي معين مثل الإفراج عن المعتقلين أو تعديل قوانين”.

الدكتور حسن سلامة

متى بدأت التدخلات

وأردف أن فكرة التدخل في شؤن الدول بدأت مع بداية الألفية الثالثة حيث اتخذت أشكالا متعددة لجأت اليها القوى الكبرى مستفيدة من التكنولوجيا الرقمية والعولمة لأنها تمكنت من التدخل سياسيا واقتصاديا وثقافيا، كما أنها حاولت طمس الهويات، الأمر الذي له بعد سياسي خطير وليس فقط ثقافيا.

الإمبريالية

من جانبه قال الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، إن تحكم الدول في الأخرى لتحقيق مصالحها عن طريق فرض سيطرتها على الأنظمة، يسمى بالإمبريالية، والتي تهدف لتوسيع نطاق التحكم بالشعوب، بهدف زيادة فرض السيطرة السياسية والاقتصادية بالدول.

الدكتور حسن نافعة

حركات التحرر بالدول

وقال نافعة في تصريحات لـ"تليجراف مصر" إنه مع انتهاء الاستعمار التقليدي (العسكري) وظهور حركات التحرر في كل دول العالم، وحصلت الدول على استقلالها، ظهرت انواع أخرى من التبعية الإقتصادية أو الفكرية أو الأيدلوجية، لكن ظلت العلاقات الدولية يحكمها موازين القوة.

search