الجمعة، 18 أكتوبر 2024

08:41 ص

الشرير السمج .. وجماهير الأهلي!

تصنف جماهير كرة القدم بنادي بوكا جونيورز الأرجيتيني من الأكثر شغفا في العالم، ويطلق عليهم اسم الـ "12" باعتبارهم لاعباً أساسياً في فريقهم.
وقناعتي أن جماهير النادي الأهلي لا تقل شغفاً عن مشجعي بوكا جونيورز، فلم أر هذا التعلق الذي يصل إلى درجة الهوس بين المحبين للأهلي من مختلف الفئات والأعمار.
لقد ارتكبت إدارة نادي بيراميدز خطأ كارثيًّا حين نقلت المنافسة إلى المدرجات، وقررت رفع أسعار التذاكر قبل المباراة الفاصلة في عمر أقرب دوري من الفريق السماوي، إذ استفزت جماهير يصعب مقارعتها إطلاقاً!
ويمكنكم الرجوع إلى مباراة الأهلي ضد الهلال السعودي في بطولة كأس العالم للأندية التي أقيمت في العاصمة أبوظبي، فقد غزت جماهير الأهلي الملعب مبكرًا، ولم تترك سوى مدرج واحد محاصر بالأعلام الحمراء من كل اتجاه!

في لحظة فريدة من تلك المباراة التي لا تنسى، سمعنا جماهير الأهلي تطلق أطرف هتاف يمكن أن تسمعه كمتابع لكرة القدم " إذ هتفت في صوت واحد "إلعب يا هلال .. إلعب يا هلال" معبرة عن حالة الاستسلام الواضحة التي سيطرت على لاعبي الفريق السعودي، وهو يتلقى هزيمة مذلة أمام العملاق المصري!

كرة القدم، ليس مجرد لعبة، ومن يعتقد ذلك واهم على الإطلاق، إنها سياسة واقتصاد وفن وأدب وتاريخ، فلا يمكن التقليل من شغف المليارات من البشر حول العالم الذين يتابعونها بشغف، وحماس وولاء وولع!

يقول الكاتب المكسيكي الشهير خوان بيورو إن لكل من الأدب وكرة القدم قواعد متشابهة، رغم أنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين، إذ أنهما كفيلان بإثارة المشاعر، فقارئ النص الأدبي يقسم الشخصيات حسب الصراع الدائر بين الخير والشر، تماما كما تفعل جماهير كرة القدم، إذ تعتبر المباراة صراعًا بين طرفين!

لقد اختارت إدارة بيراميدز بكل سذاجة أن تلعب دور الشرير في المشهد الكروي خلال الموسم الحالي، ويا ليتها لعبته بكاريزما الشرير الساحر الذي يستهوي فئة غير قليلة من المشاهدين، كما وصفهم الممثل الجميل باسم سمرة في مسلسل "العتاولة" حين قال " إن الناس يحبون الشرير"، لكن هذه الإدارة لعبت الدور بسماجة غير مناسبة للذوق العام في مصر، بل وفشلت في اجتذاب جماهير نادي الزمالك رغم عدائهم التاريخي للأهلي، لأنها استفزت الجمهور في كرامته، حين اعتقدت أنها سوف تلوي ذراعه بثمن التذكرة!

يالها من زلة مهينة ارتدت في صدور أصحابها، فالمصريون شعروا بقدر كبيرة من الغضب، ومن ثم جاء تدخل إدارة الأهلي ذكياً وفي وقته، حين قررت تحمل ثمن التذكرة عن جماهير، فرفع المشجعون في المدرجات لافتة إنسانية رائعة " عائلة واحدة".

في عام 1982 كانت دولة الهندوراس تحلم بكتابة تاريخ جديد في كرة القدم من خلال مشاركتها في مباريات كأس العالم بإسبانيا، لكنها فشلت في مباراة فاصلة، فكتب شاعرها المهم دينيس آفيلا قصيدة خالدة يحكي فيه عن الهدف الأول لبلاده في هذه البطولة قائلاً “ كان لا بد أن يكون رمزاً وطنياً”

نتفق أو نختلف حول قيمة كرة القدم، وما إذا كانت ملهاة للشعوب ووسيلة لتشتيتهم عن المطالبة بحقوقهم الأساسية في الحياة، إلا أنها ستظل شغفاً للمليارات من البشر، وإلا ما كان الأسطورة الأرجنتيني دييجو ماردونا محبوب الشعراء وملهمهم.

كرة القدم، هذه القطعة المستديرة من الجلد، تعزز من شعور المشجعين بالانتماء والهوية، فعندما يشجع الشخص فريقاً يشعر بأنه جزء من مجتمع كبير يشاركه نفس الشعف والحماس، ويمتد هذه الانتماء ليشمل المدن والدول.

وراء كل مباراة قدم قصة إنسانية مؤثرة، مثل التي شاهدناها أمس بين الأهلي وبيراميدز، فثمة نار تحت الرماد بين لاعب الأهلي حسين الشحات ولاعب بيراميدز محمد الشيبي، امتدت شراراتها بقسوة خلال اللقاء، فالأخير حاول الانتقام بطريقة مخزية من الأول، لكن بشكل عام هذا جزء من جنون هذه اللعبة التي تعد وسيلة للهروب من ضغوط الحياة اليومية والهموم التي تحاصر الناس من كل اتجاه.

جماهير الاهلي والزمالك في مصر لهم ذائقة فريدة، وهم بمثابة قصة إنسانية ملهمة ، وملحمة شعبية مستمرة، لذا من الذكاء عدم استفزازهم أو الدخول في حرب معهم، فكم من خاسرين سقطوا في معارك سابقة حين سيطر عليهم وهم التفوق على هذه الجماهير.

search