الخميس، 21 نوفمبر 2024

09:07 م

صفعة على وجه كريم

قال الله عز وجل في محكم التنزيل "يرفع الله الذين آمنوا منكم، والذين أوتوا العلم درجات"، فجعل درجة العلم بعد الإيمان مباشرة، ليرسّخ قيمته وأهميته، فالعلم هو منارة الدول والشعوب لطريق النهوض والتقدم والتنمية، 
ولم تبرز أمة في الماضي أو الحاضر وينهض أهلها دون اتخاذ العلم سبيلاً لذلك، ولا نزال حتى يومنا هذا نستند إلى إرث عريق خلّفه لنا أجدادنا بفضل تفوقهم في العلوم المختلفة، وآثارهم التي تبهر العالم أجمع خير شاهد على ذلك.
قبل أن نتطرق إلى قضية هذا المقال، اسمح لي عزيزي القارئ أن أحكي لك مشهدًا تاريخيًّا صادمًا في مسار إحدى أغنى الدول في العالم، وهي سنغافورة.
بعد استقلالها عن بريطانيا، انضمت سنغافورة إلى الاتحاد الفيدرالي الماليزي، لكن لم يدم الأمر طويلاً، إذ طردها البرلمان الماليزي من الاتحاد لأسباب أبرزها أن سنغافورة عبء اقتصادي على ماليزيا، فضلاً عن أن شعبها اتسم بالقذارة وعدم التحضر، واعتبر كثير من المؤرخين أن هذه سابقة مؤلمة، بأن تتخلى دولة طواعية عن جزء من أرضها.
وقف مؤسس سنغافورة الرجل العظيم لي كوان يو باكياً أمام شعبه، متجرعاً مرارة الذل والهوان، إذ أنه كافح للانضمام إلى ماليزيا، ولم يتخيل أن تستأصل بلاده كورم سرطاني حتى تواجه مصيرها المظلم وحيدة فقيرة بائسة.
قال كوان يو لشعبه، لن ينقذنا أحد سوى أنفسنا، ولا سبيل أمامنا غير التعليم، وتبرّع السكان بالغالي والنفيس لانتشال بلادهم من الجهل والفقر والقذارة، وقاد الرجل بلاده على مدار ثلاثة عقود متتالية، نقلها خلال جيل واحد، من جزيرة متخلّفة أقل من أن تكون دولة بالعالم الثالث، إلى بلد متطور ومركز اقتصادي عالمي ينافس على صدارة العالم الأول، وصار المواطن هناك الأعلى دخلاً، ويتسم بالتحضر والنظافة والثقافة.


قس على سنغافورة عشرات النماذج الأخرى لبلدان أدركت أهمية العلم، وقيمة المعلم، فوضعته فوق الرؤوس، ورسخت له مكانة خاصة، وحصانة تصل إلى التقديس، فتحوّلت بفضله إلى قوى علمية واقتصادية عظيمة.
ما سبق كان مقدمة ضرورية للتطرق إلى واقعة تورّط نائبة بالبرلمان في حالة غش أثناء امتحانات كلية الحقوق جامعة جنوب الوادي، ثم اعتدائها بالصفع على خدّ كريم لأستاذة جامعية ضبطتها متلبّسة.
 

لا أخفيكم القول بأني مصدوم للغاية مما فعلته النائبة، ولن أتطرق إلى التفاصيل حتى تنتهي التحقيقات ويتضح جلياً حقيقة ما حدث، لكن أتمنى لو ثبت تورطها أن يتخذ مجلس النواب موقفاً حاسماً حيالها، ومن بعده الدولة بأجهزتها ذات الصلة، وكذلك حزب الوفد العريق الذي تمثله – بكل أسف- فهذا الحزب قاده ذات يوم رجال عظماء تحصنوا بالعلم والثقافة، لأن ما حدث موجع، ويهز قيمة المعلم في أسمى درجاته وهو الأستاذ الجامعي.
 

يجب أن يتمتع كل معلم مهما بلغ حجم الدور الذي يقوم به، بالحصانة اللازمة لحمايته من سلوكيات الطلاب الجانحين، وعنف فئة من أولياء الأمور، الذي يرسّخون الجهل في نفوس وعقول أبنائهم، حين يعتدون على معلميهم بسبب شكوى الابن، أو كرد على فعل لمحاولة المعلم تقويمه.
 

مصر في وضعها الحالي بأمس الحاجة إلى الاهتمام بالعلم، ولا يمكن أن يتحقق ذلك دون تعظيم دور المعلم، وتأهيله وتكريمه، فهو المرشد والراعي والطريق إلى النجاح والتنمية.
أكنّ حتى يومنا مشاعر التقدير والاحترام لأساتذتي، فلولاهم ما حققت شيئا من نجاح يذكر لي في الوقت الراهن. 
وفي كل مؤلف أعمل عليه، أو كتاب أنشره، أو مقال أكتبه أتذكر فضل هؤلاء، وهذا ليس مثالية على الإطلاق، فالمولى عز وجل حثنا على ذلك "ولا تنسوا الفضل بينكم".
صفعة هذه النائبة هوت على وجوهنا جميعاً، وليس على وجه الأستاذة الجامعية فقط، لقد آذت مشاعرنا ووجداننا ومسّت كرامتنا، ويجب أن تُحاسب على ذلك.
هناك تجاوزات لا يمكن التعامل معها باعتبارها فردية على الإطلاق، لأن تأثيرها بالغ السوء على الجماعة، فإذا كان هذا سلوك نائبة تمثّل الشعب، فكيف يمكن أن يكون تصرف طالب أو فرد عادي في المجتمع.
قال الله تعالى "قل هل يستوى الذي يعلمون والذين لا يعلمون".. بالطبع لا يستوون، إلا في دول متعثرة بائسة تحطّ من قيمة العلم والمعلم، وبلادنا ليست كذلك، لذا فإن المحاسبة ضرورية ويجب أن تكون سريعة وناجزة حتى يكون المخطئ عبرة للجميع.

أخبار متعلقة

أن تكون رجلاً

01 يناير 2024 07:07 م

search