الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:10 م

دموع على بطاقة تموين.. معركة "البطون الخاوية" يخوضها أطفال (خاص)

البطاقة التموينية

البطاقة التموينية

منى الصاوي

A A

كانت تحمل ابنتها الصغيرة على كتفيها، ، استقلت "التوكتوك"، متجهة نحو محكمة الأسرة، المكان الذي سيحمل لها بداية جديدة، أو ربما نهاية لألم طال أمده.

غرفة المداولة

جلست "هناء"، ذات الثلاثين ربيعًا، أمام غرفة المداولة، تنتظر دورها، ساعتان كاملتان مرتا كدهرٍ، كل دقيقة تعيد شريط حياتها البائسة مع زوجها، مشاهد من الأزمات والمشكلات، من الضرب والإهانة والتوبيخ، تتوالى أمام عينيها، سبع سنوات قضتها في هذا الجحيم وهي تتمسك بقول الله عز وجل: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"، إلا أن طبيعة زوجها القاسية كانت أقوى من قوة إيمانها، سئمت العيش في ظل أجواء مسمومة وقررت الانفصال.

الاعتداء على الزوجات - تعبيرية

عاهة مستديمة

تقول هناء لـ "تليجراف مصر"، "بدأت معاناتي في عام 2019، عندما تجرأ زوجي على ضربي بآلة حادة، وكاد أن يتسبب لي في عاهة مستديمة، إذ طالت الضربة شبكية العين اليمنى، لم أتحمل المزيد من العنف والإهانة، فقررت رفع دعوى خلع".
وتضيف: "كانت رحلة طويلة وشاقة في أروقة المحاكم، حيث واجهت ضغوطًا ومساومات للتنازل عن حقوقي، حتى أن طليقي أجبرني على التوقيع على ورقة إبراء ذمة من كافة المستحقات الزوجية".

صولات وجولات بالمحاكم

بعد صولات وجولات في المحاكم، تقول هناء: "حصلت أخيرًا على حكم الطلاق منذ 4 سنوات، لكني لا أزال أكافح للحصول على حقوقي كاملة، ولتوفير حياة كريمة لابنتي بعيدًا عن شبح العنف والظلم".
تضيف، "لم تقتصر تلك الرحلة المريرة على هذا الحد، بل استطعت انتزاع حكمًا إلزاميًا من المحكمة بنفقة قدرت بنحو 1300 جنيه، بعد نحو 5 أشهر من دعوى الخلع، نظرًا لأنه يعمل بإحدى شركات النظافة ولم يتخط دخله الشهري المثبت فعليًا في كشوف الرواتب نحو 4 آلاف جنيه."

ظروف عصيبة

حاولت بشتى الطرق أن أجد فرصة عمل تلاءم الظروف العصيبة التي عصفت بي وابنتي، إلى أن وجدتها في تنظيف سلالم البيوت في منطقة “إمبابة”، واستطعت أن أوفر قوت صغيرتي من "عرق جبيني".
ورغم نجاتي بحياتي وابنتي، ظللت مكبلة بقيود زوجي السابق الذي استمر في استغلال بطاقة التموين العائلية، التي تحمل اسمه، للحصول على السلع المدعمة والخبز المخصص لي وللطفلة.

معركة انتزاع الحقوق

معركة جديدة خضتها لانتزاع حقوق ابنتي في "لقمة عيش"، توجهت إلى مكتب التموين بمنطقة "إمبابة" حيث مقر السكن، وقدمت مستخرج حكم الخلع، في محاولة بائسة للحصول على الدعم التمويني المستحق لنا.
وتقول، "وبين مطرقة الفقر وسندان الظلم، ضللت طريق حياة ما بعد الانفصال، فمن ناحية، أعاني ضائقة مالية بسبب الغلاء وما فرضته الأوضاع الاقتصادية على الجميع، ومن ناحية أخرى، أواجه تحدي حرمان ابنتي من حصتهما المستحقة من الدعم التمويني".
لم تنتهِ معاناتي عند هذا الحد، فموظف التموين رفض فصل ابنتي عن بطاقة أبيها وإضافتها إلى بطاقتي الجديدة، إلا بحكم محكمة يثبت أني الحاضنة لها.

الاعتداء على الزوجات - تعبيرية

حكم بالخلع

تضيف، "قدمت مستخرجًا لحكم الخلع، وقسيمة الطلاق والأحكام القضائية التي تلزم الأب بدفع نفقة ابنته، ورغم هذه الأدلة الدامغة على أحقيتي في الحصول على الدعم التمويني للطفلة، فإن موظف التموين ظل متعنتًا في موقفه، رافضًا فصل الصغيرة عن بطاقة أبيهما وإضافتها إلى بطاقتي التموينية".

سداد النفقة

في بعض الأحيان يمتنع الأب عن سداد النفقة، أو يقوم بسداد نفقة زهيدة تحت ضغط صدور حكم قضائي ضده، كما يرفض منح طليقته بطاقة التموين الخاصة به، ما يحرم الأبناء من حقهم في الحصول على الدعم الحكومي للسلع التموينية الأساسية.
وفي خطوة تعكس التزام الحكومة المصرية بدعم الفئات الأكثر احتياجًا، أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية في يوليو 2022، عن حق المرأة المطلقة في الحصول على بطاقة تموينية مستقلة، دون الحاجة إلى موافقة الزوج السابق.


حقوق المطلقات

يأتي القرار ليضع حدًا للمعاناة التي كانت تواجهها العديد من المطلقات في الحصول على الدعم التمويني لأبنائهن، حيث كان يتطلب الأمر في السابق الحصول على موافقة الزوج أو اللجوء إلى القضاء، بحسب ما صرح به المتحدث الرسمي باسم وزارة التموين، أحمد كمال.
ويضيف، "بموجب القرار الجديد، يمكن للمرأة المطلقة التقدم بطلب للحصول على بطاقة تموينية جديدة بمجرد تقديم وثيقة الطلاق الرسمية إلى مكتب التموين، كما يمكنها إضافة أبنائها إلى بطاقتها الجديدة فورًا، شريطة تقديم شهادة الحضانة الصادرة من المحكمة".

وزارة التموين

وأكد استمرار حق الأبناء في الاستفادة من الدعم التمويني والخبز حتى بعد طلاق والديهم، وفي إطار الحرص على توفير الدعم اللازم للأمهات المطلقات وأبنائهن، أتاحت الوزارة إمكانية نقل الأبناء من البطاقة التموينية للأب إلى بطاقة الأم في حال حصولها على حكم قضائي بحضانتهم.

حكم بالحضانة

وتابع، "بهذا الصدد، يمكن للأم المطلقة التي حصلت على حكم الحضانة التوجه إلى مكتب التموين أو المديرية التموينية المختصة وتقديم طلب لضم أبنائها إلى بطاقتها التموينية، ويتطلب ذلك تقديم صورة من حكم المحكمة بالحضانة، بالإضافة إلى بطاقة الرقم القومي الخاصة بها وبطاقتها التموينية".

شروط محددة

ووضعت وزارة التموين شروطًا محددة لإضافة أبناء المرأة المطلقة غير المدرجين في منظومة الدعم إلى بطاقتها التموينية، تشمل:

حكم الحضانة
يجب أن يكون لدى الأم حكم قضائي صادر من المحكمة يثبت حضانتها للأبناء.
عدد الأبناء
يمكن إضافة ثلاثة أبناء فقط إلى بطاقة الأم التموينية.
سن الأبناء
يجب ألا يقل عمر الأبناء المراد إضافتهم عن 4 سنوات.
الأسر الأولى بالرعاية
يجب أن تكون أسرة الأم من الأسر الأولى بالرعاية والأكثر استحقاقًا للدعم.
الدخل
إذا كانت الأم من أصحاب المعاشات، يجب ألا يزيد معاشها عن 2700 جنيه، وإذا كانت موظفة، يجب ألا يتخطى راتبها الشهري 3000 جنيه.

شروط وزارة التموين لاستخراج بطاقة تموين جديدة


فصل بطاقة التموين

ومن جانبه، أوضح المحامي بالنقض هاني عبادة، أن انفصال الزوجين سواء بالخلع أو الطلاق، يترتب عليه فصل بطاقة التموين الخاصة بالمرأة عن زوجها السابق. 
ويوكد أنه في حال كان الأبناء مسجلين على بطاقة الأب، يتعين على الأم تقديم إثبات قانوني لحضانتها لهم، وليس مجرد الولاية التعليمية، لكي تتمكن من فصلهم من بطاقة الأب وإضافتهم إلى بطاقتها التموينية.
وأشار عبادة إلى أنه في حالة عدم وجود حكم قضائي بحضانة الأطفال، يمكن للأم التقدم بطلب إلى النيابة العامة للحصول على الحضانة، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمهم إلى بطاقتها التموينية.

إحصاءات الزواج والطلاق في مصر في لآخر عامين


حضانة الأطفال

وأكد المحامي بالنقض، أن القانون يمنح الأم حق حضانة أطفالها بشكل تلقائي حتى يبلغوا سن 15 عامًا، وفي حال تجاوز الأطفال هذا السن، يمكن للأب رفع دعوى قضائية للمطالبة بالحضانة، ويقوم القاضي بتحديد الحاضن بناءً على مصلحة الطفل ورغبته.
وشدد عبادة على أن الأم لا تحتاج لإثبات حضانتها للأطفال طالما كانوا يعيشون معها ولديها شهادات ميلادهم، ولا ينبغي على موظفي الجهات الحكومية المبالغة في طلب الإجراءات بحجة منع التلاعب، خاصة وأن 
القانون واضح في هذا الشأن.
وأكد أن القانون المصري لا ينص على عقوبة بشأن سرقة أحد الأطراف المواد التموينية من شريكه السابق.

إجراءات عاجلة

دعا المحامي بالنقض، وزير التموين والتجارة الداخلية، الدكتور شريف فاروق، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لتسهيل حصول أبناء المطلقات على الدعم التمويني. 
وطالب بإصدار قرارات تسمح بإصدار بطاقات تموينية استثنائية للأبناء لحين الفصل في النزاعات القضائية المتعلقة بالحضانة، وذلك لضمان حصولهم على السلع التموينية الأساسية دون انقطاع.

إحصاءات صادمة

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عام 2022 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الزواج والطلاق في مصر، حيث بلغ عدد عقود الزواج 929,428 عقدًا، بمعدل 9.0 لكل ألف من السكان.
وفي المقابل، سجلت حالات الطلاق ارتفاعًا هي الأخرى، حيث بلغ عددها 269,834 حالة، بمعدل 2.7 لكل ألف من السكان.

إحصاءات الزواج والطلاق في مصر في لآخر عامين


إذلال وعبودية

ومن جانبها، حذرت أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الدكتورة عزة فتحي، من لجوء بعض الأزواج المصريين إلى العقاب المادي للزوجة كوسيلة للسيطرة والضغط في حالات الخلافات الزوجية. واعتبرت هذا السلوك "نوعًا من الإذلال والعبودية" يتعارض مع مبادئ الكرامة الإنسانية والمساواة بين الزوجين.

إحصاءات الزواج والطلاق في مصر في لآخر عامين


العقاب المادي

وأكدت فتحي أهمية استقلال المرأة ماديًا، ليس فقط لتلبية احتياجاتها الشخصية، بل أيضًا لضمان قدرتها على رعاية أطفالها في حال الانفصال أو تعنت الزوج في تحمل مسؤولياته المالية تجاههم.
وشددت على الأثر النفسي السلبي الذي يتركه الحرمان المادي على الأطفال، حيث يؤدي إلى شعورهم بالدونية وعدم الاستحقاق، ويهز ثقتهم في الأب كرمز للقوة والحماية.

إحصاءات الزواج والطلاق في مصر في لآخر عامين


العزوف عن الزواج

وحذرت من أن استمرار هذا التعامل التعسفي بين الزوجين، دون مراعاة لنفسية الأبناء، سيؤدي إلى خلق جيل مشوه نفسيًا، ويزيد من عزوف الشباب عن الزواج، مما يهدد استقرار الأسرة والمجتمع.
وأكدت الدكتورة عزة فتحي، ضرورة رفع الوعي بقضايا العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الاقتصادي، الذي غالبًا ما يكون خفيًا وغير مرئي، ولكنه يترك آثارًا مدمرة على حياة النساء والأطفال.

تضافر الجهود

ودعت إلى ضرورة تضافر جهود جميع المؤسسات المعنية، الحكومية والأهلية، لمكافحة العنف الاقتصادي ضد المرأة، وتوفير الدعم اللازم للنساء المعنفات، وتعزيز ثقافة المساواة والاحترام بين الزوجين.
 

search