الإثنين، 16 سبتمبر 2024

11:22 م

كعب داير على حقنة أنسولين.. ورئيس غرفة صناعة الدواء في "ويك إند"

مرضى السكري- صورة تعبيرية

مرضى السكري- صورة تعبيرية

منى الصاوي

A A

وجه مصّفر وشفتان تلونت بالحبر الأزرق، وفقدان للوعي شبه كامل، بتلك الحالة دخل أحمد الفرماوي، البالغ من العمر 65 عامًا، إلى طوارئ مستشفى الدمرداش فجر الجمعة الماضي، مستقلًا "ترولي" بينما يبحث صديقه عن سرير في الغرفة الواسعة المكتظة بالمرضى والأطباء.

حالة صحية حرجة

حالته الصحية الحرجة كانت محط اهتمام الأطباء الذين سارعوا بالكشف عليه، خضع لإجراءات أولية معتادة في حالات الطوارئ، مثل قياس ضغط الدم والسكر ومستوى الأكسجين في الدم، لتبدأ بعدها رحلة العلاج بعد التشخيص.

أشارت قراءة جهاز قياس السكر إلى أن المريض دخل في غيبوبة سكرية، حيث عجز الجهاز عن قراءة مستوى السكر العشوائي في الدم.
مجرد أن لامس الجهاز نقطة الدم، تحولت الشاشة إلى حرف "H"، ما يشير إلى أن مستوى السكر تجاوز الحد المسموح به بكثير، وربما تجاوز 700 ملليجرام/ديسيلتر.

غرفة عمليات مصغرة

تشكلت غرفة عمليات مصغرة سريعًا، وبدأ الأطباء بفحص المريض بدقة، بينما جهز طاقم التمريض محلول الملح المضاف إليه الأنسولين المائي، كما تم سحب عينة دم إضافية لإرسالها إلى معمل التحاليل لقياس نسبة الغازات في الدم، ومستوى الأسيتون، وتأكيد مستوى السكر.

لحظات معدودة، وبدأ المحلول المشبع بالأنسولين يسري في وريد "الفرماوي" الذي بدأ يستعيد تركيزه ببطء شديد. 
بدأ يتحدث إلى الأطباء قائلًا: "لقد نفد أنسوليني ولم أتناول الدواء منذ عشرة أيام، بحثت عنه في كل الصيدليات، حتى في السوق السوداء، ولم أجده (أنسولين مستورد)، ولكن بسبب ارتفاع سعره، اضطررت إلى اللجوء إلى الأنواع المحلية."

رحلة البحث عن الأنسولين

"أصبح العثور على جرعة أنسولين أصعب بكثير من الحصول على المخدرات، وكأننا نبحث عن إبرة في كوم قش"، هكذا وصف أحمد الفرماوي، في حديثه لـ “تليجراف مصر"، محنته مع نقص الأنسولين التي كادت أن تودي بحياته.
وروى تفاصيل معاناته مع المضاعفات الصحية الخطيرة التي نجمت عن هذا النقص، مؤكدًا أن الأزمة لا تزال مستمرة.
الطوابير الطويلة التي امتدت أمام صيدلية الإسعاف بوسط البلد تكشف عن أزمة حقيقية في نقص الأدوية بشكل عام، والأنسولين على وجه الخصوص.

الطوابير أمام صيدلية الإسعاف

صيدلية الإسعاف

في محاولة لفهم عمق الأزمة، خاضت محررة "تليجراف مصر" تجربة شخصية للحصول على حقنة أنسولين، ففي تمام الساعة السادسة صباحًا، وقفت في طابور السيدات أمام الصيدلية المذكورة، وبعد انتظار دام ثلاث ساعات، جاء دورها أخيرًا.

"لو سمحت أنا عندي السكر، وعايزة حقنة أنسولين (ساكسيندا)، إلا أن رد موظف الشباك كان صادمًا بالنسبة لها، "بطاقتك يا أستاذة وروشتة وتحليل سكر لم يمر عليه يومين من النهاردة"، لتجيب هي: أنا مش معايا فلوس أعمل تحليل، ومعنديش تأمين صحي ومبشتغلش، وبستلف تمن الحقنة.

ليرد عليها الموظف قائلًا، "مينفعش نصرف الدوا غير بالأوراق دي، اتفضلي يا أستاذة خلينا نشوف شغلنا".
 

تواصل محررة تليجراف مصر مع إحدى الصيدليات

رد صادم

قبل خوض تجربتها في صيدلية الإسعاف، تجولت المحررة في العديد من الصيدليات بوسط البلد والدقي والعجوزة وغمرة والعباسية وبولاق الدكرور وأرض اللواء، تسأل عن الأنسولين، وكانت الإجابة واحدة في جميع الصيدليات: "لا يوجد أنسولين". 

رحة البحث عن حقة أنسولين

السوق السوداء

اقترح عليها أحد الصيادلة اللجوء إلى مندوبي الشركات الذين يبيعون الدواء في السوق السوداء بأسعار مرتفعة للغاية.
دخلت إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بحثًا عن "حقها في الأنسولين"، إلا أن آلاف المنشورات أكدت المعاناة التي يعيشها الصيادلة وغيرهم في ظل الأزمة الدوائية الحادة التي تضرب المرضى.

السكّري عن الأطفال

امتد نقص الأنسولين إلى الأطفال أيضًا، حيث نشرت والدة طفل مصاب بالسكري منشورًا على منصة "فيسبوك" أثار تفاعلًا واسعًا، تساءلت فيه: "هل يمكنني استخدام أنسولين منتهي الصلاحية منذ شهرين لابني؟".

أزمة الأنسولين تطال الأطفال


وزارة الصحة على خط الأزمة

وفي 22 أغسطس الماضي، كتبت وزارة الصحة والسكان على صفحتها الرسمية "بفيسبوك"، منشورًا قالت فيه: "في ظل متابعة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان لتوافر الأنسولين في الأسواق تم وصول عدد 902.000 من شحنات الأنسولين المكستارد فيال، و126.000 علبة من المكستارد  Penfill وسيتم توزيعها خلال الأيام الثلاثة القادمة".


إجازة أسبوعية

تواصل "تليجراف مصر"، مع رئيس غرفة صناعة الدواء، الدكتور جمال الليثي، وجاء رده صادمًا، حيث قال "أنا في إجازة، مينفعش صحفي يتواصل معايا في (ويك إند)".. وبانفعال شديد تساءل مستنكرًا، "هو في إيه يا جماعة؟".

اتحاد الغرف التجارية

أكد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، الدكتور علي عوف، أن قطاع الأدوية شهد تحسنًا ملحوظًا في أزمة نقص الأنسولين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، نافياً وجود أزمة حادة كما يشاع. 
وأضاف عوف أن بعض الجهات تسعى إلى تضخيم هذه الأزمة لأسباب غير معروفة، مشيرًا إلى أن استخدام بعض أنواع الأنسولين للتخسيس من قبل غير المصابين بالسكري يزيد من الطلب ويؤثر على توافره في السوق.

شعبة الأدوية

وكشف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، عن وجود كميات كافية من الأنسولين في صيدليات الإسعاف المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية. 
وأشار عوف إلى وجود ظاهرة سلبية تتمثل في قيام بعض الأشخاص بشراء الأنسولين بأسعار مدعمة من الصيدليات ثم بيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، مما يؤثر على توافر الدواء للمرضى المحتاجين.

هيئة الدواء

كما أكد عوف على الدور المحوري لهيئة الدواء في تنظيم توزيع الأنسولين، حيث قامت بتخصيص حصة محددة لكل صيدلية لضمان وصول الدواء إلى أكبر عدد ممكن من المرضى. وأشار إلى أن هذه الجهود أسفرت عن توفير الأنسولين في حوالي 50 ألف صيدلية على مستوى الجمهورية.
وأضاف أن المواطنين يمكنهم بسهولة الحصول على الأنسولين من خلال الاتصال على الرقم المختصر 16682 الخاص بصيدليات الإسعاف، وبناءً على طلب المريض، تقوم الصيدلية بتوجيهه إلى أقرب فرع متوفر فيه الدواء المطلوب.

إجراءات قانونية حازمة

ودعا الدكتور علي عوف المواطنين إلى الإبلاغ عن أي صيدلية ترفض صرف الأنسولين، مؤكدًا أنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين.
كما حذر من استغلال بعض الصيدليات للأزمة وبيع الأنسولين بأسعار مرتفعة، داعيًا المواطنين للتواصل مع هيئة الدواء للإبلاغ عن أي مخالفات.

المستشفيات الحكومية

ونفى عوف وجود أزمة نقص في الأنسولين بالمستشفيات الحكومية، مؤكدًا أن الصيدليات تتلقى إمدادات كافية تصل إلى نصف مليون علبة أسبوعيًا.
وأرجع الأزمة السابقة لتوقف مؤقت في إنتاج شركة "نوفو نورديسك"، أكبر منتجي الأنسولين في مصر، مؤكدًا أن الشركة عادت حاليًا لتوريد منتجاتها للسوق المحلي، والأزمة ستختفي تمامًا خلال أسبوع على الأكثر.

المعهد القومي للسكر

ومن جانبه، نفى عميد المعهد القومي للسكر والغدد الصماء، الدكتور إيهاب نبيل، في تصريح مقتضب لـ "تليجراف مصر"، وجود أزمة أنسولين في المعهد، وأكد أن أنواع الأنسولين متوفرة في المعهد لعلاج مرضى السكري.

تهديد لصحة المرضى

فيما أشار استشاري الغدد الصماء، الدكتور محمد عرفات، إلى أن داء السكري، سواء من النوع الأول أو الثاني، يمثل تهديداً حقيقياً لصحة الإنسان، فارتفاع مستوى السكر في الدم، الناتج عن هذا المرض، يفتح الباب لمجموعة واسعة من المضاعفات الصحية الخطيرة التي تهدد الحياة.

أعراض شائعة

وأضاف، " "لا يقتصر داء السكري على ارتفاع مستوى السكر في الدم فحسب، بل يرتبط بمجموعة واسعة من الأعراض التي تؤثر على مختلف أجهزة الجسم، فبالإضافة إلى العطش الشديد والتعب، قد يعاني المصابون من مشاكل في الرؤية، وتأخر التئام الجروح، وزيادة خطر الإصابة بالعدوى، فضلاً عن تغيرات في المزاج.

قنبلة موقوتة

وتابع،  "يُعتبر مرض السكري بمثابة قنبلة موقوتة للقلب، فمرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بنوبات قلبية وسكتات دماغية وتصلب الشرايين، بالإضافة إلى آلام في الصدر".
وأضاف استشاري الغدد الصماء، ألا يقتصر تأثير السكري على ارتفاع السكر في الدم، بل يتعداه إلى التأثير على الجهاز الهضمي، إذ يشعر مريض السكري بأعراض مزعجة بدءًا من الغثيان وانتهاءً بمشاكل في الجهاز الهضمي.

search