الخميس، 19 سبتمبر 2024

04:28 ص

لماذا نخاف من الفشل؟!

شعور ثقيل أشبه بطقس حار رطب يعجزك عن التنفس بصورة طبيعية، يلازمه عادة ألم في المعدة والأمعاء، وبعض الأعراض الأخرى، مثل قضم الأظافر! 

الأفكار تتزاحم في رأسك، هل أغادر منطقة الراحة التي أستوطنها منذ سنوات أو شهور، كموظف أو طالب أو اياً كان وضعك الدراسي والوظيفي، وأنطلق في مغامرة غير محددة المعالم، أو مأمونة العواقب؟! 

هل اقفز إلى المجهول، وأبدأ مشروعي الخاص في عالم أقرب إلى بحر مخيف متلاطم الأمواج، وأنا الذي تعلمت لتوي السباحة، ولم أختبر نفسي في ظروف مماثلة من قبل! مأساتك تزيد إذا أخفقت سابقاً في تجربة ما، حتى لو كانت مختلفة كلياً، عما تواجهه حالياً، تفكر ألف مرة، ويرهقك الأمر كثيراً! 

هل تستسلم لواقعك المضني الذي تدرك جيداً أنه يقيدك، ويحاصرك، ويوفر لك شعوراً زائفاً بالأمان، وانت تنطلق صباحاً إلى المكان نفسه، وتعود إلى بيتك بعد يوم طويل يستهلكك، دون أن يعود عليك بفائدة تذكر، سوى أنك مجرد كائن حي يدور في دائرة مفرغة، ويشعر بالفزع إذا اقترب من جدرانها؟! علمياً، هناك ما يعرف بـ رهاب الفشل، "أتيكيوفوبيا" وهذا كاف لئلا تلوم نفسك على قهرها وقمعها ومنعها من الإقدام وتجربة الجديد، فالعلم يدعمك يا صديقي، ويخبرك أنك لست وحدك الذي يخاف من الفشل! 

رهاب الفشل هو خوف حقيقي يمنع الناس في معظم الأحيان من الارتقاء، واتخاذ قرارات وخطوات مهمة في حياتهم، ومن ثم يقيد قدرتهم على الإبداع ويحول دون تطورهم وانطلاقهم إلى المستقبل. 

أنا شخصياً قهرت هذا الرهاب منذ سنوات طويلة، وفي عمر مبكرة، لذا أجد مبرراً للحديث معكم عن هذا الأمر، إذ أتيحت لي فرصة البقاء آمناً مطمئناً في منطقة الراحة، تلك الدائرة المفرغة التي أتحدث عنها، لكن لسبب ما لم أشعر أن هذا الوضع يناسبني، فسافرت تاركاً ورائي مخاوفي وقيودي وأوهامي الزائفة بأن ما تعرفه أفضل مما لا تعرفه، ومتخلصاً من الأفكار والأقوال التي تعزز الكسل والتراخي والاستسلام للخوف من عينة "من خرج من داره اتقل مقدراه" وعصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة!

 سافرت، وعملت في مكان مناسب، ثم قررت تأسيس مشروعي الخاص، وهكذا انطلقت إلى عالم أراه أفضل الآن، ولا شك أن التوفيق حالفني، لكن صدقوني يأتي الحظ لطالبه فقط، ولا يمكن أن تُنال الأماني بالتمني! 

تحرروا من مخاوفكم، ودعكم من الأفكار الكلاسيكية البالية، المتعلقة بمستقبلكم ومستقبل أبنائكم، وكيف سيعانون إذا لم يتفوقوا في دراستهم، أو رعبكم من فكرة ابتعادهم عنكم سواء للدراسة أو العمل.. 

هناك عشرات من النماذج في محيط كل منا، لأشخاص حققوا طفرات وقفزات هائلة إلى الأمام، دون أن يتوقع لهم أحد ذلك، لأنهم بكل بساطة غامروا وتحرروا من رهاب الفشل! البدائل أصبحت محدودة، والحكومة سواء في مصر أو معظم دول العالم، لم تعد قادرة على القيام بدور المربية أو الحاضنة لمواطنيها، وتغيرت خريطة الوظائف في ظل التطور التكنولوجي المرعب، واستبدال الإنسان بالآلة في كثير من المهن. 

لذا أرجوكم، وأنصحكم بالتفكير خارج الصندوق، وإن كان قطار التغيير فاتكم، فادفعوا أبناءكم لذلك، دعوهم يعيشون تجاربهم الشخصية، ولا تثيروا الرعب في نفوسهم، وتدفعوهم بسذاجة إلى السير في طريق يبدو لكم أكثر أماناً، فالعالم متغير بشكل مذهل، وإذا لم يتحل الشاب بالإبداع والشجاعة وروح المغامرة، فسيظل محلك سر، مثلك تماماً سيدي الموظف المستقر في منطقة راحتك البائسة! 

هناك خطوات عززها العلم للتخلص من رهاب الفشل، أولها الاعتراف بالمشكلة من خلال حديث صادق مع النفس، وإقرار بأن من القبح أن تعيش أسيراً لأحقاد تسيطر عليك تجاه الآخرين الناجحين، الذين زاملوك في مرحلة ما، لكنهم خاضوا التجربة والمغامرة مبكرة. تحدث إلى نفسك، كأنك تنصح شخصاً آخر، فالإفصاح والاعتراف كفيلان بنقك إلى عالم أفضل، ثم اتخذ قرارك وغامر، واعلم أنك لن تمر بأسوأ مما أنت فيه.

بمرور الوقت سوف تزداد ثقتك بنفسك، ويصبح تفكيرك أكثر إيجابية وتتحرر من سجن مخاوفك اللعين الذي تحبس نفسك فيه طواعية.. اعترف، وتحرر وبادر، وصدقني مهما بلغ عمرك، فرصتك في الأفضل لم تفت، ولا يزال العمر في يدك، وكم من أثرياء ونابهين ونابغين حققوا النجاح في مرحلة متأخرة في حياتهم، لأنهم لم يتوقفوا يوماً عن المحاولة..

search