الأربعاء، 25 سبتمبر 2024

08:19 ص

تشويه وانحطاط وتحريض على الكراهية!

شاهدت مثل مئات الآلاف وربما الملايين فيديو فتاة فيصل التي ظهرت مذعورة خائفة تدعي تعرضها للملاحقة في الشارع من خمسة أشخاص ينتمون إلى دولة عربية لجأ كثير من أبنائها إلى مصر في ظل ما تتعرض له بلادهم من ويلات وحروب!

المراهقة التي تصنف طفلة قانوناً في ظل أن عمرها لم يتجاوز 17 عاماً، أفزعت الكثيرين حين ذكرت أن أحدهم حاول سحب حقيبتها بعنف، حين همت بركوب سيارة، فسقطت على الأرض وكادت أن تفقد الوعي، ولم يهب لنجدتها سوى شخص واحد تعرض للاعتداء بدوره من قبل مهاجميها الذين سحلوها وضربوها قبل أن يستولوا على حقيبتها ويفروا هاربين!

حين تشاهد فيديو الواقعة تشعر بكثير من الحيرة، فمن الصعب أن يحدث هذا في شوارع مصر تحت أنظار أهلها، خصوصاً في ظل أن الفتاة مصرية، بينما ينتمي المعتدون - حسب روايتها- إلى جنسية أخرى، ومن ثم فمن الطبيعي أن يدافع عنها بنو جلدتها، لأننا لم نفقد نخوتنا إلى هذه الدرجة!

ولا أخفيكم قولاً، رغم حالة الهوس الجنونية بالشهرة والرغبة في الانتشار وتحقيق المشاهدات من قبل مجانين السوشيال ميديا، إلا أنني استبعدت فبركة الواقعة لأن من الطبيعي أن تحقق الأجهزة الأمنية في ملابساتها وتصل إلى الحقيقة، ولم أتخيل أن تغامر تلك الفتاة وتضع نفسها تحت طائلة المساءلة القانونية بهذه السذاجة!
الغريب أن هذا ما حدث بالفعل، لقد كذبت تلك الطفلة، وأتقنت التمثيل أمام الكاميرا، وادعت زوراً وبهتاناً على فئة تدرك جيداً أن هناك حالة من التشنج حيالهم، وكل ذلك بغرض زيادة عدد متابعيها وتحقيق عدد أكثر من المشاهدات!

نحن ننحدر أخلاقياً لدرجة مروعة ومخيفة، وكثير من المقاطع التي تمر أمامي مقزز ومخجل ومشين، فالبيوت لم تعد مستورة، والحرمات تنتهك عن عمد، والعلاقات الأسرية سواء بين الأزواج أو الآباء والأبناء صارت ملكاً للمتابعين، يتحكمون فيما يفضح وما يستر!

سيصيبك الغثيان بلا شك حين تشاهد محتوى تطبيق تيك توك، فالرغبة في تحقيق الشهرة والثراء السريع فرضت نوعاً من الابتذال والسخافة والانحطاط منقطع النظير، والغريب أن هذه المنصة بنمطها المتداول عالمياً، غير مسموح بها في بلدها "الصين"، التي تسمح بإصدار مختلف مصمم لحماية شبابها والحفاظ على نسيج المجتمع وانضباطه!

تخيلوا معي أن الصين لا تسمح بتداول منصتها على أرضها، إلا وفق شروط معينة منها تفعيل وضع "المراهقين" الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً لحمايتهم، وتقيد فترة استخدامهم للتطبيق الذي يحمل هناك اسم "دويين" بـ 40 دقيقة يومياً فقط، لضمان حصولهم على قسط كاف من النوم، ولا يعرض عليهم من خلال تلك المنصة سوى محتوى مختار بعناية لإلهامهم ومساعدتهم علمياً وصحياً بشكل مسلٍ غير ضار!

وتمتد الرقابة إلى البالغين كذلك، إذ يرصد الوقت الذي يقضونه على هذه المنصة وغيرها، ومراقبة نوع المحتوى الذي يشاهده!

ولدينا هنا إشكالية جديرة بالتأمل، فالأمريكيون أنفسهم أبدوا ملاحظات جوهرية على سلوك الصين، وقال كبير مسؤولي البرامج في وزارة الدفاع الأمريكية نيكولاس تشايلان إن الصين تعزز الغباء لدى الآخرين من خلال محتوى تيك توك، فيما تحمي مجتمعها من هذه الخطر عبر تطبيق لا يتشابه مع تيك توك سوى في آلية عرض المحتوى فقط، لكنه مفلتر كلياً ومعزز بمحتوى علمي وتعليمي وتاريخي!

وهنا، نقف في حيرة بين تأييد حرية الفرد في اختيار المحتوى الذي يناسبه مثلما تفعل أمريكا وأوروبا، أو فرض رقابة صارمة مثلما تفعل الصين!

وأعتقد أننا يجب أن نختار المناسب لمجتمعنا وتقاليدنا، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة ويفلت الزمام أكثر من ذلك.

هناك حاجة ماسة للمحاسبة، فليس من المعقول أن تدعي فتاة تعرضها للاعتداء في الشارع، وتثير الغضب والكراهية تجاه فئة من المجتمع، ضيوف يعيشون بيننا في سلام واطمئنان، وتتعمد إظهار شوارعنا مرتعاً للعنف والجريمة، وفي النهاية تمر الواقعة مرور الكرام!

لقد كشفت تحقيقات النيابة العامة كذب الواقعة كلياً، بعد تحرك أجهزة الأمن وفحص كاميرات المراقبة في المنطقة التي ادعت تعرضها للادعاء فيها، وبمواجهتها بالأدلة اعترفت بأنها اختلقت القصة كلياً لتحقيق مزيد من الشهرة والمتابعين!

يجب أن يدرك كل منا أن هناك محاسبة لما ينشره أو يكتبه عبر حسابه في السوشيال ميديا، وأنا -وإن كنت أرفض الرقابة الصارمة- أرى ضرورة حماية المجتمع وتحصينه من الأفكار الشاذة والغريبة والهوس المدمر بالشهرة، من خلال سن قوانين رادعة وتطبيقها بصرامة على المتجاوزين، فبلادنا أفضل كثيراً مما يظهرها هؤلاء!

search