الإثنين، 30 سبتمبر 2024

03:10 م

الساحليون الأصليون.. والبشر الحقيقيون!

"أنا باحب الحاجات الحقيقية، والناس الحقيقية" عبارة استوقفتني من مقطع فيديو للفنان أحمد فهمي في لقاء مع الإعلامي الرياضي إبراهيم فايق، يصف فيها رواد الساحل الشمالي، وكيف يعزف عن الذهاب إلى هناك، لشعوره بالزيف والتصنع في كثير من التصرفات والسلوكيات والأشخاص.

"أنا رايح أصيف" هكذا وصف فهمي رحلته إلى البحر، منتقدًا من يتعمدون التباهي بالسيارات الفارهة، والساعات الفخمة، مفضلاً الذهاب إلى مناطق أكثر بساطة وجمالاً مثل دهب ونويبع، التي تستقطب أشخاصًا طبيعيين، يرتدون أي شيء دون تكلف أو تصنع أو مباهاة!

فيديو 30 ثانية لخص – من وجهة نظري- حالة عامة تسيطر على الكثيرين، سواء كانوا أثرياء أو فقراء، إذ يعيش معظمنا حياة لا تناسبه، ويفرض على نفسه نفقات لا يطيقها حتى تكتمل الصورة الزائفة التي يرسمها لنفسه!
لقد تحولنا إلى عبيد لأغراض ومظاهر وأسلوب معيشة لا تناسبنا على الإطلاق، فصار امتلاك هاتف مثل آيفون هدفاً سامياً نقترض، بل ربما يسرق البعض من أجله.

وقس على ذلك سوق الملابس والمنتجات المقلدة الأكثر رواجًا لدى الشعوب الأكثر فقراً، وهذا سلوك يعكس برأيي نوعاً من الاضطراب السلوكي، فلماذا أشترى قميصًا أو حذاء مقلدًا من علامة تجارية شهيرة، وأسير مهزوزاً غير واثق من نفسي بين الناس معتقداً أني مفضوح بما أرتديه!

فيما أن هناك منتجات أصلية من علامات أقل شهرة، نعزف عن شرائها لمجرد التمسح بطبقة لا ننتمي إليها، وفئة ربما أوتي أهلها الثراء لكن لم ينالوا نصيباً من حظوظ أخرى لدينا!

أعرف كثيرين يشتركون في "جمعيات نقدية" لتوفير ثمن بضعة أيام في الساحل الشرير، ويحزنني كثيراً أن يقف أحدهم على بوابة شاطئ في أحد منتجعات الساحل يتوسل لموظفي الأمن حتى يسمحوا له بالدخول!

لا شك أن الفنان أحمد فهمي لديه ما يكفي لشراء فيلا وليس مجرد استئجار شاليه أو غرفة في أحد منتجعات الساحل الفاخرة، لكنه يختار ألا يعيش داحل كذبة كبيرة، وينأى بنفسه عن الاختلاط بأشخاص يزن كل منهم الآخر حسب فئة سيارته وماركة ساعته، وما إذا كان مالكاً "أونر" أو مستأجراً!

هناك كثيرون مثل أحمد فهمي – وأنا منهم – لا ينسجمون مع أجواء الساحل الشمالي، ولا أصدر هنا أحكامًا عامة، لكن بكل شفافية، ما يحدث هناك بعيد كل البعد عن مقاصد الراحة والاسترخاء، فالساحليون الأصليون من الملاك يتعاملون بازدراء مع المستأجرين، ويميزونهم جيدًا، فيما يشعر المستأجرون في قرارة أنفسهم أنهم لا ينتمون إلى المكان، لكنهم مستعدون لبذل كل مدخراتهم من أجل صورة تعزز وجودهم في أحد شواطئ مراسي أو هاسيندا أو لافيستا وغيرها من المنتجعات الفخمة!

التقيت أحدهم في دبي، قضى إجازة في منتجع "هاسيندا وايت" بالساحل الشمالي، فأخبرته أنني أعرف "هاسيندا باي" فرد عليه بكل ثقة، “لا .. هناك فرق كبير بين المنتجعين، دول ناس.. ودول ناس تاني خالص” ليس لدي أي نزعات اشتراكية، بل العكس تماماً، أؤمن أن من حق كل شخص أن يستمتع بما يملكه، لكن أكره التصنع والتكلف، والتعالي على البشر بسلوكيات تعزز الأحقاد والكراهية بين طبقات المجتمع!

المستثمرون العقاريون في هذه المناطق يبيعون للناس "الأبهة" بعشرات الملايين، ولولا أنها بضاعة رائجة في مصر لما وصلت الأسعار إلى هذه الدرجة الجنونية، 

شاب لطيف يتحدث المصرية وإنجليزية بشياكة، اتصل بي يبشرني بإطلاق مشروع سكني بالغ الفخامة في الساحل الشمالي، وأنني محظوظ بكوني من المختارين للحصول على فيلا أو شاليه بسعر تنافسي يبدأ من 16 مليون جنيه!
سألته بكل تواضع، لماذا أدفع هذا المبلغ في وحدة لا تسكن سوى ثلاثة أشهر في العام على أقصى تقدير؟!

رد بكل ثقة، إننا نختار الملاك بعناية، وندقق في سيرتهم الذاتية لنضمن أنهم ينتمون إلى الطبقة ذاتها، يشبه بعضهم بعضًا، وشخص في مكانتي يجب أن يتملك هناك!

اعتذرت بلطافة، بعد أن شكرته على مجاملة ليست في محلها، فالإنسان لا يجب أن يوزن بقدر ثروته أو منصبه أو موقعه في الساحل الشمالي!

أخبار متعلقة

search