الخميس، 21 نوفمبر 2024

08:48 م

متى تحول الضيوف إلى تهديد وعبء؟!

سبحان الله وبلا مقدمات، ضاقت مصر بما رحبتْ على أشقائنا السوريين والسودانيين واليمنيين وغيرهم، وتعالت أصوات على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بطردهم من البلاد، لما يمثلونه من عبء على اقتصادنا، وتهديد لهويتنا!!

مصر التي تميزت على مدار تاريخها بالتعددية، واستقبلت كل أجناس الأرض تقريباً، وكانت موطناً دافئاً للمهاجرين من الجنوب والشمال والشرق والغرب، صارت فجأة في خطر محدق بسبب ضيوف آمنين، تحولوا لأصحاب بيت من فرط محبتهم لوطن وجدوا فيه ضالتهم من ألفة وأمان وتعايش وفرص!!

هناك نحو 15 مليون مصري يعيشون في الخارج، بين مهاجرين ومغتربين يعملون بشكل مؤقت في دول الخليج وغيرها، وربما لا توجد دولة في العالم لا يقصدها مصريون، فهل نتحمل جرح معاملتهم كلاجئين يجب طردهم!!

أدرك جيداً أن الظروف الاقتصادية صعبة، والحياة باتت خانقة في كثير من الجوانب، لكن هل ضيوفنا السبب؟

 لا اعتقد، فهم لا يحصلون على أي نوع من الإعانات الداخلية فيما عد تيسيرات تقدمها الدولة بواجب الشقيقة الكبرى التي تحتضن دون شكوى، وتساعد دون تذمر، مدركة أن هذا هو شيم الكبار وإلا ما اعتبرت كذلك، أو عوملت وفق هذا الاعتبار!

بقدرة قادرة تحول السوريون إلى منافسين في كل القطاعات، وصنفت الشاورما السورية كمهدد لشاورمتنا المحلية الرائعة، دون النظر إلى أبواب الرزق الكثيرة التي فتحتها هذه المطاعم في كل مكان لآلاف من المصريين الذي يعملون بجد وإخلاص.

وتحول الحديث إلى ما يشبه النميمة المقيتة حول تهديد المرأة السورية لمكانة نظيرتها المصرية في قلوب رجال البلد، دون أي اعتبار للظرف الذي قررت فيها ترك وطن كانت تعيش به معززة مكرمة إلى بلد غريب!!

الرحمة مطلوبة، ومن يسافر إلى بعض الدول الأوربية وغيرها يعاني مرارة التمييز العنصري، ويدرك قيمة الوطن مهما كان الفارق في مستوى المعيشة والخدمات!!

ارحم تُرحم، فهذا زمن صعب يسوده الشر والخسة والوضاعة، ولا يجب أن نكون نحن والظروف على أشقاء ضاقت بهم بلادهم، وعانوا ويلات التشتيت والدمار والقتل.

ولدي قناعة راسخة بأن السواد الأعظم من المصريين لديهم نفس المشاعر الإنسانية النبيلة تجاه ضيوفنا العرب، فوجودهم بيننا ليس غريباً أو مستحدثاً، وهناك مناطق يسكنها الأشقاء منذ عقود، تزوجوا منا وتزوجنا منهم، فانصهروا في بلادنا وتحولوا إلى أبناء وطن حقيقيين.

حين تسافر إلى دول خليجية أصيلة تسمع كلمة "مصر العروبة" لأن هذا هو قدر مصر، حتى لو عانت اقتصادياً، فنحن لا نستخدم مفردات مثل "اللاجئين" ولا نحبها أو نستسيغها، ولعل هذا الذي أنقذ بلادنا من ويلات كثيرة، مثل تبعات الربيع العربي المشؤوم!

وكل ما ذكرت سلفاً، لا يتنافى إطلاقاً مع ضرورة تقنين أوضاع الضيوف، وتدقيق أعدادهم الحقيقية، وحصر ما تتحمله بلادنا من كلفة، ليس على سبيل المتاجرة، لكن حتى لا يزايد علينا طرف خارجي، أو يقلل من دورنا كوطن يستوعب الجميع..

أدرك أن الظروف تغيرت، وضعفت قدرة بلادنا على تحمل عبء إضافي، عكس أوضاعنا حين استقبلنا ضيوفاً من العراق بعد نشوب حرب الخليج، وقبلهم من الكويت حين حدث الغزو العراقي لبلادهم، ثم اليمن وسوريا والسودان، وأتمنى أن لا تتفاقم الأوضاع في بلدان أخرى، لكن لم يحدث أن استخدمنا هذه اللغة في التعبير عن ضيقنا منهم، ولم يجرؤ كائن من كان على المطالبة بطردهم!

تسعة ملايين لاجئ، رقم كبير بلا شك لو كان دقيقاً، لذا من الضروري إيجاد حلول، والمصارحة بشأن أوضاعنا، لكن هذا واجب حكومي، دون أن نضع الشعب نفسه في مواجهة مع ضيوف كانوا وسيظلوا محل ترحاب وتفهم..

كثير من الضيوف السوريين قدموا إلى بلادنا حاملين أفكار وإمكانات ساهمت في إقامة مشروعات تجارية وخدمية في مناطق عدة، خصوصاً بالقاهرة والاسكندرية والمحافظات الكبرى، لذا لا يمكن اعتبارهم عبئاً بأي حال من الأحوال، فأنا أعرف عدداً كبيراً منهم، وهم شعب شغول مبدع في كل القطاعات، لكن دونهم من الضيوف سيعاني مثل كثير منا بالتأكيد، في ظل صعوبة العيش وضيق الفرص وضعف الموارد، ومن ثم ليس عيباً أن نطلب المساعدة من أطراف أخرى يجب أن تتحمل مسؤولياتها في رعايتهم إلى أن يعودوا معززين مكرمين إلى أوطانهم..

أن تعطي حتى لو بصعوبة، أفضل من أن تكون محتاجاً أو مشرداً، فلا تفقدوا بلادنا هويتها كوطن يفتح ذراعيه للجميع بترحاب ومحبة .. فهذه هي مصر.

search