الجمعة، 22 نوفمبر 2024

04:01 م

سنوات عجاف!!

صار الحديث عن الوضع الاقتصادي في مصر مثيراً للشجن، فجميعنا مدرك لحجم المشكلة والتحديات التي تواجهها البلاد في الوقت الراهن، ولا نكاد نفيق من أزمة حتى تصدمنا أخرى، لكن يظل أداء الحكومة الحالية أبرز أسباب ما نمر به من مصاعب، تحتاج إلى معجزة للتغلب عليها.
لا نحتاج إلى يوسف الصديق حتى يفتنا، فما نمر به الآن، كانت مؤشراته أوضح من أن تكون رؤيا سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، ويقتنع الجميع، بمن فيهم أعضاء البرلمان، أن هذه الحكومة لم تستعد إطلاقاً للأسوأ!
 

أقضي فترات طويلة في الخارج بحكم عملي، وأدرك جيداً حجم التراجع في تحويلات المصريين بالخارج، في ظل عدم استقرار سعر الصرف، والفجوة الرهيبة بين المتداول رسميًا، والمتوافر بالسوق السوداء، ولا أعتقد أن الحكومة جاهلة بذلك، كما لا أستوعب عدم إيجاد حلول طوال السنوات الأخيرة، حتى استوحش هذا السوق، والتهم معظم ما يدخل إلى البلاد من عملة أجنبية عن طريق أبنائها بالخارج!
غالبية المغتربين المصريين ينفقون على ذويهم في بلادهم، لذا لا يمكن أن تتوقف تحويلاتهم، لكن كيف لعاقل أن يحوّل بسعر صرف رسمي 40 جنيهًا للدولار، فيما يعرض عليه آخر 63 جنيهاً؟!
بالطبع لا يمكن لأحد أن يزايد عليهم، فلو أن رئيس المصرف المركزي نفسه يعمل بالخارج، سيحوّل أمواله عبر السوق السوداء، لذا يجب أن نُعمِل المنطق، ونصل إلى حلول تفيد الدولة وأبناءها.
بيانات البنك المركزي المصري بشأن معاملات الاقتصاد مع العالم الخارجي، خلال العام المالي 2022-2023، أظهرت تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال العام المالي الماضي، إلى 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي 2021-2022، وهذا يعني أن مصر خسرت أكثر من عشرة مليارات دولار من مصدر واحد فقط، وأجزم أن الخسائر الحقيقية أكبر كثيرًا من المعلنة.
"لا يمكن أن تكرر الفعل نفسه، وتتوقع نتيجة مختلفة"، قاعدة منطقية لا ينكرها عاقل، لكننا نكرّر الأخطاء ذاتها طوال الوقت، غير مدركين أن السياسات الاقتصادية التي نطبّقها، عبارة عن حبل نلفّه يومًا بعد الآخر حول رقبتنا، والنتيجة تضاعف حجم الديون الخارجية والداخلية، لدرجة أصبحت خانقة  لمجرد التفكير فيها، وتخيل تبعاتها وعواقبها على عشرات الأجيال في المستقبل!
لقد زرت عدداً لا بأس به من الدول، ولا تزال مصر من وجهة نظري أفضل الوجهات العالمية للسائح بكل فئاته، لكن للأسف لا يقصد بلادنا سوى عدد ضئيل مقارنة بمقاصد فقيرة في كل شيء، وتجذب أضعاف ما يفد إلينا من سياح، وبكل أسف لم نفعل شيئًا يذكر لتطوير هذا القطاع الكفيل بإحداث نهضة حقيقية، وخلق فرص عمل للملايين، وضخ عملة أجنبية في شرايين بلادنا التي تضيق كل يوم!
مصر بكل ما تملكه من معالم، وآثار تخطف الألباب، وشواطئ تعشقها العين والروح، وحضارة تضرب جذورها في أعماق التاريخ، ومسارات دينية عظيمة تأسر النفوس، لم يقصدها سوى 14.9 مليون سائح خلال العام الماضي، ولا يمكن أن يقدم عاقل واحد تفسيرًا منطقيًا لذلك، سوى فشل القائمين على هذا القطاع على مدار سنوات طويلة!!
 

فرنسا قدّرت عدد السياح الذين زاروها خلال العام الماضي بـ82 مليون سائح، لدرجة أن هناك مدناً مثل العاصمة باريس أعلنت عدم قدرتها على استيعاب المزيد من الزوار، وهل تقارن باريس بالقاهرة، إذا استثنيا الإدارة من المعادلة؟!
 

مصر شهدت طفرة حقيقية في البنية التحتية خلال السنوات الأخيرة، وتمتلك حاليًا شبكة طرق رائعة بكل المقاييس، ولا ينكر ذلك سوى جاحد أو كاره، وهذا أمر عظيم يعكس اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بهذا القطاع المهم، لكن من الطبيعي أن ينعكس على قطاعات مثل السياحة والتجارة، فلماذا لا تكتمل المعادلة؟!
الشعب المصري في أمسّ الحاجة لمن يحنو عليه الآن، فهو شعب صابر حمول، يمر بظروف بالغة الصعوبة، لكن الوضع هذه المرحلة شديد القسوة، ولديّ قناعة راسخة بأن الرئيس يشعر بمعاناة الناس، وسوف يبذل قصارى جهده للتخفيف عنهم، لأنهم اختاروه ويحبونه..

search