الخميس، 12 ديسمبر 2024

09:38 ص

رسالة من صديق سوري

رسالة دافئة تلقيتها من صديق سوري عزيز، يعبر فيها عن محبته وامتنانه للشعب المصري، ويطلب عبر "تليجراف مصر" أن تفتح حدود بلاده أمام المصريين فقط بعد أن تتعافى سوريا وتستعيد قوتها واستقرارها ومكانتها.

الشعبان المصري والسوري عانيا كثيراً على مر تاريخهما، تغلبا على ظروف قاسية ومرا بمحطات صعبة، لذا تجد دائماً بينهما قواسم مشتركة، ومحبة فطرية، زرعها الله في قلوب لا تتمنى سوى الطمأنينة والستر..

السوريون يتمتعون بسمات رائعة، فهم ماهرون قادرون على التكيف وإثبات الذات مهما تغيرت أوضاعهم، لذا لم يكن غريبا نجاحهم في مصر. في ظل ما لاقوه من حب وترحاب واحتضان.

وأفضل ما وُصف به المصريون أنهم شعب إسفنجي، يستوعب كل الثقافات والجنسيات والديانات، دون أن يتغير عليه شيء..

بعد عقود طويلة من الظلم والقهر والاستبداد والفساد والعنف تحرر السوريون أخيراً، لذا لا يجب أن نستغرب حالة السعادة الغامرة التي تسيطر على جميع أطياف وطوائف هذا الشعب الطيب بعد أن تنفس الحرية، وإن تزامن هذا مع مخاوف عميقة من مستقبل محفوف بالمخاطر.

ما شهدته سورياً خلال أيام قليلة لا يمكن استيعابه بسهولة، فالنظام الذي صمد لمدة 14 عاماً منذ انطلاق الثورة السورية انهار خلال ساعات، وتساقطت المدن الكبرى أمام الفصائل المسلحة مثل أحجار الدومينو ليقف الشعب ذاته غير مصدق، خصوصاً في ظل هروب بشار بليل دون أن يترك حتى إشعار أو رسالة وداع لمواليه وأتباعه!

بعيداً عن السياسة والشد والجذب بين متفائل سعيد بانتهاء كابوس عائلة الأسد، ومتشائم خائف من مستقبل يسيطر عليه فاشيون جدد بلباس ديني،  أرى أن الشعب السوري يستحق الافضل، بعد عقود من المعاناة والألم.

وتظل الصورة المضيئة بالنسبة لنا كمصريين على الأقل هذا الشعور بالامتنان من قبل آلاف من أشقائنا السوريين الذين عاشوا بيننا طوال السنوات الماضية في أمن واستقرار ووئام..

نحن باللغة العامية المصرية شعوب "عياشة" لا تطمح إلا في حياة مستقرة آمنة، لا تتجبر أو تتغول أو تتكبر على غيرها، لذا رحبنا بوجودهم بيننا، ولم يشعر السوريون من جانبهم بالغربة، لذا من الطبيعي أن يترسخ هذا الحب والترابط والمساندة..

العلاقات الشعبية المصرية السورية ليس حديثة أو مرتبطة بما شهدته المنطقة من ظروف معقدة منذ عام 2011، لكنها تاريخية وتتقاطع في مناحي عدة، فكلتا البلدين خضعتا لحكم واحد في عصور عدة منذ بداية الخلافة الإسلامية، بل أن التاريخ المشترك يمتد إلى عهد الفراعنة حسب دراسات معتمدة، ولا يمكن أن ننسى فترة توحدهما القصيرة في العصر الحديث إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر..

القصد أن هناك إرثًا إنسانيًّا مشتركًا بين الشعبين، لذا ليس بغريب أن يشعر المصريون بالتعاطف مع أشقائهم في ظل ما تتعرض له بلادهم من أزمات وصراعات، وأن يقدر السوريون الدور الذي قامت به مصر، ويعبرون عن ذلك بمجرد أن هلت بشاير الحرية وتنفست البلاد شيئاً من أمل.

لقد جعل بشار الأسد شعبه في ذيل اهتماماته، بل ربما لم يكن الشعب أحدها على الإطلاق، وظل معتمدًا على حلفاء خارجيين لتوطيد أركان حكمه، وفرص نفوذه على رعيته، ومن ثم زال حكمه في غمضة عين حين أدار هؤلاء الحلفاء ظهورهم له بمجرد انتهاء المصلحة، وترك بلاده عرضة للتقسيم والاعتداء من قبل الكيان الغادر الذي استغل الظروف وشرع في اقتطاع جزء من التورتة لصالحه.

لا يمكن أن نزايد على فرحة السوريين بتحرير بلادهم، لكن في الوقت نفسه نتمنى وندعو لهم بالرشادة، وإدراك أن هذا وقت تغليب مصلحة الوطن على المواطن، والطائفة والعرق والدين..

هذا وقت يجب أن يسبق فيه العقل السلاح، وينحاز كل فصيل إلى الأرض وليس إلى طيف من ساكنيها، وهناك نماذج لدول عدة مرت بظروف بالغة القسوة والصعوبة، وعانت صراعات داخلية دموية راح ضحاياها الملايين لكن دفنت شعوبها الخصومة وقضت على نزعات الانتقام والثأر، وتشاركت قبائلها وطوائفها مصير بلادهم فنهضت بها، وأخرجتها من قمقم الفتنة والجهل والتطرف، وسوريا ليست بعيدة عن هذا المستقبل الباهر..

نحن نحب السوريين، وهم يحبوننا، بعيداً عن أي منغصات أو محاولات مكشوفة لإثارة الفتنة أحياناً، ونثمن مشاعرهم النبيلة تجاهنا ورغبتهم في رد الجميل، ونقول لهم دائماً .. ما بين الأشقاء حساب.

title

مقالات ذات صلة

search