السبت، 06 يوليو 2024

08:05 م

السياسي السوداني حاتم السر: نحن في نفق مظلم ووضعنا الإنساني كارثي.. وهذا دور مصر

السياسي السوداني حاتم السر

السياسي السوداني حاتم السر

تامر إبراهيم

A A
سفاح التجمع

تأزم الوضع السياسي والإنساني في السودان، وخرجت الأمور عن السيطرة في مناطق عدة، في ظل احتدام المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

 المستشار السياسي لرئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، حاتم السر، فنّد الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية في السودان، وواقع البلد العربي ومستقبله المجهول، في حوار أجراه مع “تليجراف مصر” إلى نصه الكامل..

  • صف لنا الأوضاع في السودان وهل عادت الحرب الأهلية التي استمرت لعقود؟

السودان يمر حاليًا بأزمة مركبة سياسية واقتصادية وأمنية، أوشكت أن تدخل البلاد في نفق مظلم وتقودها إلى المجهول. 

كل ذلك بسبب الحرب الدائرة حاليًا وتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة منذ أبريل الماضي دون وجود بوادر لحل سياسي. 

ونتج عن هذه الحرب موت وخراب ودمار واغتصاب وسرقات وانتهاكات للحقوق العامة والخاصة ونزوح ولجوء وتشريد لدرجة أن المشهد السوداني بسبب الصراع الدموي أصبح أكثر سوءًا من المشهد الليبي والسوري واليمني والفلسطيني. 

عموما الوضع الآن في السودان في غاية الخطورة، والحرب الدائرة حاليًا دمرت  البلاد بصورة شبه كاملة لدرجة أن المواطنيين في معظم ولايات السودان أجبروا على مغادرة منازلهم وترك ممتلكاتهم والهروب بأرواحهم بحثًا عن ملاذات آمنة ورغم ذلك لم يسلموا، فالذي ينجو من قنابل الحرب لا ينجو من تفلتات مليشيات الدعم السريع المتمردة، والذي ينجح في النجاة من خطر القنابل والمليشيا يقع فريسة لعصابات الكسابة (مجموعات مسلحة) وعصابات اللصوص للنهب المسلح.

باختصار شديد السودان اليوم على كفّ عفريت، والأوضاع فيه خطيرة للغاية، والحالة العامة متأخرة جدًا، والأمور غير مستقرة وتنذر بعواقب وخيمة، على المستويين الداخلي والإقليمي، ما لم تتضافر الإرادة الوطنية الخالصة لصدّ التدخلات الأجنبية الضارة، ووقف الفتنة الداخلية وإنهاء حالة الانقسام والسعي للحفاظ على ما تبقى من الدولة السودانية، وإطلاق عملية سريعة للحوار السوداني السوداني المفضي للاتفاق على خارطة طريق لمعالجة الأزمة السودانية.

الحرب الأهلية في السودان


- ما الذي آلت إليه الأوضاع على الصعيد الإنساني في شتى الولايات.. هل هناك رصد دقيق لعدد الضحايا وما يتعرض له السودانيون من أوضاع إنسانية صعبة؟


إن الوضع على المستوى الإنساني في السودان كارثي وغير محتمل، وأصبح مأساويًا بكل معنى الكلمة، إفرازات وتداعيات الحرب قد أوصلت البلاد لمرحلة الانهيار والمجاعة. وبات السودان يصنف على أنه صاحب أكبر حركة نزوح داخلي في العالم، وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان إن أكثر من 12 ألف شخص قتلوا في الحرب منذ اندلاعها.
كما ذكر أن أكثر من 9 ملايين شخص فروا من منازلهم، منهم 5.3 ملايين نزحوا داخليًا في 4473 موقعًا في ولايات البلاد الآمنة، في حين عبر أكثر من 3 ملايين شخص إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان. 

وأطلق برنامج الغذاء العالمي، في أحدث تقرير له، تحذيرات جديدة من حدوث مجاعة وشيكة، تهدد 18 مليون سوداني بحلول موسم الجفاف  المقبل. 

وبجانب تدهورالأوضاع الأمنية والوضع الاقتصادي، تفشت الأمراض الوبائية الخطيرة مع انعدام كامل لأي معينات طبية أو علاجية. وأطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرًا بشأن تدهور الوضع الصحي والإنساني في السودان مع تصاعد القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع المتمردة، منذ شهر أبريل الماضي، وبات تعطل الدراسة بكل مدارس وجامعات السودان يهدد جيلاً بأكمله.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن 19 مليونًا من أطفال السودان في مختلف المراحل الدراسية أصبحوا خارج أسوار المدارس، وأن السودان على وشك أن يصبح موطنًا لأسوأ أزمة تعليمية في العالم. 

وأعلن برنامج الأغذية العالمي، وقف المساعدات الغذائية مؤقتًا، بسبب ما وصفه "بالانتكاسة الكبيرة" للجهود الإنسانية في السودان بسبب الحرب. وأجبر القتال العديد من منظمات الإغاثة العاملة في السودان، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على إجلاء موظفيها من البلاد التي كانت مركزًا لتلقي العمليات الإنسانية. 

على العموم فإن السودانيين في قمة القلق بسبب التدهور السريع للموقف الإنساني في السودان، وفي غاية الحزن من الزيادة المروعة في عدد النازحين واللاجئين بسبب الحرب التي جعلت السودان يمر بأكبر موجة نزوح في العالم حسب تصنيف المنظمات الدولية.

الوضع الإنساني في السودان


- هل الحرب بداية لتنفيذ مشروع تقسيم السودان لخمس دويلات؟

الحقيقة المؤلمة أن النخبة الحاكمة والقوى السياسية والمجتمعية السودانية تعلم علم اليقين بوجود مشروع أجنبي ظل يسعى وبصورة معلنة لتقسيم ما تبقى من السودان، أو إبقائه دولة متحاربة فاشلة لا تقوى على استثمار مواردها والعمل على نهضة إنسانها، فبعد نجاح تلك القوى الأجنبية في استخدام الحرب الأولى مسوغًا ومبررًا لانفصال جنوب السودان في عام 2011، يجري الآن توظيف الحرب الراهنة واستنساخ تجربة انفصال الجنوب إلى أجزاء أخرى من السودان وتطبيق نظرية تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ على بلادنا. 

وبسبب طول أمد الحرب المشتعلة حاليًا في السودان بات الخوف مسيطرًا على الشعب السوداني من أن تفضي الحرب إلى تقسيم البلاد، وهو الأمر الذي يرفضه الجميع، ولكن هذا ما تشير إليه المعطيات، والملامح التي تظهر في الأفق. وبما أن الحرب هي العامل الأشد خطورة على استمرار الدولة السودانية موحدة ومتماسكة وهي المهدد للوحدة فينبغي على الكافة أن يعملوا على إطفائها وإخماد نيرانها.

-هل هناك خطة واضحة لتفكيك الجيش الوطني وتحويل السودان لأرض معارك لميليشيات محلية وأجنبية؟

التوتر الذي حدث في العلاقة بين المدنيين والعسكريين، وأدى إلى فك الشراكة الثنائية في الحكم بين الجانبين أفرز  بدوره حالة من الخلاف وانعدام الثقة بينهما، ومن هنا ظهرت على السطح الأحاديث حول وجود اتفاق سري بين بعض القوى المدنية والدعم السريع مفاده اتخاذ الدعم السريع كبديل للجيش الوطني.

ولكن السؤال لمصلحة من يتم تفكيك الجيش السوداني؟ وعلى من يفكر في تنفيذ خطة تفكيك الجيش السوداني الوطني على غرار تفكيك الجيش العراقي أو الجيش الليبي مراجعة انتمائه للوطن، لأن المنطق يقول لا بديل للجيش الوطني إلا الجيش الوطني، وأن مساعي تفكيك القوات المسلحة السودانية لن تنجح وسوف تفشل بعون الله وبيقظة ووعي الجيش السوداني. 

السودان كسائر بلاد الله يحتاج لجيشه الوطني ليظل حارسًا للبلاد ووحدتها وداعمًا لديمقراطيتها. ونقول لا للإساءة للقوات المسلحة ولا للحطّ من قدرها ولا للتقليل من دورها الوطني. ونعم لابتعادها عن السياسة ونعم لقوميتها ونعم لدمج كل المليشيات والفصائل المسلحة بداخلها.

الجيش السوداني


-لماذا يتأجل لقاء البرهان وحميدتي وتفشل مساعي التواصل بينهما؟

البرهان وحميدتي كانا بعد الثورة كيانًا واحدًا اسمه (المكون العسكري) وشاركا في السلطة الانتقالية باتفاق ثنائي مع قوى الحرية والتغيير بصفتها (المكون المدني) وشكلا حكومة انتقالية برئاسة الدكتور حمدوك، ولكن حلفاء الأمس تحولوا إلى أعداء بسبب الصراع على السلطة ومن له الحق في الجلوس على عرش السودان.

ومن هنا كانت بداية الأزمة السودانية ودخلت الأوضاع في السودان في منعطف خطير وتطورت الأزمة السياسية إلى صراع مسلح وانقسم (المكون العسكري) على نفسه وحمل السلاح في مواجهة عسكرية كما انقسم (المكون المدني) على نفسه وانحاز فريق للجيش السوداني وانحاز فريق آخر للدعم السريع المتمرد وبقي فريق ثالث بعضه في الحياد وبعضه الآخر ضد الجيش والدعم السريع. 

وغياب الإرادة الوطنية وفشل النخبة السياسية والمجتمعية السودانية هو السبب الرئيسي لمراوحة الأزمة مكانها وبقائها بين سندان التحولات الداخلية ومطرقة التدخلات الأجنبية.

البرهان وحميدتي
  • كيف ترى الدور المصري في الأزمة السودانية باعتبارها خط تماس تاريخي ومنفذ للأمن القومي الداخلي؟

بما أن مصر هي أكثر الدول قربًا للسودان وأفضلها معرفة بالشأن السوداني فقد بذلت جهودًا مكثفة لحل الأزمة السودانية وسخّرت كل جهودها منذ يوم 15 إبريل 2023 الذي اندلعت فيه الأزمة لاحتوائها ولحقن دماء الشعب السوداني، وذلك في إطار السياسة الخارجية المصرية وثوابتها المعروفة، المتمثلة  فى استقرار السودان، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والعمل على وحدة أرضه وسلامة شعبه، وتقديم كل المساعدات الممكنه له.

والدليل على ذلك أن السودانيين عندما ضاقت بهم بلادهم وأرغمتهم الحرب على النزوح واللجوء هاجروا إلى بلدهم الثاني مصر منتقلين من جنوب وادي النيل إلى شماله عبر الحدود المفتوحة بلا عوائق. 

مصر دورها في السودان كبير وطبيعته مختلفة عن كل الأدوار الإقليمية والدولية، لأنها تعتبر شريكًا فى الشأن السوداني بحكم الجوار والمصالح المشتركة والأمن القومي. وما قامت به مصر  تجاه السودان وجد احترامًا وقبولًا طيبًا لدى الشعب السوداني الذي يتطلع ويترقب نتائج مبادرة دول جوار السودان التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والأجهزة المعنية في مصر التي تنظر باهتمام للملف السوداني منذ سنوات طويلة وتحاول جاهدة وقف الحرب والوصول لاتفاق سلام عادل وشامل في السودان.

سودانيون في معبر أرقين على الحدود المصرية - رويترز

-هل تفريغ السودان من أهله مقدمة لتقسيم الأرض؟

حرب السودان سجلت أكبر أزمة نزوح في العالم لأنها وصلت لأرقام مفزعة حسب إحصاءات منظمات الأمم المتحدة. هذه الحرب أرغمت أكثر من 9 ملايين شخص على النزوح، بينهم أكثر من 3 ملايين لجأوا إلى البلدان المجاورة. وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، واصفة إياها بـ"أكبر أزمة نزوح في العالم".


-هل يمكن في القريب أن نرى حلًا سياسيًا بدل العسكري في السودان.. ولماذا تراجع دور القوى السياسية؟

على ذكر العملية السياسية ومتى نرى الحل السياسي، من المؤكد أنه لا جدوى من الحديث حول العملية السياسية السودانية قبل وقف الحرب. ولا يمكن أن نتحدث حول مستقبلها في ظل الحرب الدائرة حاليًا. 

مطلوب أولًا وحدة موقف القوى السياسية السودانية وتضافر جهودها من أجل إنهاء التمرد ووقف الحرب ومن ثم الجلوس لبدء العملية السياسية.

المعارك في السودان


-ماذا حدث في ود مدني وما خطورته؟

دخول مليشيا الدعم السريع المتمردة لحاضرة ولاية الجزيرة ود مدني يعتبر تطورًا جديدًا في ملف الحرب أدى إلى توسيع رقعتها الجغرافية، كما أدى إلى تهديد وترويع المواطنين الآمنين وتم ارتكاب سلسلة من الأعمال الهمجية بواسطة قوات الدعم السريع بحق الشعب الأعزل.

ود مدني باعتبارها من أكبر وأهم المدن السودانية بعد العاصمة الخرطوم، نزح إليها غالبية سكان الخرطوم الذين شردتهم الحرب وانتقل إليها العديد من المؤسسات الحكومية المهمة وأصبحت ملاذًا آمنًا للنازحين الذين تضاعفت مأساتهم بسبب وصول الحرب إليها. 

بلا شك فإن تمادي الدعم السريع في توسيع رقعة الصراع سوف يقوض آفاق الوصول إلى حل عادل وشامل، ويعقّد مهمة الاتفاق، ناهيك عن تأزيم الأوضاع في البلاد برمتها مثلما تؤكده الأحداث الراهنة بولاية الجزيرة. 

كما أن وقف الحرب وتحقيق السلام لن يتم دون اتخاذ دول الإقليم والمجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، موقفًا حازمًا وشجاعا بالاهتمام بأولويات المرحلة الحالية في السودان، وفي مقدمتها ضرورة وقف الحرب وإنهاء تمرد قوات الدعم السريع والتكفل السريع  بمعالجة الأزمة الإنسانية الكارثية التي خلفتها الحرب، مع ضرورة عدم تناسي معالجة الأسباب الجذرية للصراع حتى لا يتجدد مستقبلا.

الأوضاع في ود مدني

-هل يمكن التنبؤ بمستقبل السودان وهو يواجه خطرا داخليا وخارجيا؟ وما هو المتوقع في القريب العاجل؟ وقف الحرب أم اتساع نطاقها؟

في يقيني ستنتهي هذه السلسلة من الحروب والصراعات التي تتخذ شعارات تاريخية ووطنية، وهي في حقيقتها صراع سياسي على كراسي السلطة، وإن تخفّى البعض تحت شعارات محاربة التهميش وتدثّر برداء الدفاع عن المظلومية التاريخية، أو بالتصدي للدفاع عن الحرية والديمقراطية أو ما إلى ذلك. 

حقيقة ما جرى وما يجري هو صراع على السلطة بلا شرعية ودون انتخابات ولا بد أن نذكّر بحقيقة أنه لا بد من الانتخابات كوسيلة للوصول إلى الحكم، ومن الضروري توسيع قاعدة المشاركة السياسية وإجراء الانتخابات، بحيث يكون للشعب رأيه في تقرير السياسات وتحديد الخيارات الوطنية.

search