الجمعة، 22 نوفمبر 2024

08:49 ص

هزيلة وغير مغرية.. رواتب الوزراء تغلق الباب أمام الخبراء الدوليين

الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي

الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي

تامر إبراهيم

A A

في أعقاب تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الدكتور مصطفى مدبولي بتشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة مجلس الوزراء الحالي، تبرع متابعون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بترشيح العديد من الأسماء التي تمتلك خبرات واسعة أو تتقلد مناصب دولية رفيعة، لتولي حقب وزارية وملفات حكومية بعينها، بل وضع البعض تشكيلًا شبه كامل لأعضاء الحكومة الجديدة من الأسماء رفيعة المستوى في اختصاصتها وذات شأن إقليمي ودولي.

هذا الطرح يمكن معه استرجاع ما قاله الرئيس السيسي، إبان كلمته الختامية في المؤتمر الاقتصادي عام 2022، إذ أشار إلى مقابلة العديد من الأسماء الاقتصادية البارزة في مطلع عام 2014، وعرض عليهم تولي حقائب وزارية، مسترسلاً “قالوا لي لأ إحنا لينا تاريخ.. مستخسر تاريخك في بلدك؟!”.

وزاد الرئيس “حد قال لي هتديني كام؟.. أنا باخد 2 مليون جنيه في الشهر.. قلت له مش هقدر.. قال لي سيبني بعيد وأنا أي نصيحة هقولك عليها”.

بالربط بين حديث الرئيس قبل عامين، وما يطرحه المتابعون من أسماء ذات مناصب دولية، يتجلى سؤال: هل رواتب الوزراء تشكل عائقًا أمام مصطفى مدبولي لاستقدام الخبراء المصريين في مناصب دولية؟ وما الواقع الذي يفرض على رئيس الحكومة “قماشة” بعينها لاختيار أفضل ما فيها؟

بالعودة إلى أبريل 2018، وافق مجلس النواب، على قانون تعديل بعض أحكام القانون رقم 100 لسنة 1987، والذي يحدد رواتب نائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة ونوابه الوزراء.

بحسب المادة الثانية من القانون، يتقاضى رئيس مجلس الوزراء الحد الأقصى من الأجور وكان وقتها 42 ألف جنيه، وهو 35 ضعف الحد الأدنى للأجور، بحسب القانون، أما الوزراء والمحافظون، فيتقاضون ما يعادل 90% من الحد الأقصى للأجور وكان وقتها 37.800 جنيه.

وفي أبريل 2024، رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور ليصبح 6000 جنيه، ومعه زاد راتب رئيس الوزراء ليصبح 210 آلاف جنيه (35 ضعف الحد الأدنى)، وللوزراء 90% من ذلك الراتب.

وبحساب راتب الوزير بالدولار وفق سعره 47.45 يتقاضى الوزير حوالي 4 آلاف دولار، وهو بالطبع مبلغ أقل مما يتقاضاه الخبراء المصريون في المؤسسات والهيئات الدولية الكبرى.

عضو مجلس النواب، ضياء الدين داوود، أشار إلى أن المقابل المادي المطروح ليس مغريًا، وإن لم يملك صاحب الاسم المطلوب مصادر دخل ثابتة أخرى ستكون هناك أزمة.

ولفت في تصريحات لـ"تليجراف مصر" إلى أن المناصب الوزارية من المفترض أن تكون بالخبرة والسعة المالية، مبينًا في الوقت ذاته أن العاطفة والشعور بتقديم شيء ما للوطن تلعب دورًا.

وضرب داوود المثل بالدكتور محمد العريان، متسائلًا: هل سينتظر كم سيتقاضى في مصر وهو يكسب ملايين الدولارات سنويًا؟ مضيفًا أن الأموال لن تغري الخبرات المستهدفة التي تحصل على ملايين في سوق العمل.

وشدّد عضو البرلمان على ضرورة التنقيب عن المحترفين الذين لا ينتظرون المال بل يؤدون العمل العام “بما يرضي الله”.

عضو مجلس النواب، عبد المنعم إمام، اتفق أن المقابل المادي قليل وفق المتوسط العالمي، لكنه أشار إلى أنه من الناحية العملية فإن الوزير يرأس عددًا من الهيئات تدر له دخلًا آخر.

إمام لفت إلى مشكلة خفية في الأمر، وهو أن هناك عددًا كبيرًا من الموظفين العموميين على درجة وزير، فإن كان هناك حاجة لتعديل تشريعي فإنه لا بُد من الفصل بين الوزراء ومن هم على درجتهم ماليًا.

“تليجراف مصر” تواصل مع وزيرين سابقين لرصد رأيهما في القضية، لكنهما استشعرا الحرج، أحدهما رفض التعليق خشية أن يُفسر كلامه بأنه يتحدّث مستغلًا فترة تشكيل الحكومة لطرح اسمه، والآخر رفض الخوض في هذا الأمر لأنه “حسّاس” من وجهة نظره.

وزير قطاع الأعمال الأسبق، مختار خطاب، الذي تولى الحقيبة الوزارية في الفترة من 1999 حتى 2004، قال إن الوزراء كانوا يحصلون على مبالغ رمزية وزهيدة، لكن تولي الحقائب الوزراية مسؤولية وطنية.

وبيّن أنه لا بد أن يكون الوزير ذا علم ولبق وقادرًا على التوفيق بين المتناقضات والوصول إلى الممكن، وليس شرطًا أن يكون سياسيًا أو تكنوقراط، لكن الأهم أن يكون متخصصًا.

ووفق الأرقام المتاحة، يصل راتب رئيس وزراء سنغافوة إلى حوالي 2.2 مليون دولار، ورئيس وزراء أستراليا 550 ألف دولار، ورئيس وزراء أيسلندا يتقاضى 317 ألف دولار، ورئيس الوزراء الدنماركي 226 ألف دولار.

هذه الأرقام غير مرتبطة بالدول ذات الدخل العالي والاقتصاد الكبير فقط، بل إنه في عام 2015، تم نشر عدد من رواتب زعماء أفريقيا، لنجد في ذلك الوقت أن رئيس جمهورية الكاميرون دخله السنوي 610 آلاف دولار، ورئيس تنزانيا يتقاضى 192 ألف دولار، ورئيس غينيا الاستوائية يتقاضى 150 ألف دولار.

بعض التقارير تشير إلى أن موظفي البنك الدولي يتقاضون حوالي 400 ألف دولار سنويًا، فيما يتقاضى المسؤولون في اليونسكو حوالي 147 دولار سنويًا، والموظفون في الاتحاد الأفريقي والبنك الأفريقي للتنمية يتقاضون 70 ألف دولار و144 ألف دولار على الترتيب سنويًا.

وعلى صعيد الدول العربية، الوزير في الكويت يتقاضى 2300 دينار، وفي السعودية 41400 ريال، وفي الإمارات 85 ألف درهم، والبحرين 5400 دينار.

تشير عمليات البحث والسؤال والتحقق إلى أن المتوسط العالمي لرواتب المسؤولين الحكوميين (الوزراء) مرتفع مقارنة بمصر، فيما يتقاضى الخبراء وكبار الموظفين في المؤسسات والهيئات الدولية رواتب عالية جدًا، فهل يمثل ذلك أزمة أمام الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، في اختيار الأسماء التي تتبادر إلى أذهان المراقبين والمهتمين من الكوادر المصرية في مناصب دولية؟ وهل يلعب المال دورًا أساسيًا في تشكيل الحكومة؟

search