الجمعة، 22 نوفمبر 2024

09:15 ص

"أمراض في كوباية قصب".. مشروب الغلابة ملوث بالدود وحامل للفيروسات

عصير القصب

عصير القصب

منى الصاوي

A A

بين "لبايش" القصب المتناثرة على جنبات الطريق، تقف فتاة في العشرين من عمرها بأحد شوارع منطقة مصر القديمة، تحديدًا في حي الجمالية، تلتقط أنفاسها من حرارة الجو، بينما يصدح صوت الشيخ ياسين التهامي في محل عصير قصب بأغنيته الشهيرة "أكاد من فرط الجمال أذوب".

محصول القصب

أكاد من فرط الجمال أذوب

خضار القصب ولمعانه وعذوبة صوت التهامي، تفاصيل جذبت الفتاة إلى محل العصير، وهناك جلست على كرسي خشبي ملوّن تنتظر كوب القصب البارد لتطفئ ظمأها في الجو شديد الحرارة، وهي تدندن "هل يا حبيب في رضاك نصيبُ".

أكوام من قشر القصب المعصور شكلت هرمًا أمام المحل الصغير، بينما يجلس كلبٌ أجرب غطت الجروح جسده بجوار أعواد القصب المنصوبة يحتمي بها من أشعة الشمس التي تؤجج آلامه.

عصارة قصب

من الأرض إلى العصارة

خرج الصبي من المحل يسحب حزمة قصب أو ما يطلق عليه "لِبشة" جديدة لعصرها، بينما كان القصب ملطخًا بدماء الكلب، دون أن يغسلها بالماء، “من الأرض إلى العصارة مباشرة”!

مشهد مقزز و"مقرف" استوقف الفتاة لمراقبة ما يدور داخل هذه العصارة، وظلت تردد بصوت منخفض "دي مصيبة.. الناس اللي هاتشرب العصير دا هاتموت".

شق القمر

مرت دقائق وتكرر المشهد.. يخرج الصبي ليسحب "لبشة" جديدة، لكن هذه المرة الديدان اتخذت من "شق القمر" الأحمر مأوى لها.

لم يكترث إلى الديدان الكثيرة التي تخرج من عيدان القصب، كأنه اعتاد ذلك المشهد، ليصب أكوابًا جديدة من العصير الممزوج بدماء الحشرات للزبائن الذين يتصببون عرقًا.

الهيكل الخارجي للعصارة من الحديد والأجزاء الداخلية من الاستانلس ستيل

استعراض مهارات

تكررت المشاهد الصادمة أمام الفتاة في دقائق معدودة، فلم يعد هناك متسع من الوقت أمام عامل العصارة لغسل الأكواب بالصابون، بل يستعرض مهاراته بالإمساك بثماني أكواب بيد واحدة، ثم يمررها على ماء الصنبور، لتكون جاهزة للامتلاء مرة أخرى بعصير القصب الملوث، ليفتح آفاقًا جديدة لانتشار الأمراض الوبائية التي تنتقل من خلال السوائل كالحمى التيفودية، والاتهاب الكبدي الوبائي.

جولة ميدانية

قادتنا تلك الرواية إلى جولة ميدانية للبحث وراء ما تقوله الفتاة، ماذا يحدث داخل عصارات القصب؟ ومن المسؤول عن تعريض حياة المواطنين للخطر؟ وماذا عن الرقابة الطبية على هذه العصارات؟

لا رقابة ولا معاينة

يقول عمرو حسن (35 عامًا)، صاحب محل عصير قصب بمنطقة إمبابة، إن "الضمير" هو المتحكم الوحيد في حياة الزبائن، فلا رقابة ولا معاينة من قبل المسؤولين.

وأضاف حسن، لـ"تليجراف مصر"، أن العصارات تحتاج إلى تنظيف يومي لضمان بقاء العصير نظيفًا وصحيًا وخاليًا من الأمراض، لافتًا إلى أن ماكينة العصر تُصنع من الحديد "التروس والهيكل"، بينما الجزء الدائري الذي تدخل منه أعواد القصب لتصير عصيرًا، مصنوعة من الاستانلس ستيل المعالج غير القابل للصدأ.

أحد محلات عصــــــــير القصب

أولاد على الزهري

وفيما يتعلق بالمصدر الذي يأتي منه القصب، قال صاحب العصارة إنه يأتي من محافظة المنيا، ثم يتم توزيعه على التجّار الذين بدورهم يقومون بتوزيعه على محلات العصير، إلا أن أكبر وأقدم سوق للقصب يوجد بمنطقة المطرية، تحت اسم سوق أولاد على الزهري.

ارتفاع الأسعار

اللبشة الصغيرة تتكوّن من 4 أعواد قصب، ويتراوح سعرها بين 35 و40 جنيهًا، أما الكبيرة فتضم 8 أعواد، وتُباع في حدود 80 جنيهًا.

وعن أسعار كوب عصير القصب، أوضح حسن أن الكوب الصغير تضاعف سعره من 5 إلى 10 جنيهات، ومتوسط سعر كوب العصير المتوسط حوالي 15 جنيهًا، بينما يصل سعر الكوب الكبير إلى 20 جنيهًا.

وأكد أن "اللبشة" الكبيرة تصنع حوالي 10 أكواب من العصير، حيث شهدت أسعار "لبايش" القصب ارتفاعًا ملحوظًا منذ عيد الأضحى الماضي.

تنظيف القصب

قديمًا كانت العصارات تعتمد  في تنظيف القصب قبل عصره على عملية "الكحت"، فيقوم العامل بتنظيف الطبقة الخارجية بسكين مسنون، من ثم يتم غسله بالماء قبل دخوله إلى العصارة، إلى أن ظهرت ماكينات تنظيف القصب التي باتت توفر جهدًا ووقتًا، وتتراوح أسعارها بين 10 و20 ألف جنيه، على حد قوله.

ماكينة تنظيف القصب

عائد مادي

وتابع، "العصارات التي توجد في الأماكن المزدحمة التي لا تخلو من الزبائن، في الأغلب لا تهتم بتنظيف القصب قبل عصره، وتضع أعواد القصب بما تحمله من ديدان وحشرات في العصارة، ذلك لكسب الوقت وتحصيل أكبر عائد مادي، فضلًا عن انتشار الصراصير والأبراص والقوارض بأنواع مختلفة".

العصير الصحي والعصير الفاسد

وبسؤاله عن كيفية معرفة الفارق بين كوب العصير الصحي، وغير الصحي، أكد عمرو حسن أن أعواد القصب النظيفة دائمًا ما تعطي عصيرًا لونه فاتح، ورائحته طبيعية، أما الأعواد غير النظيفة فتنتج عصيرًا غامق اللون ذا رائحة نفاذة تميل إلى "الحمضية".

وأكد أن عود القصب "المسوس" أو الفاسد، يتلف اللبشة المعصورة كلها، ويمنح العصير مذاقًا سيئًا.

إجراءات فتح عصارة قصب

وأشار صاحب العصارة، إلى أن إجراءات فتح عصارة القصب لا تحتاج سوى سجل تجاري وبطاقة ضريبية، والكثير من المحال في المناطق الشعبية والنائية لا تحمل "بطاقة وسجلًا".

وأكد أنه لا توجد رقابة من وزارة الصحة على المحال التي تقدم الأطعمة والمشروبات، مشيرًا إلى أن الأمر في البداية يحتاج إلى شهادة صحية من مستشفى معتمد، لكنها تبقى صورية ليس لها أي تأثير فعلي.

شركات المقاطعة

واختتم عمرو حسن حديثه قائلًا، "الهجوم اللاذع على محال عصير القصب تقوده شركات المقاطعة لتعويض خسائرها الفادحة منذ بداية الحرب على غزة حتى هذه اللحظة".

الدود داخل القصب

حجم العصارة

وبالتواصل مع أحد مصانع ماكينات عصر القصب، قال صاحب المصنع إن حجم العصارة يختلف بين محل وآخر، بحسب ضغط الزبائن عليه.

وأضاف أن مقاسات العصارات تبدأ من 18 إلى 35 سم، ويُصنع الهيكل الخارجي من الحديد، بينما الجزء الذي يلامس القصب يصنع من مادة الاستانلس ستيل 304 غير القابلة للصدأ.

وتابع، "العصير يمر من على (الدرافيل) إلى حوض العصير المصنوع من الاستانلس ستيل المعالج، من ثم إلى دورق التقديم دون ملامسة الجزء المصنوع من الحديد".

وعن أسعار ماكينات العصير، قال إن الأسعار تبدأ من 50 ألف جنيه لمقاس 18 سم، وتنتهي بـ 150 ألفًا لما يسمى "الماكينة الشبح".

ميكروبات وفيروسات

"عصير القصب به سم قاتل"، بهذه الكلمات علق مؤسس المركز القومي للسموم، واستشاري الأمراض الصدرية بكلية الطب بقصر العيني، الدكتور محمود عمرو.

وأضاف أنه لا توجد دودة غير ملوثة، نظرًا لأنها إما تعيش في التربة أو على الشجر، ودائمًا ما تكون محملة بالميكروبات أو الفطريات أو الفيروسات.

الميكروبات تسكن القصب

وأوضح أن بعض العصارات القليلة تقوم فعلًا بتنظيف القصب وغسله وفرزه، قبل وضعه بالعصارات، لافتًا إلى أن الميكروبات تسكن القصب لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة في صعيد مصر.

وفجر الدكتور محمود مفاجأة بشأن ما يجرى داخل العصارات، قائلًا "الفئران تسكن محال عصير القصب، نظرًا لأنها تتغذى على الديدان والسوس الموجودان بالقصب، فضلًا عن غرس أسنانها داخل القصب لامتصاص السوائل منه".

الفئران تتغذى على القصب

عصير فئران

وتابع، "الفئران تدخل من فتحات دخول القصب، وأثناء تشغيل العصارة من الممكن أن تحشر تلك القوارض بداخلها ولا تستطيع الفرار، وتعصر مع القصب ويتناوله الزبون".

وأكد مؤسس المركز القومي للسموم، أن المواد الكيميائية والأسمدة والمبيدات التي تستخدم في زراعة القصب قد تصيب الإنسان بحساسية الجهاز التنفسي، فضلًا عن الأوبئة وأمراض الدم، والأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي.

search