الخميس، 19 سبتمبر 2024

05:42 م

اعتداءات المستشفيات.. "الجناة" في مواجهة "الضحايا" (خاص)

أرشيفية

أرشيفية

داليا أشرف

A A

تتذكر "ندى" طبيبة بـ إحدى المستشفيات الحكومية، اليوم الذي دخلت إليها مريضة تسألها على دواء وصفه لها طبيبها الخاص، وبمجرد أن أخبرتها بأزمة نقصه في الأسواق، همت بالاعتداء عليها، باعتبارها المسؤولة عن توفير الدواء.

في الغرفة المجاورة كانت "أم إسماعيل" تنتظر طبيبا يفحص زوجها المصاب بالأورام، لكنها لم تجد من يسعفها.

أطباء في مرمى الانتقادات بسبب تجاهل مرضاهم بالمستشفيات الحكومية، متهمين بعدم الاهتمام بزوار المستشفيات، مثل العيادات، وأطباء آخرون يتعرضون للاعتداء اليومي لفظيًا وجسديًا من قبل المرضى لأسباب عدة، جميعهم يروون قصصًا واقعية لـ "تليجراف مصر".

 

تكدس المرضى بالوحدات الصحية

تقول "ندى مصطفى" طبيبة الأسنان بإحدى الوحدات الصحية، إنها تتعرض هي وزملائها يوميًا لاعتداءات المرضى، عادة ما تكون الوحدة التي تبلغ تذكرتها جنيهًا واحدًا متكدسة بالزوار، على رأسهم حوالي 9 أطباء، في إشارة منها إلى أنه إذا لم يجد المريض طبيبه، فهناك البديل.

"التذكرة كان عليها 3 أدوية، حاليًا بقى عليها 2 فقط".. بهذه العبارة بدأت ندى تشرح سبب الأزمة التي تنتهي بافتعال مشكلة بين المريض وطبيبه كل صباح، وهي نقص الأدوية، التي وصفها رئيس هيئة الدواء، علي الغمراوي، خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي، بأنها "مرحلة وهتعدي".

وفي روايتها لأحدث مشاجرات المرضى مع طبيب بالغرفة المجاورة لها، أوضحت ندى أن سيدة جاءت لتصرف علبة اللبن، ولكن لم تملك أوراقًا للصرف، فقررت أن تستخدم "البلطجة" والعنف حتى تحصل عليها عنوة، ناهيك عن مواقف تعرضت فيها للضرب والإصابة بجروح ولكن بمستشفى أخرى.

 

سرطان الدم

في طريق آخر تشقه أم اسماعيل، سارت على قدميها وهي "تجُر" زوجها على كرسي متحرك، الزوج الذي كان بكامل عافيته وصحته قبل شهر واحد فقط، لكنه سرطان الدم الذي لا يرحم أصاب جسده وحوله لشخص آخر تكاد لا تعرفه لولا أنها أخبرتك أن هذا هو ذاك الموجود بالصورة قبل 30 يوم.

كانت أم إسماعيل تبحث عن طبيب في استقبال إحدى المستشفيات لإسعافه قبل أن يفارق الحياة، فكانت نسبة الهيموجلوبين 4 - بحسب قولها - وإذا عادت إلى بيتها سيموت فورًا لأنه يحتاج لنقل دم، لكنها لم تجد من يمنحه الدم الذي يحتاجه، والممرضة التي تلقت هاتفًا من طبيبة تدعوها للقيام بواجبها ردت عليها قائلة: "الدم بياخد وقت يا دكتورة، وأنا شيفتي بيخلص 4".

 "خُديه وامشي".. تكمن مشكلة أم اسماعيل في سماعها تلك العبارة مرارًا طوال سنوات مرض زوجها، وهدوء أعصاب الأطباء إن وُجدوا، إذ روت أنها كانت تذهب لمستشفى وأخرى تبحث فيها عن طبيب ولم تجد إلا بعد ساعات طويلة، وحتى بعد وفاة زوجها ظلت تعاني من نفس المشكلة مع ذويها، فقصّت أنها ذات مرة ذهبت بابن شقيقتها إلى مستشفى ما، وبسبب عدم وجود طبيب همت شقيقتها بضرب طاقم التمريض.

في ساحة مستشفى أخرى، تباشر الطبيبة دينا حمدي عملها، تقابل مرضاها يوميًا وتتعرض منهم للإهانة أيضًا يوميًا، قائلة إن التطاول عليها بالألفاظ أصبح روتينًا عاديًا ولكن لسبب غريب: "بطول في الكشف على المريض اللي معايا عشان أقدر أشخصه.. فالناس بتتخنق من الانتظار وبيشتموني".

 

نبطشية 

لكن في نوبتجية أخرى لأطباء آخرين، لا يمكن دخول المرافق مع المريض نظرًا لصغر مساحة الغرفة، فيستلزم على الطبيب إخبار الحالة أن الإذن لها هي فقط بالدخول، وهنا يبدأ التطاول والتراشق بالسباب والأيدي، حيث قامت سيدة مرافقة وضربت طبيبة منعتها من الدخول، وعندما استدعت الأمن شقّت ملابسها وصاحت: "الدكتور اللي هناك ده كان بتحرش بيا"، وخوفًا من الزج باسم الطبيب في مشكلة أخلاقية، انتهى الوضع بالصلح.

وفي واقعة أخرى لطبيبة صديقة لـ حمدي، قالت: "جه واحد بيسأل زميلتي عن حاجة جاوبته إنه لازم يستنى الدكتور يجي، ضربها بالقلم على وشها ومشي وبردو مخدتش إجراء، كل يوم ده بيحصل لنا من المرضى".

على أعتاب مستشفى شهيرة بمحافظة القليوبية، جاءت دينا تحمل في أحشائها 3 توائم، تعاني الألم وانحنى ظهرها، تستند على شقيقة زوجها التي تصرخ هي الأخرى لإحضار طبيب بسرعة، قائلة: "فيه حالة ولادة هنا، حد يلحقنا".

 

لا يوجد طبيب تخدير

وفقًا للأسرة، بسبب عدم توافر طبيب تخدير أبلغها الطبيب أنها يجب أن تخضع للولادة الطبيعية، ورغم رفض الأم والعمة ذلك إلا أن الطبيب الموجود نهرهما، موضحًا: "انتوا جايين متأخر ومفيش بنج ولا دكتور تخدير أعمل لكم إيه؟".

رضخت الأم في النهاية لحل الولادة الطبيعية، وظلت ثلاث ساعات تتألم، وصراخها ملأ أرجاء المستشفى، إلى أن أتى طبيب التخدير والوضع أصبح أصعب، ووصل الطاقم في النهاية إلى ضرورة خضوعها للولادة القيصرية، ولكن لأسباب يتعلق بعضها بالإهمال الطبي بالحضانة، فقدت دينا أبناءها الثلاثة.

وفي مستشفى أخرى بمحافظة المنيا، يروى محمد ابراهيم، كيف كانت والدته تتلوى من شدة الألم بعدما وقعت على قدميها وأًصيبت بكسور، وكانت فقط كل ما تحتاجه هو أشعة على مفصلها كما أخبرها الطبيب الخاص، لكنه لم يجد طبيبا بالمستشفى لإجرائها.

وبعد مشاجرات عدة بين الابن وأبيه مع الطاقم الطبي، دخلت الأم لعمل الأشعة على قدميها ولكن بعد ساعات طويلة من الانتظار.

 

صرف الأدوية

وبالساحة الخارجية لمستشفى شهيرة أخرى، تمكث الطبيبة الصيدلانية "زينب المتولي"، تصرف الدواء للمواطنين فيما يسمى شباك صرف أدوية على نفقة الدولة، تقول إنها دائمة التعرض هي وزملاؤها للاعتداء والإهانة، حتى اضطروا ذات يوم إغلاق الأبواب عليهم، خوفًا من مريض أتى بعصا ليضربهم بها، لعدم توافر أدويته.

تصف زينب شكل شباكها الدوائي يوميًا، مزدحم بالمرضى الكثير منهم أُمي، وآخرون يأتون من آخر الدنيا ليحصلوا على الدواء، وعند إبلاغهم بنقص الأدوية، يتعدون عليهم بالضرب والألفاظ، خاصة مرضى السكري الباحثين عن أنسولين ليس له بديل.

تضيف المتولي: "بنشرح إن الأدوية مش متوفرة أو ناقصة في السوق، أو موجودة، لكن بدل ما تاخد 4 علب خد اتنين لأنها قليلة، الناس مش فاهمة إن ده الحل الموجود، فيبدأوا يتخانقوا معانا ويزعقوا، وناس ممكن تضربنا لأننا مش عارفين نصرف أدوية مش موجودة". 

الدكتور خالد أمين عضو مجلس النقابة العامة للأطباء 

نقابة الأطباء

طالب الدكتور خالد أمين، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء الحكومة، بضرورة تغليظ عقوبة الاعتداء على المنشآت الطبية والعاملين بها، واعتبارها جريمة لا يجوز التصالح فيها بأي حال من الأحوال، مضيفًا أن كثير من الأطباء يتعرضون لكثير من الضغوط للتنازل عن حقوقهم والتصالح.

وأضاف أمين خلال حديثه مع "تليجراف مصر"، أن استمرار وقائع الاعتداء على الأطباء والمنشآت الطبية، سيدفع الأطباء للهجرة إلى الخارج، بحثا عن بيئة عمل آمنة، ما يهدد استقرار المنظومة الصحية في مصر، محذرا من الوقائع المتكررة على الأطباء في المستشفيات، وأن النقابة تتلقى 3 بلاغات عن الاعتداءات يوميا، كمعلومة، حتى وإن لم يتم تحرير محضر.

أكد عضو مجلس النقابة العامة، أهمية إصدار قانون المسئولية الطبية حفاظا على حياة وسلامة الأطباء، حيث إنه يجب أن يشمل هيئة مستقلة لتحديد المسئولية الطبية والتحقيق مع الأطباء من خلال لجنة فنية متخصصة في ذلك الشأن، لافتا إلى أن عدم تغليظ عقوبة الاعتداء على الأطباء في المستشفيات، سيؤدي إلى تدهور منظومة الصحة.

ناشد أمين، الحكومة ممثلة في وزارة الصحة بالتضامن مع الأطباء في حالات التعدي على المنشآت أو مقدمي الخدمة، والدخول طرف في القضايا باسم المنشأة الطبية، حتى تشجع قيام المديرين بذلك.

search