الخميس، 21 نوفمبر 2024

08:59 م

سر الإمارات .. ولماذا يحب الناس دبي؟

تحتار كثيراً حين تريد أن تكتب عن دولة الإمارات، وإمارة دبي على وجه الخصوص، فقيمة هذه الدولة يصعب اختزالها في حديث عن الرخاء والاستقرار والأمان والفرص، لأنها تتحقق جميعًا منذ سنوات عدة،  ويعتقد كثيرون أن إنجازاتها تقتصر على ذلك، وأمور أخرى مرتبطة ببنيتها التحتية الاستثنائية، وكونها قبلة لرواد المال والأعمال ونخبة السياح من شتى بقاع الأرض، لكن هناك زاوية مختلفة أرى الإمارات من خلالها، وهي الإنسان..

الشعور بالانتماء إلى أرض ما يترسخ بمقدار ما نتمتع فيها من احترام لإنسانيتنا، ويترجم في جوانب عدة منها، سيادة القانون، والإحساس بالأمان الشخصي والأسري والمهني، والحصول على فرص عادلة للنمو والتقدم وتحقيق ما يتناسب مع جهدنا من مكاسب..

ارتباطك بوطنك يتضاعف حين يمكنك قضاء احتياجاتك بطريقة سهلة، دون أن تعاني من تعنت موظف متجهم عبوس، أو تعقيد في الحصول على خدمة ما، أو التعرض لابتزاز أو مساومة من مؤدي الخدمة، أو الشعور بالقلق أثناء قيادة سيارتك من سائق أرعن لا يحكمه قانون أو يضبطه نظام، ومن النادر أن يتحقق كل ذلك إلا في دولة مثل الإمارات.

حين أسسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رفقة أخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وحكام الإمارات الأخرى رسخّوا مبادئ رصينة لدولة منفتحة متسامحة يمارس فيها الجميع حياتهم بحرية مسؤولة، فمن يرغب في الصلاة يجد أفضل مساجد ودور عبادة بالعالم، ومن يريد الرفاهية يجد الأفضل كذلك، دون أن يزايد أحد على آخر أو يحكم على سلوكه أو تصرفاته طالما يلتزم بالقانون..

حين وصلت إلى دولة الإمارات لأول مرة عبر مطار دبي، انبهرت بالتنوع البشري الفريد، وجوه سمراء وبيضاء وملامح متباينة يدل كل منها على البلد أو الإقليم الذي أتى منه صاحبه، واعتقدت في البداية أن هذا يقتصر على المطار لكونه يربط بين وجهات عالمية مختلفة، لكن اكتشفت لاحقاً أنه مجرد نموذج مصغر من الدولة التي تضم بين جنباتها أكثر من مائتي جنسية يتعايش أصحابها سوياً في أمان وتسامح وسلام، دون تمييز أو عنصرية..

وهذا هو السر من وجهة نظري، فقد قرأت كثيراً عن مصر في مطلع القرن الماضي حين كانت وجهة للعمال المهرة من أوروبا وآسيا وإفريقيا، وكان يعيش بها نخب عالمية استوطنوا الاسكندرية والقاهرة والمدن الكبرى، إلى أن غادر معظمهم في سنوات لاحقة، 

والآن تحمل الإمارات هذه الراية، وتحرص على توفير سبل الراحة والأمان والعدل لقاطنيها من معظم البلدان، وتملك مدنا كوزموبوليتانية بكل ما تعنيه الكلمة من تنوع وانفتاح وتطور، مثل دبي، ولي فيها كلام كثير، فهي مدينتي المفضلة بكل المقاييس، أرتبط بها وجدانياً لدرجة لا توصف، وأتمنى أن تعود القاهرة والاسكندرية وأسوان والغردقة وشرم الشيخ لتصبح نماذج عربية من دبي..

ولدي قناعة راسخة بأن قوة هذه المدينة في تنوعها الإنساني، ولا أبالغ إطلاقاً بالقول بأن هناك حالة عشق فريدة بين دبي وزوراها، والسبب ليس في رفاهيتها ومقاصدها الرائعة فقط، لأنها لن تختلف عن مدن كثير مبهرة، لكنها تخطف قلبك وتملك مشاعرك سواء كنت مقيماً أو زائراً لها لأسباب تختلف حسب تجربة كل من يرتبط بها، وتتعلق جميعاً بالإنسان..

يعتقد كثيرون أن التطور التقني هو الأساس، لكن ما فائدة التكنولوجيا إذا لم تكن في خدمة الإنسان ورفاهيته، وسعادته، فهناك بوابات ذكية على سبيل المثال في مطار دبي تتيح المرور خلال ثوان، لكن من قال إن النظام البشري المطبق في المطار يعرض المسافر لأي نوع من المضايقة أو التعقيد، فهناك موظفون متبسمون يقابلون الجميع بترحاب وينهون إجراءاتهم في ثوانٍ، فالتقنية سهلت الأمور بالتأكيد لكنها ليست السبب الوحيد في الشعور بالراحة والاطمئنان..

وهناك مراكز شرطة ذكية تدار دون تدخل بشري في مناطق مختلفة بإمارة دبي، لكن من يقول أن مراكز الشرطة التقليدية تعرض روادها لأي نوع من الضغط أو سوء المعاملة، فهي أقرب إلى فنادق وموظفوها مزودو خدمات مدركون أنهم واجهة لقيادة تكرس حياتها من أجل الإنسان..

لقد وصلت الإمارات محامياً صغيراً مبتدئاً، وكبرت ونمت أعمالي بها حتى امتلكت شركتي، وحصلت على فرصة إعداد وكتابة مؤلفات متوافرة بأفضل المكتبات، ومنها مكتبة دبي العامة الصرح العلمي الفريد الذي يقوم عليه أحد أبرز القامات في هذه الإمارة الرائعة وأكثرهم رقياً وتواضعاً.

نحب أوطاننا حين تحبنا وترعانا، لذا ظل انتمائي راسخاً لوطني مصر، وتحولت الإمارات إلى وطن ثان يعيش بداخلي، فكم أنا محظوظ بوطنيين تربطهما دائماً علاقة رائعة متينة تعكس قيمة كل منهما وأصالته..

يدرك كل مقيم وزائر لدولة الإمارات أنني لا يمكن أن أوفيها حقها مهما كتبت، لكن للناس فيما يعشوق مذاهب، وأنا أعشق كلاهما، وأتمنى التوفيق للقائمين عليهما فهم محملون بأمانة كبيرة بحجم مصر والإمارات ..

أخبار متعلقة

صفعة على وجه كريم

09 يناير 2024 08:24 م

لا بديل عن الاصطفاف

20 ديسمبر 2023 11:48 م

أن تكون رجلاً

01 يناير 2024 07:07 م

search